ما الفرق بين جريمة (علي الحسيني) وجريمة (اوس الخفاجي)؟

                                              

                           د.عبدالقادر القيسي

كنت قد كتبت موضوع هذا المقال وانا في رحلتي خارج العراق حيث ابتدأت من دولة الشارقة وبعدها الهند ودبي والأردن ودولة اجنبية ومن ثم العودة الى أربيل الحبيبة عن طريق انقرة، واستغرقت رحلتي شهر تقريبا، ولم يتسنى لي إتمام تصحيحه، والشكر موصول لمن سال عنا وكان يهمه امرنا وبعدنا عنه وعن ساحة الكتابة، والشكر فيه غصة لإخوتي الذين تربطني بهم رابطة الدم الذين اتعبوني بالسؤال، ومعهم اقربائي الذين كنت بين ظهرانيهم لكني لم أشأ ابلاغهم؛ وعند انتهاء رحلتي قررت تنقيح مقالي ونشره، وأقول:

ان مواطني محافظة ما عندما يجدون هناك تمايز واختلاف بالسياسات تصل الى حد اطر التعامل مع الضحايا، ذلك سيعمق من وضعية اليأس ويجعلهم يتورطون في تمجيد العنف وفى إلغاء الحق وتعميم مقولات الانتقام والثأر من القادمين، وهذا التعامل بازدواجية مع القضايا سيعمل على تعطيل الضمير وممارسة الاستعلاء على ضحايا الأول وتمجيد ضحايا الثاني.
في 16/5/2016انشغل العراقيون بظهور احدى شخصيات تيار السيد مقتدى الصدر "السيد علي الحسيني" بتسجيل فيديو يقترح فيه اعلان العصيان المدني والاضراب العام) وأعلن بعدها عن صدور مذكرة قبض من القضاء العراقي وفق المادة (213) من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وأشار بيان لوزارة الداخلية بان "الوزارة بدأت بتنفيذ امر القضاء ... بتعميم مذكرة القبض على المطارات والمنافذ الحدودية لمنعه من السفر".
وتزامن ذلك مع دعوات علنية ذات طابع جنائي وتحريضي على القتل وتحديدا في يوم 23 /5/ 2016 أنطلقت من الأمين العام لقوات(أبو الفضل العباس) بإن "الفلوجة منبع الإرهاب منذ 2004 وحتى يومنا هذا، ولا يوجد فيها شيخ عشيرة آدمي، ولا إنسان وطني ولا ملتزم دينيا، حتى في مذهب أهل السُنة" وأن "هذه المعركة فرصة لتطهير العراق، لاستئصال ورم الفلوجة منه وتطهير الإسلام منها، فهذا شرف لا بد من المشاركة فيه".
في 25/5/2016، صرح مكتب رئيس الوزراء بأن "أوس الخفاجي ...، لا يمثل الحشد الشعبي الذي يرتبط برئاسة الوزراء، وهو غير متواجد أصلا في قواطع القتال في الفلوجة".
فلماذا لا تلقون القبض عليه فورا بالجرم المشهود وهو التحريض على القتل والتدمير؟
وبتدقيق قانوني ممزوج بقليل من السياسة لتصريح مكتب العبادي، نجد ان كلام متحدثه توضيحي ولا يعني الردع والمنع لوقوع الجريمة ولا الطلب من الأجهزة المعنية بألقاء القبض على مطلق التصريحات كونها:
الف- دعوة لنشر ثقافة الحقد وتحريض للقتل وارتكاب جرائم إبادة جماعية.
باء- دعوة تدمير مدينة سكانية يقطنها اكثر من مائة الف مواطن واستئصالها.
جيم- انتهاك صريح للدستور في مادته السابعة.
دال-ارتكب جريمة الازدراء بآدمية ومذهب أهالي الفلوجة وشيوخها.
هاء-المناداة بمبدأ العقوبة الجماعية وهذا خلاف للدستور(19/ثامنا) كون العقوبة شخصية.
واو- تصريح يصدر من قائد حشد لا يرتبط برئيس الوزراء أي مليشيا.
 هذه الجرائم، تحتاج لتحرك سريع من الدولة وبخاصة القضاء العراقي كما تحرك في قضية (علي الحسيني) لا سيما ان جريمة الحسيني لا تعدو ان تكون جنحة وفق حكم المادة (213) من قانون العقوبات التي جاء فيها الاتي (يعاقب بالحبس وبغرامة ... او بإحدى هاتين العقوبتين من حرض بإحدى طرق العلانية على عدم الانقياد للقوانين او حسن امراً يعد جناية او جنحة)، بالرغم من اننا نشك بالدوافع السياسية التي أدت الى التحرك السريع في ملاحقة الحسيني وتعميم امر القبض عليه، لاسيما هناك عشرات الجرائم التي ارتكبت ونقلتها مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتم اتخاذ أي اجراء بحق مرتكبيها، وليس بعيد من ذلك جرائم واثق البطاط وأبو عزرائيل وغيرها، كنا نتصور ان السيد العبادي ووفق ادنى مسؤولياته، وبعد ان استمع الى خطبة (اوس الخفاجي)، ان ينتفض ويطلب عاجلا وفورا اتخاذ اجراءات اقسى من مثيلتها التي اتخذها في جريمة (الحسيني) لان الفعل اشد وحشية وإرهابا ودعوة للقتل والابادة والاستئصال، ويطلب القاء القبض علي( اوس الخفاجي) وتسليمه للقضاء لتنصب العدالة موازينها، الا انه اكتفى بالتبرؤ منها، ولم يستنكرها، وقريبا من هذا الموقف أيضا رئيس الجمهورية لم يستنكر او يطلب من القضاء او من رئيس الحكومة اتخاذ اجراءات قانونية  بحق (أوس الخفاجي) حول تصريحاته الطائفية.
 فتصريح مكتب السيد العبادي بحق السيد الخفاجي كان القصد منه تسجيل براءة وحفظ ماء وجه والهروب من المسؤولية، سيما انه لم يستنكره او يندد به فقط اعلن براءته، ونستنبط مسالة في غاية الخطورة، من تصريح مكتب العبادي، بانه يوجد حشد مرتبط برئاسة الوزراء ويوجد أيضا حشد غير مرتبط برئاسة الوزراء، وهذا هو الذي ممكن ان يرتكب جرائم بشعة كما حدث في صلاح الدين وجرف الصخر وغيرها؛ وكما حدث مؤخرا في قضاء الكرمة حينما صرح رئيس مجلس النواب عن خطف اكثر من(70) شخص وبعدها قتل (12) شخص ورميت جثثهم وغيرها، وطالبَ عضو اللجنة الأمنية في مجلس الأنبار، ‫‏راجح العيساوي، “نطالب المرجعية بمحاسبة بعض من عناصر الحشد الذين قاموا ببث الفتن من خلال الكتابات والكلام الذي تجاوزا به على الفلوجة، مع سحب الحشد الشعبي من محاور الفلوجة”.
ان براءة العبادي وغيره شماعة يطول عمرها لحين استخدامها ولا مفر ولا براءة يا رئيس الوزراء من كل ما حصل من جرائم إنسانية سواء من الحشد المرتبط بك او من لم يرتبط بك مباشرة.
ولو اردنا ان نقارن بين جريمة الحسيني والخفاجي، سنجد ان المشرع في قانون العقوبات العراقي التفت الى الشخص الذي يدفع الى ارتكاب الجريمة ويستغل المنابر الاعلامية والأماكن العامة من خلال تزيين الفعل الجرمي الى الناس، وإلباس الفعل المُجَرَّم لباس الأمر المباح وتمجيد اي مرتكب للجريمة بطريقة تؤدي إلى دفع النفوس إلى الإقدام على الجرائم، ولكن لو قارن بين ما طلبه الحسيني وهو شيخ دين اعزل؛ نجد ان قصده الجرمي انصرف الى تحريض على العصيان المدني غير المسلح، وتنويها، ان دعوته للعصيان المدني في ظل دولة فاشلة تعيش تحت جنحها وعلمها مائة فصيل مسلح خارج سيطرة الدولة لا تنهض دليلا ماديا لإسناد له جريمة وفق المادة(213) عقوبات، اما تصريح الخفاجي، فان العمد والوحشية في تصريحه، هو توجهه اختيارا ومع نية الإصرار والترصد بأهالي الفلوجة عندما وصفهم بالدواعش ويجب ابادتهم( طفل او شيخ او امرأة)؛ فان قصده الجرمي انطوى على تحريض بغطاء ديني مذهبي طائفي على استئصال مدينة بكاملها وتطهيرها، وبذلك ينوي ارتكاب جريمة مخالفة للدين والشرع والأعراف السماوية، والسيد الخفاجي قائد عسكري يمتلك قوات مسلحة تأتمر بأمرته ومتواجدة في صلاح الدين وحزام بغداد واطراف الفلوجة، مما يعني ان تصريحه ممكن ان يأخذ مداه الفعلي على ارض معركة الفلوجة وتنفيذ أوامره بالإبادة والقتل، مما كان يستدعي والامر جلل؛ ان يكون التحرك لمنع وقوع جرائم إبادة جماعية اقوى واسرع واشد وطأة من التحرك على (الحسيني) شيخ الجامع الأعزل؛ ان كنا نحيا في ظل ابسط مقومات دولة.
ان تصريح السيد اوس الخفاجي وقريبا منه تصريح الأمين العام لسرايا أنصار العقيدة، جلال الدين الصغير، فنقلت عنه مواقع إلكترونية مؤيدة قوله: “لنا ثأر عميق مع (كرمة الحقد)، ونحن رجال لا ننسى ثاراتنا، وبعد (كرمة الغدر) لن نستريح إلا على مشارف مدينة الأفاعي (الفلوجة)، ولنا صولة حق فيها”.
كما نشرت منظمة بدر من جانبها صوراً ومنشورات على صفحاتها تقول فيها: “يا فلوجة .. ملك الموت قادم فاستعدي للرحيل”، وتصريح سابق للنائب قاسم الاعرجي عندما اعتبر تطهير الفلوجة قربة لله.
ان هذه التصريحات بعيدة جدا عن قول الامام علي (عليه السلام) حين كتب لاحد ولاته (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) وليس ببعيد ما صرح به عبد المهدي الكربلائي " وقال مستشهدا بحديث نبوي "لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها.".
والدولة العراقية لم تتصرف وفق ما يمليه عليها الدستور والقوانين، لأنها لا زالت تغمض عينيها عن تصريحات وانتهاكات خطيرة؛ وتستخدم وبإصرار المداهنة في التعبير عن المواقف والالتفاف على الحقائق.
ان عدم استنكار الحكومة العراقية لتلك التصريحات وعدم اتخاذها أي اجراء قانوني او سياسي تعطي مسوغ قانوني، لتكرار مثل تلك الجرائم ضد الإنسانية، لاسيما ان قوات ابي الفضل العباس وقائدها (الخفاجي) منضوية تحت الحشد الشعبي، والحشد جزءًا من المؤسسة العسكرية وتحت سلطة رئيس الحكومة وقائد قواتها المسلحة(حسبما يصرح به السيد العبادي).
لا نريد مذهبة معركة الفلوجة:
ان تصريحات الخفاجي وغيرها تضفي طابعا طائفيا على المعركة كون الفلوجة مركزا ذا رمزية دينية عالية للمكون السني في العراق، ومن الخطأ البائن تحويل معركة الفلوجة الى ايقونة للدعاية وتسويقها لدوافع طائفية، وعدم جواز ظلم الابرياء العزل بجريرة جرائم داعش، ويجب التمييز بين البريء المغلوب على أمره من المتورط مع داعش.
ان انعكاسات المشهد السياسي المحتدم داخل التحالف الوطني الحاكم له تأثيره الواضح والسلبي على مجريات الاحداث لخوض معركة الفلوجة، وهي ليست بعيدة تماما عن الخلافات التي تأججت مؤخرا بين أطراف التحالف الوطني، مما حدا ببعض القيادات الى اختراع البطولات اللفظية لشخوصهم، متصيدين الفرص للتسلق من خلال ادعاء بطولات بالثورات الخطابية بدون حساب للمسؤوليات وردود الأفعال.
إن تحرير المناطق وإرجاعها إلى سيادة الدولة واجب على السلطات، لكن هذا الواجب يتشوه ويتقزم حينما تشحذ همم الطائفيين ضد أهل المدينة، وتكون مصدر استفزاز للأخرين يدفعهم إلى النظر للمعركة من زاوية طائفية، بدلا من كونها عملية عسكرية تقوم الحكومة بواجب إعادتها إلى السيادة.
ان السكوت والتغافل المتعمد عن تلك التصريحات، يؤسس الى عمليات قتل خارج القانون، وتستوجب وقفة جادة من مفوضية حقوق الانسان العراقية والمراجع السياسية وبخاصة الدينية؛ لان البلدان لا يحميها مطلقو تلك التصريحات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1060 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع