تساؤلات في ذكرى استشهاد الحسين (٢-٢)

                                                         

                              د. محمد عياش الكبيسي

لتحليل الأحداث تحليلا علميا دقيقا لا بد من بحث موضوع الرسائل التي كانت تصل إلى الحسين من أهل الكوفة، فهي السبب الأول والمباشر لكل ما حدث فيما بعد، وهنا يبرز اسم غريب (عبد الله بن مسمع الهمداني)، وهو شخص غير معروف على الإطلاق إلا من خلال هذه المهمة الخطيرة! فمن هو هذا الهمداني؟ ومن أين جاء بهذه الرسائل؟ وكيف يكون هذا المجهول أحرص على الحسين من أخيه محمد بن علي وابن عمه عبد الله بن جعفر وابن عم أبيه عبد الله بن عباس وقد نصحوه جميعا بعدم الخروج ومعهم كبار الصحابة في ذلك الوقت؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن أهل الكوفة حينما واجههم الحسين بهذه الرسائل التي كان يحملها معه أنكروها جملة وتفصيلا!

إن الهمداني هذا ربما يكون قد قام بأكبر خديعة في تلك الحقبة من التاريخ، فالذي كان يتحمل عناء السفر من العراق إلى الحجاز ويعرّض نفسه لكل هذه المخاطر بحمله الرسائل التي تحرّض على (التمرد) ضد الدولة كيف يختفي تماما فيما بعد فلم يرد اسمه مع الحسين ولا مع الشمر، وهذه دعوة مفتوحة للشيعة قبل السنة للكشف عن هذه الشخصية الغريبة ودورها الخطير في تلك الفاجعة، خاصة أن الحسين قد ورد عنه قوله: (ما كانت كتب من كتب إليّ في ما أظنّ إلا مكيدة لي) أنساب الأشراف 3/393، وقد قال أحد محققي الشيعة: (عبد الله بن مسمع الهمداني: لم يرد له ذكر في كتب الرجال ولا في التواريخ إلا أنه حمل مع ابن وال كتاب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين)!

المسألة الثانية: أن هذه الرسائل ليست جديدة بل كانت تتوالى على الحسن بعد عقد الصلح مع معاوية -رضي الله عنهما- ومما ورد بهذا الصدد أن الحسن كان يلقي بالكتب التي ترده في مخضب ولا يفتحها، فقيل له في هذا فقال: (هذه كتب أهل العراق من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل، أما إني لست أخشاهم على نفسي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسين) صحيح الطبري4/122، فمن ذاك الذي كان يرسل بهذه الرسائل؟ ومن الذي كانت له المصلحة في نقض ذلك الصلح؟ والأهم من هذا هو موقف الحسن نفسه من هذه الرسائل وقوله في أصحابها: (قوم لا يرجعون إلى حق، ولا يقصرون عن باطل)! وللتذكير أيضا فإن مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان أيضا بسبب رسالة من مثل هذه الرسائل!

المسألة الثالثة: أن الحسين لم يخرج بجيش مقاتل، بل خرج ومعه أهل بيته وفيهم النساء والصبيان، وكان قد علم في الطريق بقتل أهل الكوفة لابن عمه مسلم بن عقيل، بمعنى أنه لم تكن عنده أية قوة يستند إليها في (الثورة) لا داخل الكوفة ولا خارجها، وعليه فمن المستبعد أن يكون الخروج بقصد الثورة، وإنما كان شعورا بمسؤوليته تجاه الناس الذين عاش معهم مدة خلافة أبيه وخلافة أخيه، فأراد أن يكون بينهم موجّها ومصلحا، وأن يعرف أحوالهم ومشاكلهم عن قرب، يؤكّد هذا قول الحسين نفسه: (ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدّي) وحينما أحاطت به خيول أهل الكوفة راح يناشدهم واحدة من ثلاث: أن يسيّروه إلى يزيد في دمشق، أو يتركوه ليذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام يقاتل مع جيوش المسلمين، أو يدَعوه يرجع إلى الحجاز من حيث جاء.

إن هذه الخيارات الثلاثة تدل على أن الحسين لم يكن طالبا للقتال، وأن رفضه لبيعة يزيد لا يعني أنه كان (يكفّر) يزيد ولا جيشه، وإلا كيف يعرض عليهم أن يخرج إلى ثغر من الثغور، فتحت أي راية ومع أي جيش كان سيقاتل؟

وقد كان الحسن قبل الحسين مخالفا لمعاوية ويرى أنه أحق بالخلافة منه ثم تنازل عن حقه هذا، ومدّ يده لمعاوية فيما سمّي بعام الجماعة، وفرح المسلمون جميعا بهذا الصلح وهذا الاستقرار، ولو كان الحسن يرى معاوية كافرا أو عدوا للإسلام لكان تسليمه الخلافة خيانة ما بعدها خيانة، ومع كثرة مناقشاتنا للشيعة حول هذه النقطة فإني لم أجد منهم جوابا شافيا خاصة مع اعتقادهم بعصمة الحسن والتي تعني أن الحسن تنازل بالخلافة لمعاوية بأمر إلهي لا شك فيه!

إن الخلاف على الحكم وارد في كل التجارب البشرية، ومن المؤسف أن الغلبة إنما تكون للأقوى وليس للأصلح، حتى في الدول الديمقراطية يصعد المرشّح الحزبي والذي يمتلك أدوات الدعاية وصناعة الرأي العام ولا يصعد الآخرون ولو كانوا أكفأ وأصلح منه، أما أن يُجعل هذا الخلاف سببا في تمزيق الأمة وتفكيك المجتمع وغرس الثارات والعداوات إلى ما لا نهاية، فهذا سلوك مريب ولا شك أنه يخفي وراءه ما لا علاقة له بأصل المشكلة، خاصّة مع استخدام الكذب الرخيص والاتهام الباطل لجمهور الأمة.

لقد وقع كثير من الشيعة اليوم وحتى (الشيعة العرب) في فخ التضليل والدعاية الشعوبية الصفوية التي صوّرت لهم أن السنة يمثلون (معسكر معاوية) في مقابل (معسكر علي) ويمثلون (معسكر يزيد) في مقابل (معسكر الحسين)! ولا يسأل الشيعة أنفسهم -على الأقل- لماذا يكثر في السنة اسم علي والحسن والحسين ولا يوجد فيهم اسم معاوية أو يزيد إلا ما ندر، فهل كان السنة يجاملون الشيعة في هذا؟ أو كانت هذه الأسماء لغرض التقية مثلا؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع