بدري نوئيل يوسف
من طرائف ونوادر العرب قصص كثيرة تزيد النفس انبساطا وتشرح القلب وتزيل الكآبة وهي لا تخلو من حكمة رصينة أطرح بين أيدي القراء الكرام بعضا منها، جحا وحكايته مع الباذنجان .
كان جحا يحب الباذنجان فاشترى منه فأراد البائع أن يضحك من جحا فبعث أخيه ليسرق منه الباذنجان فلما عاد جحا الى بيته وضع الباذنجان في مخزن مظلم .
سألت زوجته:اين الباذنجان يا جحا ؟ قال جحا: وضعته في مخزن البيت .
قالت الزوجة:إن المخزن مظلم فأذهب أنتَ وآتِ لي ببعض منه.
دخل جحا المخزن وتصادف في ذلك الوقت وجود اللص مختبئ بداخله، وأقبلَ ليتناول الباذنجان مسكت يده اللص، فأمسك به وجره للخارج وسأله:من انت ؟
قال اللص: انا الباذنجان فتعجب جحا وذهب الى زوجته وقال لها:انظري الى غش البائعين .
قالت الزوجة في دهشة:ماذا تقصد يا جحا ؟
قال جحا:لا أعرف كيف وزن البائع هذا الرجل مقابل الباذنجان.
سألت زوجته:وكيف أتيت به الى هنا ؟
قال جحا: كنت أقول في الطريق:يا ترى ما الشيء الثقيل في خرج الحمار ؟ لابد ان اعيد الى بائعه .
أخد جحا اللص وذهب به الى بائع الباذنجان وقال له:ألا تخشى الله ؟ كيف تبيع لي هذا الرجل على أنه باذنجان؟
قال البائع وهو يسحب أخاه نحوه في صوت خافت: ماذا يجري؟ قال أخيه اللص:لقد اكتشف جحا مكاني فقلت له أنا الباذنجان، ثم صاح البائع بصوت عال قائلا لأخيه:ألم اقول لك اجلس مع اللفت ثم اعتذر البائع لجحا وأعطى له باذنجانة بدلا من اللص، صرخ جحا في وجه البائع مطالبا ان يزن الرجل ويأخذ وزنه باذنجان هكذا يكون الحق فتجمع المارة حوله ليروا ما يحدث، أجبر البائع بوزن أخيه اللص وهو يخفي غيظه ثم أعطى جحا وزنه باذنجان فأخذها جحا في سرور .
وهذه الطرفة وقعت بين صديقين.
رجل يسأل صديقه اللبناني: اش تسوي زوجتك بالباذنجان ؟
قال اللباني: تئبرني حبيبة ألبي، مره بتعمل متبل، ومره محشي، ومره بابا غنوج، ومره مسأعه أو فتوش، وأنتَ مرتك شو بتعملك فيه ؟
قال الرجل: هالبقره كرهتني الباذنجان لأنها تبطحه فوق الرز كنه كنادر.
أما أصحاب الكرود المحيطة ببغداد والذين اطلق عليهم كناية أبو بيتنجانه (باذنجانه)وهم من زارعي البقول والخضر . وتطلق هذه الكناية على روح الاستهانة بزارعي المخضرات والبقول، وهي نتيجة رواسب عميقة في نفوس البغداديين، ترجع إلى الأيام التي كان فيها أجدادهم من البدو الرحل الذين يرون انهم أعلى مقاما ممن يحترف الزراعة والتجارة ولما تحضر قسم من هؤلاء البدو امتهنوا زرع الحبوب من الحنطة والشعير، ولكنهم ظلوا ينظرون بعين الاستهانة إلى زارعي الخضر والبقول، يسخرون منهم بأنهم من زارعي الطماطة .
وبمناسبة اصدار الاستاذ خالد الدرة مجلته (الوادي) التي كسبت شهرة فائقة في الاوساط الادبية والصحفية، اقام احد اصدقائه وليمة فاخرة حفلت بأصناف الاكلات البغدادية كان الباذنجان في مقدمتها، وقد تجلى ذوق صاحب الدعوة مبالغة منه في تكريم الاستاذ الدرة ان يقدم عدة انواع من طبخات الباذنجان لمعرفته بان الاستاذ الدرة مولع بهذه الاصناف من اكلات الباذنجان، وقد دعي الى هذه الوليمة الباذنجانية عدد من الادباء والشعراء وأرباب القلم يتقدم الحضور الشاعر حافظ جميل الذي اعجب كثيرا بهذه الوليمة وبذوق صاحب الدعوة وأوحت الوليمة وأصناف الاطباق من الباذنجان الى الشاعر حافظ جميل ينظم قصيدته الرائعة الباذنجان المنشورة في ديوانه (نبض الوجدان) الصادر ببغداد عام 1957 ضمنها اوصافه للباذنجان وأنواع الاكلات التي تعمل منه ، وفي احد ابياتها انذار الى خالد الدرة من عاقبة ولعه بأكل الباذنجان.
حدق كأحسن ما ترى العينان ... من قال انك غير باذنجان
احدى سليل اقنة لم يالفوا ... إلا حياة الورد والبستان
واستقبلوا حر الصيف وشمسه ... بحرار كل مظلل فينان
حتى اذا اشتد الحرور وخانهم ... برد الظلال ونسمة العذران
هجروا مراجعهم وعبر رصيفهم ... شهر وعبر كهامهم شهران
عقدوا الذوائب في الجياد وترجوا ... هاماتهم بغدائر الريحان
سود غزوا صيفا بخضر عمائم ... وترى الرماح ركزن في التيجان
ما شأنهم لون السواد وياسهم ... يزري بيأس كواسر العقبان
دسور بذور الشرطي ضلوعهم ... وتسربلوا بمدارع الرميان
من مثل عنترة الملاحم بفارس ... او مثل طارق قاهر الاسبان
او مثل كافور اذا لاحيته ... ونبشت منه كوامن الاضغان
يا خاذل العقلاء في افهامهم ... لاباء عقلي منك بخذلان
لو لم تكن للعقل اول مذهب ... مارشح الفضلي للأعيان
اني لأخشى يا ابن درة ان ترى بعد الوقار نزيل مارستان .
جرت عادة البغداديين انهم اذا ارادوا التعريض بشخص مهووس اذا تكلم بكلام غير معقول او يقوم بتصريفات شاذة خارجة عن المألوف فأنهم يشيرون الى هذا الشخص بعبارة (اتركوه هذا وقت بيتنجان) كناية على انه يتعرض لمقدمات الجنون بسبب موسم (وقت) الباذنجان وهو فصل الصيف الحار الملتهب الذي يؤثر على الاعصاب والانفعالات عند ما يأكل الباذنجان بكثرة.
للعلم أن الحدق والكهكم اسم لنوع من الباذنجان برى ، وثمره يكون أخضر ثم أصفر ، وتدره على قدر الجوز ، وشكله شكل الباذنجان ، وسماه بعضهم شوك العقرب
المصدر : ملاحق جريدة المدى اليومية » الأخبار » الملاحق » ذاكرة عراقية / سالم الالوسي
2114 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع