كيف يصير الحليب أسود

                                                        

                               عائشة سلطان

عندما سمعت مصطلح (اكتئاب) للمرة الأولى في حياتي، لم أكن طفلة ولا مراهقة، كنت قد أنهيت دراستي الجامعية وبدأت العمل كمدرسة أولاً، قبل أن أنتقل للعمل الإعلامي، برغم ذلك لم أكن أعرف ماذا يعني أن يكون إنسان ما مصاباً بهذا المرض، خصوصاً بعد أن علمت أن واحدة من الصديقات قد بدأت تعاني منه، فلم يقل لي أحد يوماً إنه أصيب بالاكتئاب أو كيف تعافى منه، ولم تحدثني عنه أمي ولم أقرأه في الكتب والروايات، ولم يشرحوه لنا في المدرسة، لقد كان الاكتئاب (مرضاً) مجهولاً تماماً، لم يساعد أحد تلك الفتاة على اجتياز الحالة، كانت تتناول بعض العقاقير وكفى!

ربما عانت أمي منه بعد إحدى ولاداتها، وربما دخلت فيه زوجة خالي أو إحدى جاراتنا عندما كنا صغاراً، لكنهم لم يكونوا يعرفون أنه اكتئاب ما بعد الولادة، كما عرفته الروائية التركية (ألف شفق) وعاشته بكل قسوته، وروت تفاصيل تجربتها بعد الولادة كذات مبدعة توقفت قدرتها تماماً على العطاء والإبداع، بمجرد أن تجلت أنوثتها في أبهى صورها، حين تحولت إلى أم ممتلئة بالعاطفة والأمومة والحب والحليب الأبيض، بالمقابل جفت الكلمات تماماً وتحولت إلى حليب أسود لا يصلح لأي شيء!

يحدث ألا نعرف شيئاً عن هذا المرض السقيم الذي ينشب أظفاره في الروح فيهلكها، ممتصاً كل التذكارات المبهجة من الذاكرة، ومراكماً في الذهن كل الصور والمواقف والتذكارات الكئيبة والسوداء والمحزنة والدافعة للبكاء، فيجد الإنسان نفسه في ورطة نفسية سيئة، كمن يرحل في بئر ضيقة شديدة الحلكة، قلت إنني لم أكن أعرف الاكتئاب حتى وقت متأخر، لكنني فيما بعد وجدت كثيراً من الناس واقعون ضحايا هذا العارض، أحياناً يفلتون منه سريعاً، وأحياناً لا يقدرون، وهناك حكايات تداولتها الصحف عن مشاهير وقعوا ضحية الاكتئاب فأدمنوا بعض العقاقير وانتهوا بشكل مأساوي، ويعد الكاتب الأميركي الشهير إرنست هيمينغواي صاحب رواية (العجوز والبحر) أحد أشهر المكتئبين الذي أنهوا حياتهم بالانتحار!

تصاب بعض النساء بالاكتئاب بعد الطلاق وبعد الولادة، وبعد تجارب الحب الفاشلة، وحين يضطر البعض لمغادرة بيوتهم إلى منازل أخرى لم يعتادوها، وبعد العمليات الجراحية حين يجد الإنسان نفسه مقيداً إلى السرير أو عاجزاً عن الحركة، أو وحيداً في المنزل بلا أحد يؤنسه ويثري وقته بالثرثرات والضحك، لهذا يحتاج الإنسان لمساعدة الأهل والأصحاب ووجودهم، فالتواصل الإنساني العميق والحميم واحد من أهم العلاجات الإنسانية للقضاء على الاكتئاب، والغفلة عنه أو إهماله هو السبب في تفشي هذا المرض بين الناس!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع