آرا دمبكجيان
يتعمد الكثيرون في تركيا عدم ذكر دور الأرمن في التطور الحاصل في الدولة التركية و الثقافة التركية المعاصرة، و لكنهم لا يستطيعون إنكار دور أرمني واحدٍ من هؤلاء الأرمن. أسمه هاكوب مارتايان، مكتشف اللغة التركية الحديثة، أو كما يدعوه الأتراك هاكوب ديلاجار.
عندما قرر مصطفى كمال إدخال الإصلاحات في تغيير اللغة التركية و تطويرها، أي ترجمة اللغة التركية-العثمانية (عصمنلي) من الحروف العربية الى اللاتينية لم يجد أمامَه غير الخبير اللغوي هاكوب مارتايان لإتمام العمل.
لم يكن هذا الأختيار حدثاً عفوياً. كان هاكوب مارتايان يمثِّل حينها أبرز وجوه الأرمن في تركيا الكمالية. ولد في 22 أيار 1895 في أسطنبول. درس في المدرسة الأمريكية في أسطنبول (كلية روبرت) و أصبح مدرسا للغة الأنكليزية في الكلية نفسها ثم مديرها بعد حين. كان يجيد 22 لغة الى جانب الأرمنية و التركية. درَّس اللغة التركية-العثمانية و عدداً من اللغات الشرقية في جامعة صوفيا، في صوفيا، بلغاريا.
عند أندلاع الحرب العالمية الأولى سيق ماردايان الى الجبهة السورية لقتال البريطانيين. و لإجادته اللغة الأنكليزية طلب منه الأسرى الأنكليز إيصال طلباتهم الى الضباط الأتراك لإيقاف أعمال العنف و التعذيب ضدهم. و بسبب عمله سيق الى القائد التركي في المنطقة و أتُّهِمَ بالخيانة من قِبل الأتراك. و قبل نطق الحكم عليه قال للقائد ان العنف و التعذيب ضد الأسرى هي من سمات نظام السلطان و ان النظام الجمهوري يحاول تحسين صورة الأتراك و القيام بالإصلاحات اللازمة لتطوير البلد. و نتيجة للمحاورة بينهما أقتنع القائد التركي بوجهة نظر مارتايان و طلب منه إلقاء محاضراتٍ حول الوضع السياسي و محاسن النظام الجمهوري. و من الصدف أن يكون ذلك القائد أول رئيس للجمهورية التركية الحديثة، أي مصطفى كمال نفسه.
في ربيع 1928 ألتقى رئيس الجمهورية مصطفى كمال في أنقرة العديد من اللغويين الأتراك و طلب منهم إيجاد حروف أبجدية مستقاة من الحروف اللاتينية للعمل بها بدلا من الحروف العربية. و عندما سألهم عن المدة الزمنية التي يحتاجونها لإتمام التغيير، أجابوا "بين ثلاث و خمس سنوات". فقال بغضب "ثلاثة الى خمسة أشهر." أسَّس كمال "مفوضية اللغة" (ديل أنجوميني) تحت رعاية و إرشاد هاكوب مارتايان. و صدرت أولى الجرائد التركية بالحروف اللاتينية المحوّرة في 15 كانون الأول 1928.
في 1932 طلب منه كمال إدخال الإصلاحات العصرية في اللغة التركية و أسّس الجمعية اللغوية التركية في 1932، و في 22 أيلول من السنة نفسها أستدعاه مصطفى كمال للمشاركة في أعمال مؤتمر اللغة التركية الأول في قصر دولما باهجي مع أثنين من اللغويين الأرمن أستيبان كورديكيان و كيفورك سيمكيشيان.
أستمر في عمله و بحوثه في اللغة التركية كلغوي أختصاصي و الأمين العام للجمعية اللغوية التركية في أنقرة و الخبير الأستشاري في الموسوعة التركية (تورك آنسيكلوبيديسي).
صدر قانون الألقاب في تركيا في 1934 فاقترح عليه مصطفى كمال ان يدعوه هاكوب ديلاجار، و تعني حرفيا "فاتح أغوار اللغة". في الوقت نفسه أقترح اللغويون الأتراك تسمية مصطفى كمال ب (تورك آتاسي)، و لكن هاكوب مارتايان غيّره الى "أتاتورك"، فأعجب مصطفى كمال بلقبه و عمل به.
على الرغم من السياسة المعادية للأرمن من قبل السلطات التركية لم يُخْفِ مارتايان أصله الأرمني إطلاقاً، كيف، و هو مكتشف اللغة التركية الحديثة.
حضر مصطفى كمال اتاتورك حفل عشاء مع ممثلي عدد من الدول في 1934، و في أثنائها طلب ان يغني كلا منهم أغنية بلغته القومية. و عندما وصل الدور الى هاكوب مارتايان همس الأتراك مع بعض أنه لن يجرأ أن يغني باللغة الأرمنية بحضور أتاتورك. غنّى ديلاجار أغنية شعبية في مدح الجنرال أنترانيك الذي أذاقت قواتُهُ الفدائية القواتِ التركية شر الهزيمة فتأسست على أثرها جمهورية أرمينيا في 1918 قبل أن تتحول الى مسنعمرة روسية تحت مسمى "جمهورية سوفييتية" بهتاناً. عندما سمع الحضور من الأتراك أسم "انترانيك" نهضوا لترك القاعة امتعاضا. فنهرهم أتاتورك قائلاً: " كان الكثيرون مستعدين للموت في سبيل وطنهم عند سماعهم هذه الأغنية. الأرمن لهم الحق في تذكر أبطالهم، على الرغم من ان الأتراك أنتصروا في الأخر." و طلب منه تكملة الأغنية.
في 12 أيلول 1979 توفاه الله و أعلنت القناة التركية تي. آر. تي. خبر وفاته و أخفت أسمه الأول "هاكوب" و أذاعت “A. Dilacar” لئلا ينتبه الناس الى اصله الأرمني. أنتقد الكثيرون فعل القناة التلفزيونية التي كانت تخجل ان تعلن أسم أهم شخصية في الدولة التركية التي أعطتهم اللغة التركية الحديثة. أما الصحف التركية فذكرت “H. Dilacar” للسبب نفسه.
923 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع