بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *
منذ ثلاث عقود تقريبا وظاهرة الباعة المتجولين أخذت بازدياد مطرد وبشكل باتت تنافس الاقتصاد الوطني، وان كانت هذه الظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية؛ ولكن لم تكن بتلك الحدّة والسعة وهذا الانتشار المرعب، فقضية الباعة المتجولين مشكلة كبيرة وتداعياتها خطيرة وان كان لها فؤاد جمة، فهي تعد واحدة من أبرز الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها المجتمعات النامية والتي تترك أثارها بخاصة على شريحة الشباب فضلاً عما تعكسه من أثار سلبية على واقع الاقتصاد الوطني وما يترتب من تداعياتها على العامة. وفي ظل الظروف التي يمر بها العراق نجد البطالة أخذت بالتفاقم بشكل غير مسبوق بالمرة وذلك لقلة فرص العمل المتاحة للشباب، وهذا ما يدفعهم إلى النزول للشارع على شكل بسطيات تتوسط الرصيف وربما تأخذ أحيانا حيزا كبيرا من الشارع، مما يخلق إرباك للمارة والمتبضعين علاوة على تشويه قيم وجمالية المكان، فقد أخذت هذه الظاهرة بالنمو وخاصة بعد الحصار الجائر الذي فرض على العراق من مجلس الأمن الدولي في عام 1991 اثر غزوه للكويت. وهناك عدة أسباب أخرى: منها نسب الفقر بين المواطنين وتزايد النمو السكاني مع ارتفاع الأسعار المفاجئ الذي جاء على اثر هبوط الدينار العراقي وعدم توافر فرص العمل مع تصاعد نسب البطالة بين أوساط الشباب الذين يشكلون قوة فاعلة تسهم في عملية البناء والأعمار على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالنظر لما تتمتع به من طاقات خلاقة وإبداع فيما لو أخذت بنظر الاعتبار والاهتمام من قبل الإدارات العامة لأجهزة الدولة ومؤسساتها الحيوية، فإن إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية ومنها العراق على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وخاصة بعد الوفرة النفطية التي شهدتها مدة مطلع السبعينات من القرن المنصرم، فقد دلت دراسة أقرها (مركز دراسات الوحدة العربية، أن من أبرز مظاهر أخفاق التنمية الاقتصادية هو وقوع أغلب الدول العربية في مأزق المديونية الخارجية التي وصلت إلى نحو 220 مليار دولار وفي المقابل هروب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج)، فمازلت اقتصاديات العالم العربي ومنها العراق تعاني في معظمها من البطالة التي باتت تهدد تماسك واستقرار المجتمعات العربية، لما ينتج عنها من تأثيرات مدمرة تنعكس على الجانب الاجتماعي بالدرجة الأولى وحرمان الكثير من الشباب من فرص التربية والتعليم اللذين يعدان من أهم الأركان لبناء المجتمعات المستقرة، ثم الجانب الاقتصادي الذي سيحرم من طاقات بشرية تصنف ضمن الطاقات المعطلة. كما نجد اليوم كثرة الباعة المتجولين على أرصفة الطرق الرئيسة وأمام المحلات النظامية، ويوم بعد يوم يزداد عددهم مما إربك الكثير من أصحاب المحلات النظاميين وحرمهم من الزبائن الذين يجرون وراء الأسعار الرخيصة بصرف النظر عن جودة البضاعة او جودة المنتج، فينبغي على المؤسسات المعنية بذات الأمر ان تتكفل بمعالجة هذه الظاهرة وتعد لها ضوابط من حيث التنظيم والتأهيل بما يتناسب وموقع العاصمة بغداد التي تعد من كبرى المدن العربية ذات الإرث الحضاري الكبير الذي تزينت به على مدار التاريخ، كما ينبغي إشغال المساحات الخالية بما فيها الجزرات الوسطية وتنظيم أسواقها حتى تكون متنفسا للعراقيين ومظهرا حضاريا للزائر الأجنبي الذي يأتي للعراق، فلدينا الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يقدم قروض للمشروعات متناهية الصغر، كما ينبغي على الدولة أن تقدم لها الدعم في شكل معارض لبيع المنتجات تتمثل في توفير مكان آمن لهم يحقق لهم عيشة كريمة وتبعدهم عن طرق الانحراف التي تؤثر بكل تأكيد في الوضع الأمني في العراق، ويقدر عددهم وقفا لبعض التقديرات الإحصائياذت 37 ألف واغلبهم يتحملون عبء إعالة عائلاتهم ويعمل جزء من النساء كباعة متجولين، كبائعات المواد الغذائية والقيمر والسمك، وتمثل قضية الباعة المتجولين في العراق ثلث الاقتصاد الوطني وتؤثر في قيمة المبيعات في السوق وتضيع أموال التراخيص والضرائب التي تحصلها الدولة من الاقتصاد الرسمي وبالتالي ترحلهم من المناطق الحيوية إلى أماكن أخرى يعيد هيبة سلطة الدولة وسيطرتها على الاقتصاد كما أن أمانة العاصمة ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنظيم الأسواق وأن هناك جهات أخرى مسؤولة أيضا عن تنظيم أسواق العمل، مع عدم وضوح في المهام والمسؤوليات ولذلك نحن بحاجة لتطوير القانون من أجل المهام والمسؤوليات وزيادة الصلاحيات القانونية لجميع الجهات، إذ عادة ما نجد الباعة يخلفون وراءهم كما كبيرا من النفايات في المكان الذي يبيعون فيه ولا يكترثون بنظافته.
وقد اعلن وزير التخطيط سلمان الجميلي عن إجراء مسح للوحدات المتنقلة (الباعة المتجولين)، والذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط لغرض توفير إحصاءات اقتصادية تفيد الناتج القومي.
ونقل بيان للوزارة عن الجميلي القول أن (العاصمة بغداد تحتل المرتبة الأولى في عدد الباعة المتجولين في العراق )، مبينا ان ( الوزارة متمثلة بالجهاز المركزي للإحصاء وتسعى إلى توفير البيانات والمؤشرات الاقتصادية وإعدادها التي تخدم باقي مؤسسات الدولة ومتخذي القرار في الحكومة والباحثين والمخططين والتي تخدم التخطيط والتنمية الوطنية والقومية )، وأشار إلى أن ( تحسين جودة البيانات وتوفير إحصاءات عن العمل والتي تؤشر بشكل مباشر على جودة بيانات الحسابات القومية ما تودي إلى خلق فرص عمل جديدة وتوليد الدخل للعاملين). وتابع قائلا ( كل هذا يعتمد بشكل أساس على نشاط الوحدات المتنقلة التي تعد من الأنشطة الاقتصادية التي تنجز في المؤسسات غير الخاضعة للقوانين والذي يعد ضمن الاقتصاد غير الرسمي)، وأوضح وزير التخطيط ان (هذا المسح ينفذ لأول مرة في العراق لتوفير إحصاءات اقتصادية تفيد الناتج القومي)، مبينا ان ( الوحدات المتنقلة لها أهمية في التقليل من البطالة والفقر وتوفير بعض الدخول للأسر).
من جانبه، قال رئيس الجهاز المركزي للإحصاء ضياء عواد، إن( الجهاز أجرى مسحاً شمل جميع المحافظات من ضمنها إقليم كردستان ما عدا المحافظات نينوى، صلاح الدين والانبار، للوحدات المتنقلة ( الباعة المتجولين). وأضاف أن ( العينة التي شملها المسح بلغت 37 ألفا و619 وحدة)، مشيرا إلى أن (المسح شمل جميع الأنشطة التجارية لهذه الوحدات مثل المطاعم والتعامل بالأوراق المالية والنقل البري للبضائع وحتى التصوير الفوتوغرافي والحمالين وغيرها). وبين عواد، أن (محافظة بغداد شكلت نسبة 39,1% والبصرة20,6 % وكردستان 7,6 % من نسبة عدد الباعة المتجولين في العراق)، وتابع أن (إجمالي العاملين بلغ عددهم 46 ألفا و41 بائعا متجولا، فيما شكل العاملون من دون اجر نسبة 93 %)، مشيرا إلى ان (نسبة العاملين من الإناث لأتزيد عن 1% على مستوى جميع المحافظات)، ولفت إلى، أن( قيمة رأس المال المستثمر في الوحدات المتنقلة بلغ 73 مليار دينار عراقي، كانت نسبة بغداد منها 35 %، والبصرة 25 %). وقد وجهت أمانة بغداد دوائر البلدية، بإعداد خطة من أجل تنفيذ حملة لإزالة التجاوزات على الشوارع الرئيسية لغرض فك الاختناقات المرورية. وذكر بيان للأمانة،: إن (أمانة بغداد وبناء على توصيات الاجتماع المشترك مع قيادة عمليات بغداد وجهت دوائرها البلدية الأربع عشرة بإعداد خطة لتنفيذ حملة كبرى لرفع التجاوزات الحاصلة على الشوارع الرئيسية في العاصمة بغداد التي شوهت منظر العاصمة وأدت إلى اختناقات مرورية كبيرة). وأوضح أن ( الحملة ستشمل رفع تجاوزات الباعة الجوالين وأصحاب المحال والمطاعم المتجاوزين على الشوارع الرئيسية والأسواق وقرب الجامعات، وعدم السماح نهائياً بالتجاوز على الشارع والأرصفة). واشار البيان إلى ان ( تنسيقاً عالي المستوى سيتم بين ملاكات الدوائر البلدية وقيادة عمليات بغداد ومفارز مديرية المرور العامة لتنفيذ هذه الحملات التي اثرت في حركة السير والمرور وشوهت منظر وجمالية العاصمة وأعاقت عملية تقديم الخدمات كالنظافة وصيانة شبكات الماء والمجاري وتطوير الأرصفة والشوارع).
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع