إشكالية النقد في المجتمع العربي

                                                             

                                       مصطفى العمري

يتشكل العقل الواعي من خلال عوامل بيئية و اجتماعية داعمة له و مساندة ، تستحضر هذه العوامل كل مقومات النجاح و تجلب معها كل مباضع الجراحة لكي ينبثق الوعي بدون زوائد او انتفاخات موهومة هي اقرب الى السرطانات المتكدسة .

المجتمعات التي تفقد المبضع اي العقل النقدي ، مجتمعات مخدرة مهملة على سرير الموت و ليس سرير العملية الطبية ، لهذا السبب يخشى بعض الأشخاص من النقد الواعي او العقل المنبثق الذي يسلط الضوء على تلك المجتمعات المخدرة و النائمة بالوراثة ، و بقوة سلطة لا تعرف الله لكنها تتحدث باسمه و تقتل و تسرق و تعتاش باسم الله !
عندما تطيح لغة الجهل و المحاباة بلغة العقل و البحث و التفتيش عن ما هو جديد ، لا مناص من خروج الأوبئة و تفشي الظواهر المؤدية الى كل ماهو عكس الفطرة الانسانية و تلقائية الاشخاص .

المجتمعات العربية فيها من الفطرة و التلقائية ما يؤهلها للنهوض و الرقي كسائر الامم ، لكنها محكومة بقيود قديمة جديدة تحاول هذه القيود اعادة نفسها بطريقة ملتوية لكنها تبقى على نفس النتائج و تلبس نفس الزِّي و تعتمد ذلك الأسلوب التجهيلي الذي لا يصمد امام النقاش و المفاتشة .
العقل الذي يريد ان ينعتق عليه ان يفك قيوده بمعرفة و حنكة و إتقان وان لا يعتمد نفس المنهج الذي كاد ان يختنق منه .

ذكر المفكر الجزائري محمد اركون ، عدة نقاط اشتراطية ينطلق منها العقل الواعي منها :

١- الاعتماد على نظرية التنازع بين التأويلات بدلا عن الدفاع عنها .

٢- التصريح بالمواقف المعرفية و طرحها للبحث و المناظرة .

٣- التحذير من التورط مرة اخرى في بناء منظومة معرفية أصيلة و مؤصلة للحقيقة .

ونحن نعيش جيلاً مختلفاً و وعياً مختلفا و ثقافة مختلفة ليس لنا الا خيارين أما ان نعيش الواقع كما هو من حيث تطوره و نموه و قفزته العلمية ، نستخدم منتجاته الحديثة من السيارة و الطائرة و الموبايل او نلبد أنفسنا و نسترضي بعض الأفراد المتلبسين لبوس الدين ! لكي نعيش الغربة و الابتعاد الحقيقي بين الحاضر و الماضي فنعيش الانفصام الشخصي الحقيقي .
المؤسسات او الأفراد الذين يخشون النقد و يرتعدون منه ، يبرهن على ضعف في محتواهم الشخصي او المعرفي ، الانهيار الحاصل عند اغلب رجال الدين من كتاباتي و الضيق الذي يمرون به دليل جلي على المعرفة الخاوية التي يحملونها .

قبل ايام نشرت احدى صحف المؤسسات الدينية ثلاثة ردود  تستهدفني شخصياً  تلك الردود أحملها على المحمل الحسن ، لكني عندما أضعها على سدية المعرفة و البحث و التدقيق ستنهار بدون عناء .
الذين كتبوا ضدي رجال دين الاول منهم كتب مقالاً ! يستدعي الشفقة لانه غير مدرك و غير مطلع على ما اكتب لذلك خلط في موضوعه اسرائيل ثم عاد الى الجالية بعدها عرج الى معركة الجمل ، قلت لكم الرجل تورط لذلك يحتاج الى الشفقة .

الرد الثاني لرجل اعرفه و اعرف عنه وعن تاريخه في العراق ! وعن مستواه الثقافي ( واهن ضعيف )، تحامل عليّ لأَنِّي حاولت اكثر من مرة في جلساتنا نقده و توضيح بعض الأمور التي يهرف بها اكثر مما يعرف ، اتذكر اني قسوت عليه ذات مرة لان الرجل يكثر من الحديث (عجل له خوار) ، لا يتوقف الا بعد ان يهمل ولذلك ساهمله رغم المقال الهش و المملؤ بالتناقضات و طريقة الكتابة التي تعبر بوضوح عن سذاجة و بساطة الرجل .

الرد الثالث جاء باسم ( لجنة الردود )
رغم ان هذا الرد حمل لغة التهجم و التعريض و الردح و البساطة في أسلوبه و طريقة نقاشه لكني سأتوقف معه قليلاً لانه يحمل اسم المؤسسة الاسلامية التي انطلقت منها الهجمة !
قالت لجنة الردود هذا يعني اكثر من شخص شدوا آزرهم و تناشدون لكي يكتبوا هذا الغثاء ، رغم اني اعرف بامكانيات المركز المعرفية و طاقته الثقافية و منتوجه المعرفي انها بسيطة جدا لكن لم أتصور انها بهذا المستوى من الانحدار .
تقول اللجنة ان هناك مقاييس للسنة النبوية تحدد بدقة ( لاحظوا بدقة ) مدى صحة الحديث المنقول و الصحيح ! ثم تقارن اللجنة بين الطب و العلوم المخبرية و بين الأحاديث و الروايات !  يعتقدون بامكانية أخذ الحديث الى التحليل الطبي لكشف صحته كما تذهب المرأة الحامل لكي تشاهد جنينها ! الذي اضحكني ان اسم مقال اللجنة ( الجهل المركب )

ثم تسترسل اللجنة فتقول : انه العلم  و الدقة المخبرية و التجريبية و المرصدية ! لها القابلية في كشف اي مزيف في تراثنا ، هل هناك اكثر تزييفاً و جهلاً من هذا ؟
اذكركم اسم مقال اللجنة ( الجهل المركب )

السنة النبوية كتبت بعد و فاة الرسول ما يقارب المأتين سنة الشيعة لهم كتبهم و السنة لهم كتبهم  في الحديث و كل طرف يزعم ان كتبه هي الصحيحة و قد زهقت انفس و استبيحت أعراض بسبب هذا الخلاف . فلماذا لا تعرض لنا اللجنة هذا العلم الجديد الذي فيه الدقة المخبرية و التجريبية و المرصدية ؟

علماً اني كتبت بحثاً مفصلاً عن السنة و تأزيم المشروع الإنساني الاسلامي .
وقد قدمت محاضرة بخصوص السنة النبوية في المجمع الاسلامي الثقافي ( المركز الذي خرجت منه المناشير و الردود )
و المحاضرة موجودة في اليوتيوب لمن يريد الاطلاع عليها .
http://youtu.be/Qz8zLfssifQ

هذا يعني اني قدمت محاضرة عن السنة النبوية التي تزعمون الدفاع عنها في مركزكم و أنتم لا تعلمون بذلك !
تطالبون بالاختصاص لكي يكتب عن السنة ، ويح نفسي الكل يطالب بالاختصاص لكن لا احد يعبأ به  ، الا تعرفون ان هذه الاشكالية نفسها التي يتحدث بها خصوم شيخ المجمع من ان الشيخ غير مؤهل و غير مختص لكي يطرح نفسه للمرجعيَّة ؟

كنت أأمل من هذه المؤسسة الاسلامية ان ترجع الى مرجعها لكي تطلعه على نوعية الكتابة قبل ان تغامر و تكتب بهذه الطريقة المأساوية ، كنت اتمنى ان  تسأله عني لان الرجل قدمني اكثر من مرة بالمفكر ، الاستاذ الكبير ،الباحث . و هذا التقديم مسجل عندي .

حملة لا تقودها المعرفة لا يمكن لها ان تنتج ثماراً و لا يمكن لها ان تدفع بالمجمع و خصومه الى التقارب ، دفع بعض البسطاء للرد مكر لا ينتمي للثقافة او الدين .

كل الذي أروم قوله من ان غياب العقل النقدي خلف لنا طحالب تريد ان تتسلق على جبال المعرفة ، هذه الطحالب همها ان تزيل و تمحي ذكر العقل الذي يبحث عن الجديد المعرفي ، هم العقل الخاوي ان يصدر صوتاً ، غاية العقل المتحرر ان يترك أثراً نافعاً .

مصطفى العمري

       

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1063 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع