عائشة سلطان
حين طلبت منه إحدى قارئاته نصيحة لأنها معجبة بأدبه ورواياته، كانت نصيحة غوستاف فلوبير لها ثلاث كلمات لا أكثر:
«اقرئي لكي تحيي»، من هذه النصيحة انطلق الكاتب دانيال باناك وهو يعد لكتابه (متعة القراءة)، فجاءت النتيجة كتاباً في القراءة والمتعة والحياة، يكشف لنا باناك في كتابه كيف أن القراءة التي يعودنا والدونا عليها ويدربوننا منذ صغرنا على طريقة التعامل معها ومع الكتاب، تتحول إذا نحن آمنا بالكتاب إلى فعل حياة حقيقي!
باناك يؤكد في كتابه أيضاً أن القراءة تحول القارئ إلى شخص آخر يختلف عما كان عليه قبل القراءة، التحول الذي يصيب القارئ يبدأ معه في وقت مبكر جد، عندما يبدأ في تلمس طريقه نحو الكتب وهو صغير جداً، يثير فضوله كل باب مغلق وكل مكان ممنوع عليه دخوله، عندها يتحول الفضول إلى شغف والشغف إلى حالة من التلصص، فيكتشف عالماً مختلفاً وكبيراً جداً ومليئاً بالعجائب، يقول لنفسه (هذا بالضبط ما كنت أبحث عنه)، وفي كل مرة يتسلل فيها ليفتح كتاباً أو قصة يشعر ذلك الطفل بأن عالماً جديداً ينفتح أمام عينيه، فينفصل عن عالمه أو يتمرد عليه ثم يغوص فيه أكثر، يقول باناك، إنه لا يمكن للمرء أن يشفى من هذا التحول الذي تصيبنا به القراءة، كما لا يمكن أن نعود منها سالمين دون أن يصيبنا دوار المعرفة!
حين طلبت مني صديقة لي أيام الدراسة الجامعية، أن أعلمها أبسط طريقة للدخول إلى عالم القراءة والكتب، عرفت بأنه أصابها عارض الإعجاب بقارئ ما، فالقارئ الحقيقي شخص مختلف ومثير للاهتمام والإعجاب، وكثيرون يتمنون أن يكونوا مثله، لقد حاولت أن أمهد لها الطريق إلى الكتاب، حاولت معها بأكثر الطرق بساطة أن تقرأ، فعلت كل ما في وسعي، فكانت النتيجة صفراً في المئة، لم تستطع أن تعبر الصفحة الأولى من أي كتاب، قالت لي إنها لم تجد القراءة ممتعة ولا سهلة، إنها هواية ثقيلة كما قالت، وهذه تحديداً هي المشكلة، فالقراءة ليست هواية أبداً!
حينما ننتمي للقراءة ونصير قراءً فإننا نقرأ كمن يتنفس، أو كمن يعيش كما قال غوستاف فلوبير، »حينها نقرأ كي نعلم من نحن، ولكي نعلم ما يجري في العالم، ونعرف الآخرين بشكل أفضل، ونعلم إلى أين نمضي، وكي نحافظ على ذاكرة الماضي، ونضيء الحاضر، كي نكسب الوقت، ولكي نفرّ من الواقع، كي نبحث عن معنى للحياة، كي نمارس فكرنا بحرية..«، نقرأ لنحيا فعلاً.
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع