«حق الليلة» والجدل الفارغ

                                         

                         عائشة سلطان

في بيتنا كما في بيوت كثيرة في الإمارات، استعدادات بهية وحقيقية للاحتفال بليلة النصف من شعبان،أو ما يسميها أهل الإمارات (حق الليلة)،والاستعدادات لا تعدو كونها إعداد العدة لاستقبال الصغار بدءاً من عصر يوم الرابع عشر من شعبان وحتى ما بعد المغرب وتقديم الحلويات والسكاكر والمكسرات لهم،

يأتي الصغار يحملون أكياساً ويلبسون ثياباً مزركشة ولافتة ويتنافسون لجمع أكبر كمية من حلويات (حق الليلة)، يضاف إلى هذا اليوم الاحتفالي تجمع الصغار في بيت الجدة، وحالة الفرح الغامر التي تسود وجود الجميع والكثير من الأدعية والدعوات التي ترددها الجدات (كل سنة وكل حول، الله يعودكم على هذه الأيام الطيبة، يغفر لكم ويبلغكم رمضان على خير) فهل هناك ما هو أكثر مودة ورحمة ودفئاً من ذلك؟

يوافق اليوم نهار نصف شعبان، يوم (حق الليلة) اليوم المبارك الذي تنتظره كل بيوت الإمارات بمنتهى الفرح، كما أيام زمان، يوم كنا أطفالاً، تخيط لنا أمهاتنا أكياساً جميلة ويعدن لنا ثياباً ملونة، لنخرج بعد صلاة العصر نطوف الأحياء والبيوت التي نعرفها نردد أمام كل بيت (عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم)، نجمع الحلويات والمكسرات وأحياناً بعض النقود التي تضعها النسوة في أكياسنا مصحوبة بالأمنيات نفسها (كل سنة وكل حول الله يعودكم على هالأيام الطيبة)

كنا نعود مع أصوات الأذان إلى بيوتنا فرحين بتلك الحمولة اللذيذة التي نتفاخر بها من جمع أكثر ومن منا كيسه أكبر، لا شيء من كل تلك التفاصيل يمكن وصفه بالمشين أو المخالف للدين أو المتجاوز للشريعة، لا يمكنني أن أصدق للحظة أن ذلك الفرح الذي كانت تستقبل به جدتي يوم النصف من شعبان كان بدعة وأن عمل أمي الدؤوب لتجهيز الأكياس والثياب الجديدة لي ولأخوتي كان خطأ، كان لسان جدتي لا يكف عن الدعاء وكانت لا تتوقف عن التعبد غير مصدقة ان موسم الصوم العظيم صار على بعد عدة أيام، وهم من كان رمضان بالنسبة لهم شهر القداسة المطلق!

لا أدري متى تغيرت الأشكال الخارجية للاحتفال، متى تغيرت أنواع الحلويات والأكياس وغيرها من الشكليات، لكنها تغيرات تبقى في المظهر كما أنها محكومة بقانون التغيير الحتمي، إنها تغيرات مفهومة ومنطقية، غير المفهوم وغير المستساغ هو هذا الجدل المريب حول اعتبار احتفال النصف من شعبان بدعة وصل بالبعض حد تحريمها!

متى كان الاستبشار والفرح، والتصدق والكثير من الأدعية، وخفقان القلب انتظاراً لرمضان واستقبال الصغار وإدخال البهجة إلى قلوبهم حراماً وبدعة؟ لماذا يصر البعض على زرع القسوة وتجريد الحياة من معانيها النبيلة والإنسانية وإلصاق هذا كله بالإسلام؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1060 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع