أ.د.بشرى البستاني
كانت الممراتُ شديدة الضيق
**
منذ البدء والعهدةُ على الراوية
ولدتُ في غرفة ضيقة
قضيتُ طفولتي في غرفة أكثر ضيقا
في المدرسة كانت قاعتي شديدة الضيق
مرة احتارت المعلمةُ بطفل يُزعجها
فرأتْ أن تجلسه قرب طفلة شديدة الهدوء هي أنا
ما إن جلس الطفل بجانبي حتى شعرتُ بالإغماء
وارتمى رأسي على كتف الرحلة
ارتعب الطفلُ والمعلمةُ بحالي
أعادت المعلمة الطفلَ لمكانه
ومن يومها صار الطفلُ أهدأ الطلاب.
وأزددتُ أنا ضيقا ..
**
سألتني المعلمة ، لماذا تخافين الأولاد
أليس لكِ أخ ..!
لاحَ لي وجهُ أخي الملائكيّ بعينيه الخضراوين.
أطرقتُ ، ولم أجبْ.
لكنها لم تسألْ عن أبي.
**
حين ذهبتُ للجامعة
قضيتُ دراستي في مكتبة ضيقة
كانت بغدادُ واسعةً وجميلة
لكني لم أغادر المكتبة وأتربة الكتب على الرفوف
كانت الممراتُ بين الرفوف شديدة الضيق
وكلما شكوتُ للمسؤول ضيقها
كان يجيبُ ، إنها الأسسُ ياابنتي ، لا علاج.
**
حين تخرجتُ .. درَّستُ طلبتي في قاعة أكثرَ ضيقاً.
قاعةٍ مقفلة النوافذ ،
ومظلمةٍ بحصارٍ أرعنَ وحروب
وفي ليلةٍ ما ،
حلمتُ أن الله قدْ منَّ عليَّ ببيتٍ واسع
وحديقةٍ معشبة
وجامعة مفتوحة
وموّلدة أضاءت لي (في القرن الحادي والعشرين)
غرفةً ودهليزا
وشاشةً لا تعرضُ غير خُوذٍ تتصارع
لا أعرفُ من يقتلُ منْ ولماذا ..
وحشوداً من الأرامل واليتامى
وطبولاً إثرَ طبول..
بفضل المولدة صرتُ مُترفةً أقرأ على مصباح
وانزاح دخان الشموع الذي دمَّرَ بصري
في الحلم حلمتُ أنَّ طلبتي سيعيشون في فضاءٍ أوسع
وأنَّ النوافذَ ستُشْرَعُ في قاعاتهم.
لكني أفقتُ في ذلك الصباح
على رجالٍ ما زالوا يتصارعون بضراوة
وريح اجتاحتنا
وأسلمتنا لخيامٍ ضيقة.
921 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع