نبراس المعموري
انعطفت سيارة السيرك لتشهد صورة لصراخ طويل ، سافرتُ بعيدا وانا اقرا سطور قصة الصرخة لمحمد خضير تراءت امامي وجوه كالحة اعرفها جيدا، لم تختلف تلك الوجوه عن رعب انعطافات السيارة وهي تجتاز الطرقات حاملة معها صور السيرك بخيوله وفهوده وحباله وقردته وعلى الجانب الآخر لوحة (ساحرة الأفاعي) للفنان الفطري روسو.
صور القردة كانت اروع ما يكون جعلتني ابتسم، وسر ابتساماتي ان بيننا قردة كثر لكل واحد عنوان: قرد مشاغب، قرد لئيم وخبيث، قرد الجنس، وقرد اخر يجعل من السياسة عنوانا: نحتاج الى اكياس كبيرة من (الفشار) لنطعمها.
اترك القردة واظل مع المعلم محمد خضير في رحلته القصصية وعربة السيرك الطائشة التي لا تعرف الطريق الناطق بصرخة المكان والمصابيح والتمثال والشط والبراميل التي خضعت لناي الساحرة ، اول المشاهد كانت عند اعمدة المصابيح واشارات المرور ؛ حينها تذكرت مصابيح التغيير وكيف كانت اشارات المرور تغرد بعراق جديد، واعد، آمن، معافى من امراض الاستبداد، ورغم ا نالاشارات لم تكن وحيدة بل احتضنتها اغصان الاشجار، الا انها لم تستطع ان تستوعب حجم ذلك الحنان الذي اشبهه بحنان ابنائنا الاصلاء بفطرتهم وحبهم لعمل الخير وسذاجة كرمهم المنقطعة النظير بنكهة عراقية حقيقية ، لم تستطع تلك المصابيح والاشارات ان تستمر باعلان ضوئها فما لبثت ان تعاركت مع ظلها بسبب كومة البراميل التي تناثرت عبر مفردات القصة، وتناثرت فجأة لتعيق سير سيارة السيرك لم تكتفي بالتناثر بل تحولت الى افواه زاعقة كابوس مرعب لم انساه.. براميل لم تسكن لحظة بل اتخذت من بعض القردة بوقا يزيد الصراخ ، وسط اماكن مظلمة واسلاك شائكة لا تختلف عن تلك المناطق التي هجرتها الكهرباء واحتضنتها اسلاك المولدات، ورغم الفارق الزمني، الا ان الصورة هي ذات الصورة ، الذي يختلف هو التمثال الذي اصر على الوجود رغم الضباب والظلام، والبراميل والصراخ؛ تمثال عبر عن احجية التاريخ بشعرها وفنها لعله تمثال السياب.. اعتقد ذلك فالشاطئ لا ترتمي احضانه الا عند انشودة السياب .
صرخة السيرك شخصت المكان عبر كوابيس متعددة تصرخ؛ كما الكائنات عندما تصرخ الوجع ، عالم القمع والاضطهاد لم يفارق تلك القصة بل كانت انعكاسا واضحا لما يكتنف الانسان العراقي من رعب وخوف لم يشفع التغيير ولا غيره على ازالته ، جزء من الكابوس لم يختلف عن الارهاب الذي نشهده الان ولعله يعرف الوانه المشتقة من السواد والموت والغدر والاحتضار.. المكان كان تعرية وادانه لما يحدث قبل وبعد، و الصور بالنسبة لي كانت ارشيف الحكومات بملكيتها وجمهوريتها ودكتاتوريتها وفوضويتها ولعل الاخيرة كانت خير صورة للبراميل الصارخة ، وحبر المفردات يعلن عن ما هو اسوء
برأيكم ماهو الاسوء من الفوضى او بالاحرى اللادولة ؟؟ سؤال اجابتني عليه لوحة روسو عبر الساحرة الافعى وهي تحمل نايها مرتعشا في ذلك العمق المبهم حتى الساحرة ارتعشت ، ولم تتقدم خطوة واحدة بقيت في مكانها تؤشر عبر نايها على ازهار قريبة حمراء وصفراء وبيضاء ، وتردد احذروا القردة التي كانت محبوسة في قفص كبير لانها استطاعت ان تفتح اشداقها وتطلق الصرخات دون نهاية، وستستمر كما الرؤوس التي تشابهت في الهدف والنوايا والسرقة والفساد، انها تتوالد بسرعة كبيرة وتجعل لها ارثا سيكتبه التاريخ بدماء الفقراء، استمرت ساحرة روسو بالحديث: المعول لن يفيد لانه كان لغة البسطاء، اما اليوم فسيارة السيرك رغم بساطتها بصورها قادرة ان تصنع التغيير ؛هذا ان استطعتم ان تبنوا سيركا يعرف كيف يوظف البراميل المستصرخة ؟ فاستمرارها سيعيق كل عربة تنوي التغيير الحقيقي.
اكملت ساحرة روسو احجيتها وانتهت حيث العراق مكان رمزي لرعب التاريخ وصراخ الرفض الذي يعلو الليل دون مجيب .. سيارة صرخة السيرك هي بقايا الحياة ان اردنا الحياة ..
956 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع