د. علي محمد فخرو
لماذا نزجّ بمجلس التعاون الخليجي في كل مقال أو حديث عن ساحة السياسة في كل بلاد العرب؟ لأنه ليس أمامنا الآن، الآن وليس الماضي أو المستقبل، مصر عبد الناصر أو جزائر الثورة أو عراق حماية البوابة الشرقية أو سورية دعم المقاومة الفلسطينية.
ثم إننا سنكون مخطئين أن لا نرى في المرآة العربية الحالية صور تناقضات شبه الإفلاس امام صور شبه الفوائض، صور شبه الاستقرار السياسي والأمني أمام صور كوابيس الصراعات والحروب وخراب المدن المهدمة وجحافل قوى التكفير الهمجي وملايين المهجَّرين الهائمين في الداخل والخارج، صور مجلس التعاون الواقف على رجله وإن كان يعرج ويرتكب الأخطاء أحيانا ولا يمتلك وهج الاندماج القومي المسؤول أمام صور الجامعة العربية المسجى هيكلها المحتضر بقرب قبرها الذي يتم حفره من قبل قوى الشر في الخارج والداخل.
فاذا أضفنا الغياب التام في تلك المرآة للأشخاص التاريخيين الذين تحتاجهم كل أمة تعيش في محنة، وأضفنا إضعاف الدولة العربية لقوى مجتمعاتها المدنية عبر العصور، وزدنا على كل ذلك وجود المخزون التاريخي الهائل في مجتمعات العرب الذي يجعلها قابلة للانقسامات والمشاحنات العبثية حول الدين والمذهب والعرق والسياسة، إذا أضفنا كل تلك الأمور لبعضها البعض فإننا سننتهي إلى مشهد الغريق الذي سيقبل بأي شيء ينجيه من الغرق، وأمة العرب الآن تواجه إمكانية ذلك المصير.
من هذا المنطلق يجب أن نقرأ بيان وقرارات اجتماع القمة الخليجي في الرياض بحضور العاهل المغربي والرئيس الأميركي، والذي كنا نتمنى لو أن تونس حضرته، إذ لديها الكثير لتعلمه للآخرين. إن البيان إيجابي اذا كانت قراراته ستنفذ.
فاذا كان مجلس التعاون بالفعل مقتنعا بأن الخروج من جحيم الأوضاع السياسية والأمنية في سورية وليبيا واليمن والعراق يجب أن يكون من خلال الحلول السياسية، وليس من خلال انتصارات وهزائم الجيوش والميليشيات وبعض السياسيين العابثين، فعلى المجلس أن يشرع في تثبيت ذلك في الواقع، وأن يتوافق القول مع الفعل.
أن ذلك سيعني التوقف النهائي، في الحال، عن تزويد أي جهة كانت بالسلاح والعتاد والتدريب والإدماج في أجهزة الاستخبارات ودفع الرواتب للمحاربين وأهليهم، كما يفعله البعض مع الأسف.
وفي الوقت نفسه سيعني ذلك انتقال مجلس التعاون ليصبح أداة تقريب في وجهات النظر، واقتراح حلول براغماتية مرحلية، وتقديم دعم مالي سخي للضحايا، ومساعدة في إعادة إعمار ما سببه الجنون، والمساهمة الفعالة في دحر الهمجية الجهادية التكفيرية التي لم تبق أحدا إلا وآذته، والضغط من خلال أي أدوات في يدها، بما فيها ثروة البترول، على القوى الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، للتوقٌف عن التدخٌل في شؤون أمة العرب، وأخيرا المساعدة في أي جهود لتقوية الجامعة العربية لتصبح أداة فاعلة وقادرة لتقوم بدورها المطلوب في حل المشاكل العربية بأياد عربية بعيدة عن تدخلات الخارج.
هناك دور كبير يمكن لعبه، لكن دعنا هنا ندخل في موضوعين شائكين. الأول هو أن الجهة التي لا تستطيع حل مشاكلها مع مجتمعاتها وشعوبها لن تستطيع المساهمة في حل مشاكل الآخرين، ومطلوب من مسؤولينا الانتباه لذلك.
أما الموضوع الثاني فيتعلق بسعر البترول. إن القيمة المعنوية لدول مجلس التعاون تعتمد على استعمالها قدراتها المالية في إعادة الإعمار وتخفيف الويلات البشرية عبر وطنها العربي كله.
من هنا فان بقاء أسعار البترول في مستواها الحالي سيعوق تلك المهمة. إن الجميع يعلم بأن دول مجلس التعاون تستطيع أن تلعب دورا محوريا في لعبة الكميات المستخرجة يوميا من البترول، وبالتالي في رفع أسعاره.
إن لعب ذلك الدور المحوري يعتمد على امتناع الجميع عن زج موضوع البترول في مماحكات السياسة لإضعاف هذه الدولة أو تلك أو معاقبتها، سواء على المستوى العربي أو الإقليمي أو المستوى الدولي.
إن هناك اتهامات من أن بعض الجهات داخلة في هذه اللعبة الخطرة. فاذا كان مجلس التعاون يريد أن يساهم في حل مشاكل الأمة العربية فعليه أن يلعب دوره الإيجابي لإبعاد البترول عن ألعاب السياسة، بل وأن يلعب دوره الوطني في أن لا يسمح لثروته البترولية أن تكون أداة من الأدوات التي تستعملها بعض الدول الكبرى في صراعاتها مع بعضها البعض وفي محاولات الهيمنة على العالم.
مواجهة الموضوعين السابقين ستسهل مهمة المجلس في تقديم المعونة الممكنة والمطلوبة لأمته.
هناك قول للجنرال الفرنسي شارل ديغول مؤدّاه أن لكل الأمور المجتمعية طبائع يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وجود مشاكل مجتمعية كبرى تحتاج إلى حلول كبرى. ولما كان من طبائع الأمور في حياة أمة العرب، والتي يؤكدها التاريخ والجغرافيا والقدرات البشرية وبديهيات السياسة، هو أن قوتها وتحررها واستقلالها وبناء وحدتها ومكانتها في العالم يعتمدون اعتمادا مفصليا على مقدار صحة وتعافي وقوة أقطار عربية من مثل مصر والعراق وسورية والسعودية في المشرق العربي ومن مثل الجزائر والمغرب في المغرب العربي. وليس ذلك محاولة لإنقاص مكانة وأهمية أحد، فالكل يلعب دوره في بناء أمتنا ووطننا، وإنما تذكير بطبائع الأمور في الواقع العربي وبثقل الدور الذي حملته وتحمله تلك الأقطار في تاريخ وحاضر العرب.
من هنا الأهمية القصوى لأن يلعب مجلس التعاون دورا فاعلا، إيجابيا وحذرا وحكيما، في الساحة العربية التي تريد لها الصهيونية والتدخلات الخارجية والألاعيب الإقليمية أن تكون ساحة تراجع حضاري يحرق الأخضر واليابس.
لن تكون مهمة المجلس سهلة، ولكنه يستطيع أن يسعى ويجرب.
1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع