د . فيصل القاسم
القضاء على الإرهاب
كان يا ما كان في قديم الزمان امرأة غشيمة في إحدى القرية النائية، وكانت دائماً تشتكي من تكاثر القمل والبراغيث في بيتها، وكانت ترى أسراب القمل أمام أعينها تسرح وتمرح على ملابس الأطفال، وتعشعش في شعرهم، وهي تنظر إليهم بلا حول ولا قوة. ماذا تفعل؟ لقد حاولت أن تتخلص من القمل قملة قملة، وذلك باستخراجها من شعر الأطفال، ومن ثم فركها بالأصابع، فتموت. لكن العملية كانت مضنية لكثر القمل والبراغيث. ناهيك عن أن الأمر كان في تفاقم مستمر، حيث كان القمل يتكاثر في بيتها كالفئران. ومن شدة ورطتها، راحت المرأة تبحث عن وسيلة ناجعة للقضاء على البراغيث. وذات يوم وجدت ضالتها المنشودة لدى أحد رجال الحارة الذي أخبرها أن لديه طريقة ساحقة ماحقة للقضاء على القمل، فسألته المرأة عن الطريقة، فقال لها: “بسيطة جداً يا ستّي، فقط عليك أن تشتري مبيداً حشرياً أبيض اللون، وبعد أن تعودي إلى المنزل أمسكي بالبراغيث برغوثاً برغوثاً، ثم افتحي حلقه كاملاً. وتأكدي أن الحلق مفتوح تماماً، لأن بعض البراغيث ماكرون، يفتحون جزءاً من الحلق فقط، ويغلقون الجزء الآخر. وبعد أن يفتح البرغوث فمه بالكامل، ضعي له بضع ذرات من المبيد الحشري في الفم، وارميه أرضاً، واتركيه لساعات، فتعودين إليه لتجديه ميتاً.
هكذا يتعامل الغرب المنافق مع الإرهاب المزعوم في منطقتنا، فبدل أن يبحث عن الأسباب الحقيقية لتصاعد الإرهاب والجماعات المتطرفة في بلادنا، ويعالجها بالطريقة المثلى، فهو يلف ويدور، ويعالج الأمر على طريقة المرأة الغشيمة في مكافحة البراغيث. لا شك أن صاحب كل عقل بسيط سليم يعرف تمام المعرفة أن مكافحة الإرهاب لا تتم بملاحقة الجماعات المتطرفة والإرهابية كلاً على حدى. ولا يستهدف زعيم هذه العصابة الإرهابية أو تلك هنا وهناك بعمليات كوماندوس وغيرها من عمليات الكاوبوي الاستعراضية، بل يبحث عن علاجات كافية ووافية ومعروفة للجميع. لقد تشدق وزير الخارجية الأمريكي مرات ومرات بالقول إن وجود تنظيم الدولة وأمثاله في سوريا والمنطقة سببه النظام السوري بالدرجة الأولى، فهو مغناطيس الإرهاب والجماعات المتطرفة. وسمعنا الكلام ذاته مرات ومرات من الرئيس الأمريكي الذي اعترف بعظمة لسانه بأن لا مجال للقضاء على تنظيم الدولة وأمثاله بوجود بشار الأسد ونظامه. وردد كلاماً مشابهاً رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي ديمسي من قبل. ثم تقاطر المسؤولون الغربيون ليرددوا نفس الأسطوانة، فسمعنا الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته يؤكدان على أن القضاء على الإرهاب لا يمكن أن يتم بوجود النظام السوري صانع الإرهاب والإرهابيين في المنطقة، على حد قولهم.
أسمع كلامك أصدقك، أشوف أفعالك أتعجب. لماذا لا يطبق القادة الغربيون كلامهم على أرض الواقع؟ لماذا يستهدفون المصنوع، ويتركون الصانع؟ لماذا يلاحقون الجماعات التي يعتقدون أنها نتاج النظام السوري وسياساته، ويتركون المتسبب بظهور تلك الجماعات؟ لماذا يداوون السرطان بالمراهم؟ لا بل الأنكى من ذلك، راحوا الآن يستنجدون بصانع الإرهاب في سوريا والمنطقة كي يساعدهم في مكافحة الإرهاب. يا طالب الدبس من ذنب النمس. لقد انقلب جون كيري على كل مطالباته السابقة لبشار الأسد بالتنحي، وبدأ الآن يطالب بتحالف الجيش الحر الذي يقاتل قوات النظام الفاشي منذ خمس سنوات مع قوات الأسد للتصدي لداعش وأمثالها. هل رأيتم أسخف من ذلك الطلب؟ وبينما كان معظم الدول الغربية يرفض أي تعاون مع نظام الأسد على اعتبار أنه المسؤول عما يحدث في سوريا والمنطقة، راحت بعض الأصوات الآن تدعو إلى التعامل مع “الشيطان” لمواجهة الإرهاب متناسية أنه هو أصل الإرهاب الأول والأخير.
الإرهاب، يا سادة، لا يمكن مواجهته على طريقة مكافحة البراغيث السخيفة أعلاه، بملاحقته هنا وهناك بشكل فردي، بل بتجفيف منابعه وتنظيف البيئة المولدة له. لو اهتمت المرأة أعلاه بنظافة بيتها وأطفالها، لما تكاثر القمل والبراغيث في منزلها، ولو صححت الخطأ بتنظيف بيتها واستخدام المبيدات بالشكل الصحيح، لما سكن القمل في بيتها. إن طريقة الغرب المضحكة في مكافحة الإرهاب تشبه تماماً طريقة المرأة، هذا إذا اعتبرنا أن الغرب مغفل وليس متغافلاً. إن القضاء على الإرهاب تتم معالجته بالقضاء على الأسباب والمسببات، وليس بمطاردة إرهابي هنا وآخر هناك بطريقة استعراضية بائسة. ألم تتبجحوا أنكم قضيتم على تنظيم القاعدة؟ فلماذا ظهر لكم من هو أنكى وأشد؟ لأنكم تداوون الأورام بالفازلين على طريقة المرأة التي تحاول قتل البراغيث بدس المبيد في فمه. لا يمكن التخلص من البعوض إلا بتجفيف المستنقعات التي تستهوي البعوض المتمثلة تحديداً بالنظام السوري، وليس باصطياد البعوض بعوضة بعوضة على طريقة المرأة التي كان بإمكانها أن تتخلص من أسراب القمل والبراغيث مرة واحدة لو عالجت أسباب تكاثرها. لو كنتم فعلاً صادقين، وتريدون القضاء على الإرهاب المزعوم، لعالجتموه بضربة واحدة، وليس بقتل القمل قملة قملة وبرغوثاً برغوثاً. لكن واضح تماماً أن جهات كثيرة تتاجر ببعبع الإرهاب، وتستغله استغلالاً مثالياً. صدق من قال إن القضاء على الإرهاب والإرهابيين سهل جداً عندما ينتهي دورهم.
978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع