أتحبون الفقر؟ (٤)

                                        

                         بقلم: سليم عثمان

ليس منا من يحب الفقر، كلنا نحب أن نصبح بين عشية أو ضحاها من الأغنياء ولو كان لأحدنا جبلا من ذهب لتمنى ثان وثالث هذه هي طبيعة النفس البشرية والمال والبنون زينة الحياة الدنيا كما قال الله تعالى، سئل الإمام أحمد: أيكون الرجل زاهدًا وعنده ألف ألف ‏درهم؟ قال: نعم إذا زادت لم يفرح، وإذا نقصت لم يحزن.

طالعت كتيبا صغيرا للأستاذة ثُريا بنت إبراهيم السيف  تتحدث فيه عن الزهد بعنوان: أغنى فقر فتبدل نوعا ما  قناعاتي عن الغني  واليكم قطوف من هذا الكتب جعلني الله وإياكم من الأغنياء حقا، يتضمن الكتيب حثا على الزهد في الدنيا والاستعداد للدار الآخرة وإظهار الفقر والفاقة إلى الله تعالى والحث على الأعمال الصالحة التي هي التجارة الرابحة.
يقول شاعرنا الكبير الراحل محمد مفتاح الفيتوري في قصيدته ياقوت العرش:
دنيا لا يملكها من يملكها... أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها... ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء... هي الأشياء!
تقول الكاتبة: العبد محتاج في كل أحواله إلى غيره ولا يستطع العيش بلا معين، وتتفاوت مكانة من يحتاج إليه، فقد يلجأ إلى نظيره من المخلوقات، وإن كان موفقاً لجأ إلى رب هذه المخلوقات وخالقها ومصرفها ومالكها سبحانه، وإذا افتقر إلى الله اغتنى! بل أصاب أغنى الغنى! وتقول: شتان بين من يلوذ ويفتقر إلى القائل في كتابه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاء} [آل عمران: 26]. وبين من يريق ماء وجهه باللجوء، إلى الخلق المساكين المحتاجين الي الله  الذين لا يملكون قطميراً، ولا يملكون لأنفسهم صرفا ولا عدلا فكيف لغيرهم؟! قال ابن القيم: «والمراد بالفقر شيء أخص من ذلك كله، وهو تحقيق العبودية والافتقار إلى الله في كل حالة» وصدق رسولنا الكريم حين قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» و تقول أن الغنى نوعان: غنى بالله، وغنى عن غير الله. والسعيد حقّاً من زهد في الدنيا وما فيها، ورغب في الله والدار الآخرة، والآخرة خير وأبقى. وتعرف الفقر والافتقار إلى الله  كما عرفه الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله: حقيقة الفقر: أن لا تكون لنفسك ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثم ملك ‏واستغناء مناف للفقر). ثم قال: (الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعال من كل وجه) قال تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} [ الأنعام: 162-163] .قال يحيى بن معاذ ):النسك هو العناية بالسرائر، وإخراج ما سوى الله عزَّ وجلَّ من القلب) والمتأمل في جميع أنوع العبادة القلبية (توكل، خوف، رجاء، صبر، محبة، تعظيم، رضا، شكر). والعملية (صلاة، صيام، حج) يرى أن الافتقار فيها إلى الله هي الصفة الجامعة لها. فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة.
وتضيف الكاتبة أن الإفتقار الى الله سبحانه وتعالى  يتحقق بأمرين:
الأول: إدراك عظمة الخالق وجبروته، فكلما كان العبد أعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه، كان ‏أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه،  قال تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} وقال الفضيل بن عياض (أعلم الناس بالله أخوفهم منه)، وقال (رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله ).
وتقول الكاتبة ثريا :أن  الافتقار إلى الله تعالى والتعلق به وشعور العبد بفقره وحاجته إلى ربه عزَّ وجلَّ يدفعه إلى الإنابة إليه، ويتعلق قلبه بذكره وحده والثناء عليه، والتزام مرضاته، والامتثال لمحبوباته.
قال بعض الصالحين: (مفاوز الدنيا تقطع بالإقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب). ولهذا نرى العبد الذي افتقر إلى ربه وإن اشتغل في دنياه وبيعه وشرائه، أو مع أهله وولده مقيماً على طاعته، مقدماً محبوباته على محبوبات نفسه وأهوائه أو ‏محبوبات أهله، لا تلهيه زخارف الدنيا عن مرضاة ربه، فهو واقف عند حدود الله .
وتضيف  أن من افتقر إلى ربه وجد لذة في طاعته لا تدانيها لذة (فأوامر المحبوب قرة العيون، وسرور القلوب، ونعيم الأرواح، ولذات النفوس، وبها كمال النعيم، فقرة عين المحب في الصلاة والحج، وفرح قلبه وسروره ونعيمه في ذلك، وفي الصيام والذكر والتلاوة، وأما الصدقة فعجب من العجب. وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ‏والصبر على أعداء الله سبحانه وتعالى؛ فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف، ولا يدركه من ليس له نصيب منه وكل من كان ‏به أقوم كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم). وأعظم الناس ضلالاً وخسراناً من افتقر إلى غير الله تعالى، وكلما زاد افتقاره إلى غير الله سبحانه ازداد ضلالة وخسارًا ولهذا ركون العبد إلى الدنيا أو شيء من زخرفها آية ‏وعلامة من آيات العبودية لها، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[ الجاثية: 23] ولهذا فإن من الخذلان أن يفتقر القلب إلى غير الله، فإنه يفوته من مصالحه وسعادته أعظم مما حصل له ممن تعلق به.
وتقول :أن من علامات الإفتقار الي الله، مداومة الذكر والاستغفار  والوجل من عدم قبول العمل وأن لا يأمن العبد الفتنة سؤال  الله وحده  الاستغناء عن  سؤال المخلوق .  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1045 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع