د.عبدالقادر القيسي
طرح السيد وزير الخارجية نفسه كوسيط بين السعودية وايران عبر وسائل الاعلام على اثر حرق السفارة السعودية وقطع العلاقات بسبب اعدام الشيخ السعودي(نمر النمر)،
وكان الموقف الحكومي للعراق عبر وزارة الخارجية موقف لا يؤهل العراق ان يلعب دور الوسيط، إضافة الى ان الوسيط يجب ان تتم الموافقة عليه عبر القنوات الرسمية، أي ان تعلن الدول المعنية بالوساطة قبول وساطة العراق، لا ان يقوم بدور الوساطة القسرية الشبحية ويلحقها قيامه برحلات مكوكية لدولة الكويت وايران وسلطنة عمان بدون موافقة السعودية او حتى دعوته لزيارتها، وهذه الوساطة تم نفيها صراحة من وزير الخارجية السعودي وبعدها السفير السعودي، والسؤال: من يتحمل تكاليف سفر وزير الخارجية الى ثلاث دول لأجل القيام بالوساطة المزعومة التي رفضتها احدى الدول المعنية، فهذه المهمة كانت خارج السياقات الدبلوماسية وليست من مهام وزارة الخارجية طالما لم تكن هذه الوساطة مقبولة من اطراف النزاع، ونحن نعلم ان الايفادات يجب ان تغطى بعمل رسمي يصب بصالح السياسة الخارجية للدولة، وكل وسيط ومصلح عليه أن يضع في بالِه مصلحة العراق واستقراره، والجسد المريض، يجب ان يكون هناك تشخيص دقيق لحالته المرضية لان العلاج يتوقف على دقة التشخيص، فلا يعقل أن يكون احد أسباب المرض معالجاً فعالا للمرض، ووزير الخارجية العراقي من المفترض ان تكون له دراية بمؤهلات الوسيط وطبيعة الحدث، لاسيما عندما يكون الوسيط في نزاع منحاز إلى أحد أطراف النزاع، فالفشل قطعا سيكون من نصيبه، فالعراق بتصريحاته المعارضة للسياسة الخارجية لدول الجوار لا تجعل منه وسيطا ناجحا او حتى مقبولا او محايدا، ووساطة السيد الجعفري كانت تحمل بذور فشلها بين طياتها؛ بسبب الموقف الحكومي من اعدام الشيخ السعودي نمر النمر، وقبلها موقفه من احداث البحرين والنظام السوري وغيرها من مواقف، والتي بمجملها لا تمت الى ابسط ابجديات العمل الدبلوماسي، وليس بعيد من ذلك موقف العراق خلال الاجتماع الأخير للجامعة العربية، فقد خرج العراق عن الإجماع العربي تعبيرا عن الوقوف مع طرف ما برح يؤثر على امن دول الجوار ويتدخل في شؤونها.
ان السياسة الخارجية العراقية تشهد بعد الاحتلال غياب الدبلوماسية والشخصية الكفؤة والمهنية، واستمرارا بهذه السياسة وخروج مواقف العراق تجاه القضايا العربية والإسلامية والدولية عن سياسة ومواقف تلك الدول، جاء موقف السيد الجعفري في اجتماع الجامعة العربية، بعد أن رفض قبلها توصيف دول مجلس التعاون الخليجي لحزب الله بأنه منظمة إرهابية، عاد ليتحدث في كلمته أمام وزراء خارجية الدول العربية، تجاه إصدار المجلس بيانا ادرج فيه حزب الله اللبناني ضمن المنظمات الإرهابية، معبرا عن موقفا استفزازيا بعيدا عن الأطر الدبلوماسية ومجافيا لأبسط مقومات الخطاب الدبلوماسي، حينما قال:
الذين يهاجمون الحشد الشعبي ومنظمة حزب الله هي دول إرهابية وتدعم الإرهاب، وبخطابه هذا يكون قد عمم الوصف على جميع الدول العربية؛ مما دعا الوفد السعودي للمغادرة، وخبراء العمل الدبلوماسي يعرفون جيدا، ان الآلية التي يخرج عنها اي خطاب او تصريح في محافل دولية يجب ان تكون مدروسة والموضوع ليس نزهة بل كل كلمة يتضمنها اي خطاب او تصريح في هذه المحافل يعني التزام دولي على العراق، ويثبت في محاضر جلسات الجامعة العربية ويعتبر وثيقة رسمية، لهذا ان الفقرة التي اشار اليها الوزير بخصوص اتهام الدول التي تصف حزب الله والحشد الشعبي بالإرهاب بانها إرهابية، لم تكن من قبيل الصدفة او زلة لسان او غلطة في سياق الكلام، بمعنى ان وزير الخارجية ثبت موقف على العراق يمكن ان تتحجج به الدول العربية، واستمرت مواقف السيد الجعفري في متوالية عددية لا تنتهي عندما صرح لوسائل الإعلام أن مشيخة الازهر الشريف تثني على عمل حزب الله والحشد الشعبي، ما دفع الأزهر الشريف إلى نفيه واطلاق تحذير مخجل لوزارة الخارجية من تقويل امام الازهر ما لم يقل، ان تلك التصريحات بعيدة عن اللياقة الدبلوماسية والحنكة السياسية وواقعة تحت تأثير البعد الطائفي والمذهبي، ولم يراعى فيها الخسارة الكبيرة للمردود السياسي السلبي لكلامه على العراق كدولة، وتأثيره على علاقاتها الخارجية بسبب بعده وتقاطعه مع محيطه العربي.
واتساقا مع هذه السياسة العدائية، صرح زعيم حزب الله الشيخ أكرم الكعبي، مهددا ومتوعدا السعودية وتركيا بان الرد سيكون عسكريا وفي عقر ديارهم، من خلال الحشد الشعبي، وعاد وكررها نائب رئيس الحشد الشعبي السيد المهندس عندما هدد السعودية، ان مثل هذه التصريحات تمثل تهديدا لسيادة وأمن دول مجاورة وعدوانا صارخا عليها وفق نصوص ميثاق الأمم المتحدة، فالتهديد بالعدوان يعتبر عدوانا مسلحا.
ولا بد من التنويه بان، هناك معاول اخرى من خارج الوزارة تعمل وتدفع الوزارة على تنفيذ اجندات معروفة تتنافي مع كافة السياقات والأسس والبروتوكول وتتعارض مع المصالح العليا للعراق فضلا عن اتباع سياسة المعايير المزدوجة اتجاه الدول العربية والاقليمية، وهذا ما ادى الى تحجيم دور العراق في محيطة العربي والإقليمي، ونقصد بذلك البعض من الوزراء وزعماء الأحزاب الحاكمة وقادة الميليشيات والنواب، فهؤلاء كل منهم هو وزير للخارجية وفي أوقات أخرى وزير للدفاع او الداخلية، ويطلقون التصريحات وفق اهواء سياسية معروفة، دون ان يعرفون مخاطر تصريحاتهم وتداعياتها، والتصريحات سمتها متناقضة من قبل الوزارة والرئاسة والبرلمان، وبعيدة عن التشاور وتوحيد المواقف والخروج بموقف واحد موحد.
ان وضع سياسة العراق الخارجية رهينة الاملاءات الاقليمية، يدمر مكانة العراق لدى محيطه العربي والإسلامي والدولي ويجعل العراق عرضه للاستهداف، فعندما اتهم وزير الخارجية العراقي كل الدول التي اصدرت قرار (تصنيف حزب الله منظمة ارهابية) بانها إرهابية، فذلك يعد تفريط بسمعة العراق من أجل عيون حزب غير عراقي وهزيمة سياسية للعراق بكل المقاييس وستكون هناك تبعات وهزات ارتدادية لها بعيدة المدى.
853 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع