فلاح ميرزا
حقائق ووقائع مرت عليها مدونات التاريخ بصورة سريعة لم يتوخى فيها الدقة المطلوبة فى الادعاء والنقل رغم ان الكثير منها غلب عليها الجانب الانسانى والمبدئي لاثبات موقف تاريخي لزمن ما .
اليوم اكثرمن اي وقت مضى يتيه القارئ بين الاخبار المتناقضة والشائعات والتأويلات حتى لدى اشهر القنوات الفضائية ووسائل الاعلام الاخرى المرئية والمطبوعة والمسموعة فى نقلها للاخبار لان قسما منهم لم يتوخوا الدقة فى معرفة مصادرها وانما على من يتلقاها ويعيد صياغتها بصورة او باخرى بل يهمهم من ورائها الشهرة وكسب اكبر عدد من القراء وجنى الاموال ولهذا ربما لسبب اخر كثرت الاخبار والاقاويل ذات الاوجه المتعددة فلم يعد معها المتتبع قادر على التميز بين الغث والسمين بين الحقيقة والوهم بل اكثر من ذلك اصبح الناس يقبلون بالمعلومةرويقبلون نقيضها فى نفس الوقت كالذى قيل عن بعض الزعماء والرؤوساء والقادة اشبه بالخرافة انهم احياء امثال هتلر وبن لادن وغيرهم لازالوا احياء يرزقون وكما وفى السياسة ايضا بان ايران ضد السياسة الامريكية بل عدوتها امريكا واسرائيل فى الوقت اخرين يقولون عكس ذلك . وايضا هناك مواقف مرت على احزاب كبيرة شهدت احداث دراميتيكية كان ورائها قادة لم يحسنوا التعامل معها بدهاء وحكمة وخسروا بها حياتهم وتاريخهم . وهذا مافعله بعض السياسيون وتضاربت المعلومات بشانهم بين الحقيقة ونقيضها .
لسبب واخر تظل بعض المواقف التى صنعتها قيادات الاحزاب فى العراق بحاجة الى وقفة ومراجعة لمعرفة ايهما كان يصب فى الحقيقة وايهما كان غارقا فى الوهم منها على سبيل المثال موضوع الموقف المتازم بين الحزب الشيوعى وحزب البعث الذى كان يتارجح بين الحقائق التى عاشها الطرفان بعد احداث ثورة 14تموز1958 التى جاءت بالزعيم عبدالكريم قاسم الى السلطة والتى اتخذ منها الشيوعيون سلما للاشهار بقوتهم واعتبارها ثورتهم واحداث ثورة 8شباط 1963التى قام بها حزب البعث العربي عن طريق تنظيمه العسكرى والنتظيم المدني للحزب الذى نزل الى الشارع وهو يحمل السلاح ليساند الثورة وخيال الادعاات التى اشترك فيها كل من هب ودب من الذين كانوا يبحثون عن شئ ما من وراء ذلك والوهم الذى اصابهم و بين الذىن كانوا يتعاطفون مع الحزب الشيوعى وبين من يؤيد شعارات حزب البعث فالطرفان انتقوا ما يجعلهم اصحاب حقائق فى حين ان كثي منها فاتت على الكثيرين . ولاجل وضع النقاط على الحروف كان لابد لى ان اذكر بعض الحقائق التى عشتها شخصيا مع الطرفين منذ سنة 1959 والتى اظهرت بشكل واضح عن السياسة التى اتبعها الحزب الشيوعي تجاه الشعارات التى كان ينادى بها حزب البعث عن طريق تنظيماته فى الجامعات والمدارس والاندية الثقافية والصحف والمنشورات العامة ومنها التلويح بشعار الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة التى كانت تضم سوريا ومصر تحت شعار الانضمام اليهما وبين شعار الشيوعيين للتقارب مع الاتحاد السوفتيى بشعار اتحاد فدرالي وصداقة سوفيتية ومواقف كل الجانبين باتت واضحة وكتب عنها ما فيه الكفاية سواء كانت صحيحة او غير صحيحة ولئن شواهدها قد غادروا دنياهم واحتفظوا بما تناولته مواقفهم فى تلك الحقبة التاريخية من الزمن , فى الوقت الذى يهمنا فيها الان هو الرد على ماكتب فى صحيفة العراق الالكترونيةعن القائد الشيوعى الكبير سلام عادل وموضوع اعتقاله وتعذيبه فى مكان ليس كما ذكره كاتب المقال (النادى الاولمبى) وانما فى مكان اخرغير النادى الاولمبى وقدكنت من الذين تعرفوا على ماجرى فى تلك العملية كما رواها لي احد الذين حضروا عملية التحقيق , ففى صباح احد ايام شباط ابلغنا من احد المسؤلين في الحزب وكنا ومجموعة من الرفاق نقوم بواجبات الحراسة فى مقرقيادة الحرس(النادى الاولمبى) عن القيام بواجب مداهمة احد الاوكار الحزبية للحزب الشيوعي وكنا سته وكان هذا الواجب اعتقال قادة للحزب الشيوعى بناء على معلومات ادلى بها احد المعتقلين وتم تنفيذ الواجب وتم اعتقال كبار القادة للحزب من بينهم سلام عادل الذى لم يبدى اية مقاومة بل كان الهدوء يعكس محياه كما رؤي لي وتم اخذهم الى مكان التحقيق فى قصر النهاية واتخذ المحققون مختلف الوسائل للتمكن من معرفة تفاصيل عن تنظيمات الحزب واوكاره ومطابعه واماكن تواجد قادته واشترك فى التحقيق معهم مجموعة من قيادى حزب البعث الذين كانوا منفعلين لتعند سلام عادل فى اعطاء المعلومات التى تطلب منه وصلابة موقفه على عكس البقية وكان يصرخ بصوت عالى (رفاق رفاق سنجعل من اجسادنا جسرا يعبر عليه بقية الرفاق)الى ان فارق الحياة ولا ازال اذكر ان احد رفاقنا الذى اطلع على ماجرى فى تلك الساعات كان يحتفظ بربطة عنق سلام عادل وكانت فرنسية الصنع ولها الوان متعدده واللون البنفسجى طاغى عليها, واخر احتفظ بقلم الحبر الذى كان يحوزته وبالنسبه للبقية فقد تم التحقيق معهم ومحاكمتهم بصورة مستعجله وتم تنفيذ احكام الاعدام فيهم لذلك ارجو تصحيح مايلى.
اولا - مكان التحقيق لم يكن فى النادى الاولمبى . ثانيا - ان قائدا بمستوى سلام عادل كان لايجيد طريقة التعامل مع محققيه ولم يمارس المفردات السياسية التى قد تغير من اساليب التعامل معه , ثالثا - كان لايحسن الحوار مع محققيه وكان اصراره وعناده وصراخه لشد بقية رفاقه وعدم البوح باية معلومات قد عقد الموقف .رابعا - المراهنة على موقف جماهير الحزب التى نزلت الى الشارع للمقاومة وكذلك موقف قيادة الحزب فى موسكو لم تكن فى محلها . خامسا - التضحية بجاهير الحزب بهذه الطريقة وزجها فى معركة نتائجها معروفة بالمقاومة دفاعا عن الزعيم عبدالكريم الذى كان لا يميل الى التعاون معهم لم يغير من الامر شئ , فالثورة احكمت سيطرتها على الموقف فى حين خسر الحزب الشيوعى جماهيره ومؤيديه . وختاما فان لجوء بعض الكتاب من الشيوعيين وغيرهم على خلط المواقف مع بعضها بين الحقائق وادعاات وخيالات بعض الناقلين يضعنا امام جدل عقيم ليس وراءه سوى التقليل من اهمية نضال الحزبين على الصعيد الوطنى والتاريخي وترديد ماينشره اعدائهم من تشوية لمسيرة قادتهم كالذى قيل عن احد القادة البعثيين بمستوى على صالح السعدى بكونه قد ادان نفسه وحزبه قبل غيره بان حزبه وثورته فى عام 1963 جاؤا بقطار امريكي فى حين ان ذلك كان ادعاء خالى من الصحة جاء بطريقة نقلها احد الكتاب المصريين كالذى قيل عن قادة وزعماء اخرين , كما وان قيادة الحزب الشيوعى لم تكن بمستوى المسؤليه ولاتمتلك المرونة والتعامل مع المواقف السياسية التى تتطلبها تلك المراحل الى جانب انشغالها بالانشقاق التى قام به عزيز الحاج وجماعته وقفت حائره بين الخوف من تحديد موقفها من تصرفات عبدالكريم قاسم مع بقية الاحزاب وبين قضية الاكراد التى تحولت من قضية تخص الاكراد الى موضوع اخذ الاهتمام الواسع لعمل الشيوعيين وبعكس ذلك فان القيادة الاممية للحزب فى موسكو كانت منشغلة بامور دولية اكثر اهمية من موضوع الحزب فى العراق, وهذا مما قال به كثيرمن الشيوعيين ممن تناولوا مسيره الحزب خلال تلك المرحلة , ولاسف اقول ذلك بمراره للنتائج التى ختمت بها الاحزاب الوطنية تاريخها فى العراق واهمها اتفاق الحزب الشيوعى العراقى مع اعدائهم وتايدها للولايات المتحدة باحتلالها العراق .
المقال الذى اثرت بالرد عليه
بصراحة مهما كانت مسوغات انقلاب 8 شباط 1963 التي انتهت بقتل عبد الكريم قاسم وتصفية الحزب الشيوعي العراقي وقيادته وفي مقدمتهم سلام عادل فـإنها مسوغات غير مقنعة للمؤرخ الحصيف والمعتدل. فالانقلاب – مهما كانت حجج وذرائع الانقلابيين لقيامه- محسوب على انقلابات السي آي إيه، وطبخات الولايات المتحدة التي طالت الحركات والأحزاب اليسارية والشيوعية، منذ انقلاب مصدق مرورا بالزعيم عبد الكريم قاسم وسلام عادل والحركة الشيوعية العراقية، وما تلاها من انقلاب في اندونيسيا مماثل للانقلاب البعثي في بغداد، والسي آي إيه خاضت حروبا شرسة مع الاتحاد السوفيتي في ما يسمى بالحرب الباردة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية!
أنا لستُ شيوعيا ولي مواقف نقدية من الحركة الشيوعية في العراق وممارسات الشيوعيين قبل أكثر من نصف قرن ولكني لست مع ابادة الشيوعيين بالطريقة التي جرت في 8 شباط 1963 او بعدها في عام 1978 ومع جميع الاخطاء التي ارتكبت عام 1959 فان البعثيين والناصريين عندما نجحوا بانقلابهم عام 1963 وازاحة عبد الكريم قاسم عن الحكم بطريقة عنيفة وقاسية ووحشية (اعدم ورميت جثته في قعر نهر دجلة!!) ارتكبوا من الجرائم ما يشيب لها الرأس!!
انقلاب 8 شباط لا يحتاج الى شهادة من علي صالح السعدي او غيره ليؤكد سكته «الأميركية!» وسواء كان الانقلاب ممولا من الولايات المتحدة بطريقة مباشرة او غير مباشرة فالانقلاب جاء على وفق ما تريد اميركا والغرب وهو »اجتثاث!» الشيوعية والقوى اليسارية والديمقراطية من العراق والتخلص من عبد الكريم قاسم الذي اصبح بعد اربع سنوات من الحكم مواليا جدا للاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية واستبدل تسليح الجيش والقوات المسلحة العراقية بالسلاح السوفيتي بدلا من السلاح البريطاني والاميركي وتحولت بغداد الى عاصمة للمؤتمرات الديمقراطية ونمت الحركة الشيوعية وتوسعت جماهيريا حتى ان اصواتا داخل الحزب الشيوعي كانت تدعو الى اسقاط قاسم وتسلم الحكم بدلا عنه وتحويل العراق الى «كوبا ثانية»!
كان الغرب والولايات المتحدة في حالة فزع قوي من نمو الحزب الشيوعي العراقي والحركة الديمقراطية على حساب القوى اليمينية وكان القوميون والبعثيون والناصريون منزعجين جدا من ممارسات الشيوعيين التي تحولت بفعل انتماء عشرات الالاف من الغوغاء والانتهازيين الى الحزب الشيوعي الى ممارسات عنيفة وخاصة بعد فشل انقلاب الشواف في اذار 1959 بالموصل!
كان الاتحاد السوفيتي ينظر الى الزعيم قاسم باعتباره زعيما وطنيا برغم بعض مواقفه المعادية للشيوعية والنهج الديمقراطي لكن خروشوف والمكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي كانت تفضل الزعيم قاسم على الرئيس عبد الناصر وتعد الاخير قوميا مهووسا بعداء الشيوعيين العرب واسرائيل معا!
كان عبد الناصر في عام 1959 على خلاف قوي مع الحكم العراقي وعد وجود الزعيم قاسم في السلطة تعويق للتيار الوحدوي فقد كان حلم عبد الناصر ضم العراق كاقليم شرقي الى دولة الوحدة التي سميت بـ»الجمهورية العربية المتحدة»!
كتب قائد شيوعي كبير زار الاتحاد السوفيتي بعد ثورة 14 تموز 1958 برفقة سلام عادل لحضور مؤتمر الأحزاب الشيوعية في موسكو ان الجهات الحزبية السوفيتية عطلت سلام عادل عن القاء كلمة الحزب الشيوعي العراقي قبل ان يضمن كلمته عبارة «الزعيم عبد الكريم قاسم ابن الشعب البار» وبالفعل اضاف سلام عادل هذه العبارة الى كلمته وكانت تعني تأييد الاتحاد السوفيتي لقيادة الزعيم قاسم للعراق.
كان قاسم يتمتع باحترام وتقدير الزعماء السوفييت وزار ميكويان نائب الرئيس السوفييتي بغداد كما زارها عدد كبير من قادة افريقيا واسيا تأييدا للزعيم قاسم ونهجه السياسي المعادي للغرب!
كان سلام عادل – حسين الرضي او الرضوي- له راي اخر في سياسة الزعيم قاسم ولم يكن مندفعا لتأييده تأييدا مطلقا وقد تبلورت معارضة سلام عادل لنهج الزعيم منذ ان القى قاسم خطابه في سينما الخيام بمناسبة الاول من ايار 1959 عندما وصف الاحزاب السياسية في العراق بانه »رجس من عمل الشيطان»!
كان عامر عبد الله يسعى جاهدا لكي لا تتقاطع سياسة المكتب السياسي للحزب الشيوعي مع النهج الوطني البورجوازي الصغير لقيادة الزعيم قاسم واحتضان قاسم في مواجه الغرب والحفاظ على مكتسبات ثورة 14 تموز ولهذا بذل مسعاه لعقد لقاء بين سلام عادل والزعيم عبد الكريم قاسم وبالفعل تحقق هذا اللقاء الذي انتهى بانطباعات غير ايجابية لدى سلام عادل!
كان سلام عادل غير واثق من سياسات الزعيم قاسم وينظر اليها بحذر واعتقد انصافا للقائد الشيوعي سلام كان محقا في استنتاجاته لان الزعيم قاسم بعد خطابه في كنيسة مار يوسف في تموز 1959 شن هجوما لاذعا ضد الحزب الشيوعي وحمله مسؤولية ما جرى في كركوك في 14 تموز من العام نفسه كما لا يفوتنا ان نذكر ان مخاوف كبيرة تلبست الزعيم قاسم من موقف الحزب الشيوعي العراقي وشكوكه من تأييده له وقلقه من انقلاب الشيوعيين عليه واستلام السلطة خاصة بعد ان هتف مليون متظاهر في مسيرة أيار 1959 بصوت واحد وبعفوية ومن دون اي توجيه حزبي اذهل اعضاء اللجنة المركزية الذين كانوا يتصدرون المسيرة: «هذا زعيمي عبد الكريمي سبع ملايين تريد حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي«!!
ارتعب عبد الكريم قاسم من الهتاف الجماهيري المدوي وشعر انه مرتب مسبقا ضده لإخافته بل وتحذيره وهو رسالة يجب ان يدرك ابعادها بينما الحقيقة التاريخية تقول ان لا سلام عادل ولا أي عضو في المكتب السياسي او اللجنة المركزية كان وراء اطلاق هذه «الهوسة» الشعبية!
لقد فوجئ سلام عادل بها ايضا بعد ان اخبره احد اعضاء اللجنة المركزية الذي ترك المسيرة وتوجه اليه في مطبعة الحزب التي كان متواجدا فيها وقال سلام للعضو القيادي انه لم يوجه بهذا الشعار بل هو مزاج الجماهير.. ولم يعترض سلام على الشعار ولم يأمر بالتوقف عن ترديده!!
قال لي عدنان القصاب عضو قيادة فرع بغداد للحزب قبل انقلاب 8 شباط في عام 1992 عندما حاورته في نقابة المهندسين ان الحزب تفاجأ بموقف سلام عادل عندما وجه برفع السلاح ضدنا بعد اندلاع الانقلاب بساعات قليلة وكنا نتوقع من الشيوعيين الوقوف ضد قاسم لان قواعدهم كانت تتململ وتنتقد سلوك قاسم المعادي للحزب الشيوعي «بالمناسبة نشرت الحوار مع عدنان القصاب كاملا في العدد الحالي من مجلة ألف باء ويمكن للقارئ الكريم الاطلاع عليه»!
بعد «53» سنة على قيام انقلاب 8 شباط يرى بعض انصار عبد الكريم قاسم ومحبيه – للأسف الشديد- ان موقف سلام عادل «المعادي!» لعبد الكريم قاسم في أيار 1959 يستحق الموت عليه عام 1963 وهذا ما قاله لي احد القاسميين قبل سنة!!الى اخر ما اورده المقال
1004 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع