د.سعد العبيدي
لم يعد أحد من داخل العراق قادراً على أن يتنبأ بما ستؤول اليه الحال بعد كل هذا التصارع الذي أبقيَّ دون حلول جذرية منذ أشهر، بل ومنذ سنين مضت، ولم يعد مفيداً القول أن محاولة إقالة هذا الرئيس أو ذاك والمجيئ بآخر من هذا الحزب أو ذاك حلا نافعاً، اذ أنه وبافتراض النجاح وان أسهم في تخفيف حدة التصادم، فان النتائج التي ستترتب عليه ستكون في الغالب مؤقته أو ترقيعية، لأنها حلول تبنى على مشاعر انفعاليه آنيه لرفع التوتر، واذا ما رفعت وأدت الى التهدئة فستظهر من بعد مثيرات أخرى ثانية وثالثة بشدة أكبر تكون قادرة على قلب الطاولة على من فيها.
على هذا يمكن القول أن أزمة الخلاف والتصارع وادارة الحكم في عراقنا الحالي، هي أكبر من مجرد الاقالة والترقيع الآني المؤقت بعد أن اتسعت وتجاوزت مستويات تعقيدها حدود الخطورة القصوى.
وكذلك القول ان الاسلم والأصح في مجالها هو التوجه الفاعل نحو التفتيش عن الأسباب التي أدت بانزلاق العراق الى الهاوية والسعي الى وضع حلول لها جذرية.
فالطائفية من بينها على سبيل المثال مشاعر لم تخف حدتها في النفوس حتى هذه اللحظة، واذا لم تخف لا يمكن الخروج من مطبات المحاصصة وان تبدلت وجوه بغيرها أخرى، ولنا في اعتصامات البرلمانيين وقرارهم اقالة رئيسهم مثال حي بعد أن نودي على انتخاب بديل للرئيس من المكون السني ونواب له من الكرد والشيعة.
والثقة بين المكونات التي تشكل التركيبة الاجتماعية من بينها أيضاً مازالت في أدنى مستوياتها المثيرة الى التوتر، اذ أن المسؤولين الشيعة لا يثقون بالسنة، والسنة يتوجسون من الشيعة خيفة، والمسيحون لاحول لهم ولا قوة، والتركمان يحاولون دون جدوى، والازيديون يسعون بلا فائدة، والصابئة منسيون والكرد لم يتخلصوا من مشاعر جور السلطة وظلمها لهم عدة عقود، وما زالوا لا يثقون بأحد من خارج مكونهم الكردي، ولنا في توجهات التعامل مع قضية المناطق المتنازع عليها مثال عملي.
والدستور الذي يعد الأعقد من بينها وُضعَ في الأصل لعبور أو بالأحرى لتسويق مرحلة سياسية حرجة، وضعوه بطريقة يصعب تعديله، حتى أبقيَّ كتاب مقدس لا يمكن التقرب منه وان كان بعض ما فيه لا يصلح سبيلاً الى حل مشاكل الحاضر، وابقيَّ الجميع في دوامة الادراك الفعلي للعيوب وتمني التعديل لتجاوزها دون القدرة العملية على القيام بفعل التعديل.
من هذه الأمثلة وأخرى غيرها كثيرة يمكن التأكيد على:
أن الحاجة في عراق اليوم ليس فقط لتغيير رئيس هنا أو مسؤول هناك، بل بالضغط لحل مشاكل هي في الأصل متغيرات تسببت في وصول العراق الى ما هو عليه الآن، حيث الاتساع المتسارع لمعالم الفوضى وعدم الاستقرار والعجز عن تقديم الحلول، واللامبالاة بما ستؤول اليه الحال وعدم تحمل المسؤولية الوطنية للتنازل عن المكاسب... والى أن يتم الوصول الى بعض من الحلول لهذه المشاكل وغيرها، سيبقى الحال على ما هو عليه تناحر قد يجر البلاد الى التفكك سبيلاً للحل وان كان في حقيقته هروب من مشاكل الى أخرى أكثر تعقيداً وأشد خطورة، أقلها الاحتراب البيني لعشرات الفرقاء ولمئات من السنين المقبلة.
881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع