د. علي محمد فخرو
في هذا الشهر الفضيل لن أخادع النفس وأكرر الأدعية والتمنيات المظهرية الروتينية، سواء للأفراد أو الجماعات، سأكون صادقا مع النفس، وسأجثو على ركبتي وأتوجه الى رب العالمين، رب العدالة والحق والصدق، رب الرفض للنفاق وللكلمة الخبيثة، وسأذرف الدموع لأن يقبل قلقي وحيرتي ويغفر لما قد يزل به لساني.
بوجل وخشوع سأسأل سؤالا يحيُرني: هل سيقبل صيام وقيام أي مسؤول أو تنظيم أو فرد يدعم بالمال والسلاح والدعاية الاعلامية وبكل أنواع الاسناد الأخرى الجماعات التي تمارس قطع الرؤوس بهمجية البرابرة، وسبي وبيع النساء الأسيرات كالحيوانات في أسواق النخاسة، وشيطنة براءة الأطفال بزجهم في صراعات وحروب لا يفهمونها، وتفجير السيارات المفخخة في الأسواق والمساجد والمآتم وكل أماكن تجمُع المواطنين الأبرياء فيخالفون بذلك أمرا من أوامر اللُه (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق) «الأنعام 151»؟ ثم يبررون تلك الأفعال، زورا وبهتانا وكذبا، باسم الاستجابة للرسالة السماوية السمحة الرحيمة التي تحرُم تلك الأفعال (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) «المائدة 32».
هل سيقبل صيام وقيام أي مسؤول أو جماعة أو فرد أو مالك لمحطة تلفزيونية فضائية يساهم، بالقول أو الفعل، في اشعال نار الفتن الطائفية، فيما بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وفيما بين السنُة والشيعة أو أتباع أي مذاهب أخرى، وبالتالي اشغال هذه الأمة عن قضايا تحررها وتنميتها ونهوضها من تخلفها؟
إن أصحاب الفتنة فسروا الآيات والأحاديث حسب أهوائهم وتخيلوا ما ليس فيها، واستعملوها في صراعاتهم السياسية ومطامعهم الدنيوية، فتاه العباد عن المقاصد الكبرى وعن وحدة الدين وعن وحدة الأمة.
وهل سيقبل صيام وقيام من يدمرون روح عبادة الصيام، فيقلبونه من شهر قبول وممارسة للجوع والعطش وذلك من أجل أن يشعر الانسان بجوع وعطش الفقراء والمستضعفين والمهمشين، الى شهر تخمة واستهلاك مبتذل تبذيري نهم، والقاء الكثير ممُا يزيد من النعم في براميل القمامة دون حياء من النفس أو توبيخ من الضمير الديني؟
وهل سيقبل صيام أو قيام من ينهبون المال العام بغير حق، والأراضي العامة بدون تخويل وثروات الأرض العامة، بأنانية ولا مساواة؟ ويكتفون بتوزيع بعض منها ومن فتاتها على من يمارسون الزبونية والولاء الكاذب والسكوت عن قول الحق وممارسة الانتهازية في الحياة العامة؟ يفعلون كل ذلك بينما تعاني خدمات التعليم والصحة والاسكان والثقافة من الشح والتقتير والتراجع في الأداء والمستوى؟
وهل سيقبل صيام وقيام من يتعاملون أو يتصالحون أو يعترفون بأي شكل من الأشكال مع العدو الصهيوني، الذي احتل أرضا عربية وشرد شعبا عربيا، ويتغاضون عن استمراره في سرقاته اليومية لأراضي ومياه وزرع أهل فلسطين وعن ممارسته اليومية في قتل وسجن شباب وشابات فلسطين وعن حقارة حروبه وحصاراته لتدمير غزة المستباحة المنكوبة؟ بل ويتناسون انه يحتل المسجد الأقصى بكل ما يرمز اليه من تاريخ وعبادة ومعانٍ روحية، وأنه يسمح لغوغائه ومجانينه استباحة ساحاته المطهرة باسم تاريخ كاذب مبني على اساطير وأوهام وتخيلات. وسأدعو ربي العادل أن يعجل بعقاب من يصافحون مبتسمين ويقبُلون بحنان وجنات من تقطر من أياديهم دماء الألوف من أهل فلسطين وأرض العرب من المسيحيين والمسلمين ولاتخطر في بالهم وضمائرهم المشوهة القاسية دموع وأحزان وعذابات نساء وأطفال فلسطين المنهكة.
وبحيرة الانسان الذي تشوش الأحداث ذهنه سأقول لقد اختار ربي أمة العرب أن تحمل آخر رسالاته الالهية وتنشرها بين البشر بالموعظة الحسنة والقدوة والتضحيات ان لزم الأمر، وبالابتعاد التام عن عادات وجهالات القبلية الجاهلية، لكن هذه الأمة مارست كل ما لايرضاه الله من مظاهر الاستبداد في الحكم واللامساواة في الحقوق والخيرات، وعدم الالتزام بقضايا الناس والأوطان في الحياة العامة، وعدم اعمار الأرض وبناء الحضارة المادية والمعنوية لها وللانسانية جمعاء. ولقد تضافرت قوى السلطات التي مزقت الأمة، وقوى الفقه المتخلف الذي أدخل الناس في صراعات.
يا الهي، نحن عبادك نعرف مقدار محدودية فهمنا لآفاق وأسرار عدالتك ورحمتك ومغفرتك وعقابك. لكننا، ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل، نطرح هذه الأسئلة بخشوع المؤمنين الراضين بما تقدر وتقضي، والتي تخطر على بال ملايين المظلومين والمعذبين والحائرين من ساكني أرض العرب الملطخة بالدماء والدموع والقيح، طمعا في أن تجعل يارب العالمين هذا الشهر الفضيل شهر هداية لعقولنا وطمأنينة لقلوبنا وبردا وسلاما لأرواحنا: أو لم تؤمن؟ قال بلى، ولكن ليطمئن قلبي.
883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع