د. محمد عياش الكبيسي
حلب تحترق بنيران هولاكو العصر (بوتن) وبأدواته المستعدة دائما لخدمته من أيام نصير الدين الطوسي وابن العلقمي حتى اليوم.
العمائم السوداء تبدو سعيدة ومبتهجة حتى وهي ترى أجساد النساء والأطفال تحت الأنقاض، وتسمع أنينهم وصراخهم وعويلهم، تماما كابتهاج (آية الله) نصير الدين الطوسي وهو يتفرج على أهالي بغداد وهم يُذبحون في نهر دجلة حتى غلب على أمواجه لون الدم!
اللوم أولا وقبل كل شيء ينبغي أن ينوء به أولئك المثقفون من إسلاميين وقوميين الذين كسروا حاجز المناعة لدى الأمة، وأسهموا بمحو خبرتها العملية وذاكرتها التاريخية.
لقد بحّت أصوات المخلصين وهم يتحسسون الخطر القادم من الشرق من الذين خبروا ذلك التاريخ فكتبوا (وجاء دور المجوس) و (الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف)، لكنها أصوات ضاعت في صخب (التقريب) وغوغائية اللاهثين خلف السراب.
إن حالة الطوسي وابن العلقمي لم تكن نشازا في التاريخ، بل هي منهج له تأصيلاته وفلسفاته وأخلاقياته، وهو قابل للتكرار ما بقي الليل والنهار، يقول صاحب روضات الجنات بكل وقاحة وصراحة: (ومن جملة أمره -يعني الطوسي- المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم هولاكو خان، ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، بإبادة ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار) 6/300، ثم جاء الخميني ليعزز في أتباعه هذه الثقافة فيقول: (نصير الدين الطوسي قدّم خدمات جليلة للإسلام) الحكومة الإسلامية 128، فتدمير بغداد، وإزالة ملك بني العباس عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على يد المغول، كل هذا من الخدمات الجليلة التي قدمها الطوسي، وبعد كل هذا يأتيك أعمى القلب والبصيرة ليبشّرك بثورة الخميني وأننا ينبغي أن نتجاوز خلافاتنا (الفقهية) أو (المذهبية) من أجل مواجهة العدو المشترك! وهناك من قفز به وعيه و (أفقه العالي) إلى أن يخط بيمينه أن مجددي العصر ثلاثة (حسن البنا، والمودودي، والخميني)، وهؤلاء كلهم لم نسمع منهم اعتذارا أو استغفارا حتى بعد كل ما جرى ويجري في العراق وسوريا واليمن، ثم التهديدات الصريحة بغزو مكة والمدينة! إنهم في الحقيقة تجار للأفيون الديني والحشيش الفكري حتى لو قادوا الجماعات ودخلوا البرلمانات، ولا يغرّنك ترديدهم في كل مرة {إنما نحن مصلحون}.
إن مشكلتنا أولا ليست في الأنظمة الحاكمة والجيوش النائمة، فهؤلاء قد يعتذرون بموازين القوى، وطبيعة التحالفات الدولية والإقليمية، بل مشكلتنا بفقدان الوعي وتلف الذاكرة لدى علمائنا وقادة الرأي فينا حتى مهّدوا لهذا الغزو الناعم قبل أن تقوى أنيابه وتطول مخالبه.
من المسؤول عن التغيّرات الديموغرافية التي شهدتها الكثير من مناطقنا وانقلاب ولائها لصالح الفرس ومشروعهم الصفوي؟ ومن المسؤول عن احتضان حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وتلميع صورتهم في محيطهم العربي الخالص؟
إننا ربما ندفع اليوم ثمنا ثقيلا لغفلة طويلة ونوم عميق، ولعلنا نتذكّر أو نفيق.
1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع