اكرم فاضل – مترجم رواية تورغينيف ( الآباء والبنون)

                                         

                             أ.د.ضياء نافع

الدكتور أكرم فاضل( 1918- 1987) – علم من اعلام العراق المعاصر, فهورجل قانون و باحث وشاعر ومترجم وصحفي, وليس هدف هذه المقالة الكلام عن تلك الجوانب الابداعية لهذه الشخصية العراقية ,

فهناك من كتب عن ذلك, واخص منهم بالذكر المؤرخ الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف , ولكنني اود التوقف هنا عند دور الدكتور اكرم فاضل في موضوعة الادب الروسي في العراق بالذات وترجمته لرواية تورغينيف ( الآباء والبنون) عن الفرنسية , وهو يذكرني بالدكتور السوري سامي الدروبي الذي ترجم الى العربية عن الفرنسية كثيرا من روائع الادب الروسي لدستويفسكي وتولستوي واخرين, وكم هو مؤسف ان الدكتور اكرم فاضل لم يستطع الاستمرار بمسيرته تلك , والتي بدأها عام 1950 , عندما صدرت رواية تورغينيف آنذاك في بغداد , ولم تكن لديه ظروف الدروبي وارادته وتخطيطه . ولنتحدث عن هذه الوقائع  منذ بداياتها.
كنت مرة في زيارة لقسم اللغة الفرنسية في كلية اللغات/ الدراسات المسائية باعتباري معاون العميد , وقرأت اسم الطالب مازن اكرم فاضل,فسألته هل هو ابن الدكتور المرحوم اكرم فاضل فقال نعم انا ابنه,وتعارفنا بالطبع وحكيت له قصة علاقتي الحميمة مع والده وقلت له باني ارغب بالكتابة عنه, فقال انه جمع مقالاته في جريدة العراق وما كتب عنه البعض وانه يستطيع ان يجلبها للاطلاع عليها , وهذا ما حدث فعلا , وقد نشرت آنذاك مقالة في مجلة ( ألف باء ) العراقية  بعنوان ( أكرم فاضل وتورغينيف )أشرت فيها الى ترجمته لرواية تورغينيف والى مقالته المهمة جدا حول هذا الكاتب الروسي الكبير , والتي نشرها في صفحة كاملة تقريبا بجريدة العراق وقلت فيها ان الافكار التي وردت فيها دقيقة وصحيحة وموضوعية وان على بعض خريجي الجامعات الروسية ان يتعلموا منها, واختتمت مقالتي تلك باستشهاد من مقطع كتبه الباحث ( العميق والموسوعي والمتواضع) والصحفي العراقي المعروف الاستاذ مهدي شاكر العبيدي عن مكانة الدكتور اكرم فاضل واهميته في تاريخ الفكر العراقي الحديث, واذكر ردود الفعل الايجابية , التي تلقيتها من زملائي واصدقائي حول تلك المقالة آنذاك.
لقد ولدت فكرة كتابة اطروحة ماجستير حول ترجمة اكرم فاضل لرواية تورغينيف في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ضمن دراسة الموضوعة الروسية في العراق, وتم فعلا انجاز تلك الاطروحة وباشرافي العلمي, وقد تمت مقارنة النص العربي بالنص الروسي للرواية , ووجدنا بعض الاختلافات البسيطة , والتي تخضع للاجتهادات الشخصية والتفسيرات الذاتية بالطبع, والتي نجدها في الاعمال الترجمية كافة تقريبا , ووصلنا الى قناعة تامة بموضوعية اكرم فاضل ودقة ترجمته, ومن الطريف ان نذكر ان هذه الرواية قد تم نشرها في بغداد عام 1950بترجمة اكرم فاضل عن الفرنسية وذو النون ايوب عن الانكليزية , وهو الكتاب الوحيد الذي صدر في بغداد بجهود مترجمين اثنين وعن لغتين اثنتين , ولكننا اشرنا الى ان قناعتنا تميل الى ان الذي حقق هذه الترجمة هو الدكتور اكرم فاضل بالاساس وان دور المترجم ايوب كان ثانويا, وذلك لان أكرم فاضل يرتبط جذريا بالثقافة الفرنسية , وبالتالي فانه وصل الى تورغينيف بالذات , لان هذا الاديب الروسي الكبير ارتبط بمسيرة الادب والفكر الغربي عموما والفرنسي خصوصا, ومعروفة قصة حبه للسيدة الفرنسية بولينا فياردو , هذه القصة التي تشبه الحكايات الخيالية ( ولا مجال لعرضها ضمن هذه المقالة طبعا) , والتي انتهت بوفاة تورغينيف على الارض الفرنسية بالذات عام 1883. لقد لمس اكرم فاضل هذه العلاقة الروحية بين تورغينيف والادب الفرنسي لدرجة قرر فيها ان يترجم رواية ( الاباء والبنون) عن الفرنسية الى العربية لانه شعر بانها تعبر عن افكار اديب عشق الفكر الفرنسي مثله, اذ ان اكرم فاضل تعلم اللغة الفرنسية ذاتيا في الموصل وبغداد, ولم يكن بحاجة مادية لها ولم تكن ترتبط بمسيرة حياته ومهنته, اي انه درسها عشقا وهياما بها , ووصل الى اعماقها لدرجة أحس بانه يستطيع ان يترجم عنها رواية لاديب روسي قبل سفره الى فرنسا للحصول على شهادة الدكتوراه, ولهذا فاننا كنا مقتنعين ان الكاتب ذو النون ايوب قد استغل خجل اكرم فاضل وتواضعه الجم وحشر نفسه مترجما ثانيا معه عن اللغة الانكليزية, وقد لمٌح لي اكرم فاضل شخصيا اثناء مقابلاتي العديدة معه الى ذلك ,بل انه كان يتكلم عن ذلك بسخرية ظاهرة وواضحة جدا, وحتى لو لم يتكلم عن ذلك فان اكرم فاضل هو المترجم المعلٌى والذي استمر بعمله الترجمي لاحقا وابدع فيه ايما ابداع , اما الكاتب ذو النون ايوب فانه سار في طريق ابداعي آخر تماما ولم يساهم في اعمال ترجمية اخرى حسب علمنا المتواضع , وعلى هذا الاساس يمكن القول – وبكل ثقة – ان الدكتور اكرم فاضل هو واحد من روٌاد المثقفين العراقيين في مجال دراسات الادب الروسي في العراق.
ومن الطريف ان نذكر في ختام هذه المقالة الى ان هناك مترجم عراقي كبيرآخر وهو الاستاذ  خيري الضامن قد ترجم هذه الرواية عن اللغة الروسية بعد اكثر من ثلاثين سنة على ترجمة اكرم فاضل , وصدرت تلك الترجمة عن دار نشر رادوغا السوفيتية المعروفة عام 1985, وكم اتمنى ان تسنح لي ( او لغيري) الفرصة بمقارنة النصين العربين لترجمة هذين الاسمين الكبيرين في مسيرة حركة الترجمة و الادب العراقي الحديث , وكم سيكون هذا العمل جميلا وشيٌقا ومفيدا للباحثين في مجال الترجمة الفنية والمهتمين بها , وبشكل عام فان هذه المقارنة تصلح لرسالة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد بلا ادنى شك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

997 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع