العنف اللفظي (verbal abuse).. ..جرم عالمي وممارسة محلية

                                                 


                      سلام جبار عطية / سويسرا


بالرغم من ان مفهوم العنف لایقتصر على جنس بذاته ولا فئة عمرية بعينها, الا ان العنف الاسري في العراق تركز على المراة ليشمل جسدها بالعنف المادي ووجودها المعنوي والانساني بالعنف العاطفي واللفظي.

فالعنف بكل انواعه هو نمط من السلوكيات المشينة التي يتبعها الرجل في (هذه السطور)  بمختلف الادوار الاجتماعية التي يمارسها داخل اسرته ومجتمعه سواء كان أب او زوج او أخ,  حبيب، خال، عم وحتى كونه ابن. فيعمد الى استخدام سلطته الاجتماعية وقدرته الفيزيائية ضد المرأة، لاثبات اولويته الحياتية المزعومة، فيمارس ضدها عنفا جسديا وجنسيا او عنفا لفظيا. وفي الغالب يتم استخدام الإساءة اللفظية والنفسية ضد المرأة وتشتمل علي جميع أنواع التهديد والهجر, ويتجاوز ذلك الى حد مجرد مقارنة الزوج زوجته بمذيعة جميلة في التلفاز او الاشادة باخرى. وعلى صعيد البنت فان سلبها تكنية والدها باسمها حتى وان كانت هي الاسبق من الولد في الولاده يدخل ضمن اطار هذا العنف معنوي الصفة. ايضا هناك التعابير بالوجه الدالة على التحقير او حركات الجسد التي تعطي نفس الدلالة السلبية تدخل ضمن نفس الاطار. وعلى مستوى تداول الامثال الشعبية فاننا نرى ادراج الامثال التي تسيئ الى المراة ضمن هذا النوع من العنف ك(المرة سجادة شماتدوس عليهه تزيد قيمتهه) و(المرة گنطرة) والكثير من الاحاديث الموضوعة ك(ما افلح قوما ولوا امرهم امراة)وووو.
وبعيدا عن الترف التشريعي وفانتازيا القوانين التي تنظر بها (الهيئات المختصة بتشريع القوانين في العراق او تلك اللتي تقترح القوانين واللجان المختصة في مجلس النواب او الوزارة المختصة بحقوق الانسان بشكل عام او المراة بشكل خاص, وصولا الى المنظمات التي حملت مسؤولية الحقوق النسوية واعادة التوازن الانساني للمجتمع الذكوري) الى موضوعة العنف اللفظي الممارس ضد المراة, الا ان هذا النوع من العنف هو الشائع في الاسر بشكل كبير والذي يجب ان يحظى بالمواد القانونية الضامنة للتطبيق بقصد الحماية والردع. اذ يمارس العنف اللفظي ضد المراة ليس من قبل الزوج فقط في مجتمعنا بل من قبل الاب ايضا والاخ وحتى الابن في اطار اضيق اضافة الى العم والخال وكبير العشرة في احيان.
لقد اعطت منظمة الصحة العالمية تعريفا للعنف الممارس ضد المراة بشكل عام فاشارت له بانه ((الاستعمال المتعمد للقوة الفيزيائية (المادية) أو القدرة، سواء بالتهديد أو الاستعمال المادي الحقيقي ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع، بحيث يؤدي إلى حدوث (أو رجحان حدوث) إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء أو حرمان)).
ورغم ان المنظمة قد اشارت في تعريفها للعنف اعلاه الى العنف اللفظي من خلال ذكرها الاصابة النفسية او الحرمان. الا ان التعريف الادق للعنف اللفظي قد تمت الاشارة اليه في مناسبات لاحقة من اهتمام المنظمة كونه اكثر الانواع شيوعا إذ انه يمكن ان يوجد وحده منفردا كما انه يوجد ايضا بجوار جميع انواع العنف ويشمل التهديد باستخدام العنف دون استخدام العنف فعليا وغالبا ما يسبق العنف البدني الحقيقي ولا يشترط تلازمهما في كل الأحوال متضمنا الشتائم و الالفاظ او الالقاب التى تكره المرأه ان تنعت بها و التى تتسبب في حاله من الانكسار و الاذى النفسي للمرأه, وتؤدي الى انعدام ثقتها و هو يشمل ايضا حتى التهديد بالعنف اوحرمان المراة من حقوقها وامتلاكها لحرياتها الشخصيه. وهو أكثر أنوع العنف الشائعة داخل نطاق الأسرة في العراق ويمكن التوسع ايضا بالاشارة له الى الدوائر الحكومية ايضا وغيرها من اماكن تواجد المراة في العمل والدراسة والمجتمع الاخرى، ويتميز العنف اللفظي الممارس ضد المراة في العراق بنسبيته وتباينه بين محافظة واخرى بالنظر للفوراق الثقافية والاقتصادية بين المحافظات اذ ان العنف ضد المرأه تتبناه اسر ومجتمعات كأسلوب حياة لها يبدا معها من الطفوله فتقوم بزرع مفهوم داخل كل ذكر انه ذو قيمه اكبر من قيمته الفعليه و ان المرأه لها قيمه اقل بكثير من قيمتها الحقيقيه فنجد الاخت فى خدمه اخواتها الذكور و تحتمل منهم جميع انواع العنف والاساءة اللفظية.
وتعتبر الاساءة اللفظية عمل عدائي من الدرجه الاولي يتوفر فيها القصد الجنائي المتمثل في نية إحداث الضرر للمراة في اطار ممارسات قد تشمل النعت بالقبح او تحقير الطائفة او الفئة الاجتماعية التي تنتمي اليها المراة او تسميتها باسماء يرفضها المجتمع والطعن بشرفها, وكذلك رفع الصوت والصراخ بقصد الاخافة والترهيب والتهديد بالهجر او التضيق المادي على المراة وطلاقها. تضاف الى ذلك بعض الممارسات التي انفردت لحسن الحظ لها قوانين كالتحرش (ظاهرة التصچيم).
ان تركيز القوانین والتشریعات فی العراق على حماية المراة من العنف الجسدي وترك موضوع العنف اللفظي للتصالح الاجتماعي (وفقا لقانون الاحوال الشخصية) وعدم اعطاءه الاهمية التي يحضى بها في الدول التي تحترم الحقوق العامة والخاصة, هو لامبالاة وعدم اكتراث بالنتائج التي اشار لها اطباء الاختصاص الجسمونفسي وما اثبتته الابحاث الطبية العالمية من نتائج تعرض المراة لهذا النوع من العنف والذي يوازي العنف الجسدي في احيان ويفوقه في احيان اخرى, وبذلك يكون عدم تجريم العنف اللفظي بحجة عدم وجود دليل مادي عليه او مايثبت حدوثه, كلام غير مقبول وعامل مساعد على انتشار هذا النوع من العنف ضد المراة.
ورغم عدم وجود احصاءات دقيقة لنتائج ممارسة هذا النوع من العنف وافتقار الجهات المعنية لدراسات رصينة لنتائجه, الا ان الواقع الصحي الذي تعيشه المراة في العراق على  صعيد سلامة جسدها ووضعها النفسي يشير الى الضرر البالغ من جراء تعرضها الى العنف اللفظي بدليل الاعراض التي اثبتها المختصون من فقدان المراة احساسها بدورها واهميتها العاطفية والاجتماعية واصابتها باعاقة في نموها العاطفي وتلقينها التدريجي بعدم قدرتها على تحمل مسؤوليتها بعد قتل الابداع في ذاتها. ومن ناحية اخرى هناك اعراض سلوكية اشار اليها المختصون تدل على تعرض المراة للعنف كهزها للجسم بشكل كامل بصورة غير واعية او احد اعضاء الجسم وتكرار عضها لشفاهها والانفعالات الحادة في مواقف لاتحتاج الى ردود افعال قوية, وقد اشار البعض من الاطباء الى اعراض نراها في مكان عملنا او الشارع او اي تجمعات بشرية ابرزها اكل الاظافر بالاسنان وسحب مجموعة شعيرات من الراس وقطعها بشكل لاشعوري وأنتفاخ أسفل العينين الذي قد يكون ناتجا من الاستمرار في البكاء اضافة الى مشاكل اضطراب النوم والتلعثم في الكلام والانزواء الاجتماعي الذي تلجا اليه المراة المعنفة لفظيا.
كل ماذكر من تاثيرات سلبية ونتائج مؤلمة جراء ممارسة العنف اللفظي لايترك المجال للقائمين على تطبيق القانون بعدم تجريم هذا النوع من العنف لانه يحدث خلف ابواب مغلقة او ان اغلب النساء في العراق لايسمح لهن المجتمع بنقل ماحدث خلف تلك الابواب بدعوى اسرار البيوت. ناهيك عن تجنب الشكوى المباشرة وعدم تقدم المرأة بشكاوى قانونية عن تعرضها للعنف، بسبب الحرج الاجتماعي، والخشية من خسارة أولادها، وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المالية, وبعد ثبوت تلك الاضرار ومقارنتها باضرار العنف الجسدي لايوجد هناك مبرر لسكوت القانون عنه بحجة وجود سلوكيات تدخل ضمن اطار العنف لكنها مبررة للرجل اجتماعيا في الكثير من محافظات العراق ومدنه.
اخيرا..
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ....بل فاسْقِنِي بالعِزِّ كأسَ الحنظلِ.

المشاور القانوني والناشط الحقوقي
سلام جبار عطية / سويسرا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

909 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع