بقلم : سالم ايليا
ربما عنوان المقال سيثير بعض القرّاء الكرام ولكي اقطع الطريق على من يعتقد بانني أحاول التمهيد لعودة النظام الملكي (وربما يؤيده الكثيرون الآن) إلا انني وبحكم الأمانة في طرح الموضوع او ابداء الرأي أرى من واجبي تفسير دواعي الكتابة عنه.
فقد اتصل بي صديق قديم لم اراه او اسمع عنه منذ مدة طويلة ويسكن الآن في احدى الدول الأوربية، وكان صديقي ذو ميول ثورية يسارية وبعد تبادل كلمات الترحيب والإشتياق دخل في موضوع الساعة وهو التظاهرات الشعبية العفوية السلمية للمطالبة بتحسين الخدمات والى ما يتصل بها من فساد وغير ذلك، وفجأة كال المديح للمقال الذي كنتُ قد نشرته والمعنون " ثورة الشعب ام شعب الثورة "، لكنه ابدى ملاحظاته على ما جاء في المقال اللاحق والمعنون " ما هكذا يا رئيس الوزراء تورد الإبل " حيثُ كانت له وجهة نظر مخالفة كقارئ لطريقة صياغة المقال الذي رغبتُ فيه حث رئيس الوزراء الى الوقوف مع الشعب حالي حال بقية العراقيين، لكن صديقي اعتبر اسلوب مخاطبتي لرئيس الوزراء اسلوب (حيادي) أو (محابي)!! وغير (ثوري) وقال ان الذي يشفع للدكتور حيدر العبادي هو اسم والده وولادته في اهم وأعرق أحياء بغداد الذي ارفد الكثير من جهابذة ووطنيي العراق، لكن لا تنسى (موجهاً كلامه لي) بان حيدر العبادي سار في طريق الأحزاب الدينية منذ نشأته فلا أمل يرتجى منه!!، تركت صديقي يسترسل في كلامه وكنت مستمعاً جيداً له!! حيث أكمل قائلاً : " لا تجامل السياسيين لأن معظمهم الآن هم عار على حديقة الحيوانات "!!(انني وبأمانة وكما وعدته سأنقل إحتجاجه هذا بحذافيره) ثمّ اردف مكملاً كلامه " انت تعلم يا سالم بانني كنتُ يسارياً وكنتُ قاب قوسين او ادنى للإنضمام الى حركة الأنصار في شمال الوطن لكنني وجدتُ بعد رحلة النضال الطويلة من اننا كنّا مخطئين في تصدينا للنظام الملكي، فظلم الملكية أهون علينا من عدل الجمهورية!! ".
لقد تفاجئتُ تماماً برأيه في مجمل ما قالَ، إذ انني كنتُ متوقعاً ان يعترض على المقال الأول كونه يلغي ما اطلقنا عليه سابقاً بالثورات والذي بينتُ فيه بانها كانت انقلابات عسكرية، والشئ الآخر الذي أدهشني تأييده المطلق لعودة الملكية!!، والرأي الأخير كنتُ قد قرأته وسمعته عن الكثيرين ممن ناضلوا وتبؤوا مراكزاً لا يستهان بها في احزابهم الأممية والقومية وحتى الدينية حيثُ اعترفوا وبشكلٍ صريح فشل النظام الجمهوري في إسعاد الشعب وتحقيق أمانيه في الرفاهية والأزدهار واعلنوا وبصراحة ندمهم في التصدي للنظام الملكي وبدأوا بكيل المديح لديمقراطية الملك وعفة وطهارة ايادي وزارئه وحرصهم على المال العام بدءاً بنوري السعيد وانتهاءاً بوزير الداخلية سعيد قزاز الذي اعدم بحكمٍ من محكمة المهداوي وصاحب المقولة الشهيرة " سأصعد الى المشنقة وتحت قدمي أناساً لا يستحقون الحياة ".
فالنظام الجمهوري لم يبدأ بثورة حقيقية للشعب كالتي نعيشها الآن وإنما جاء عن طريق إنقلاب عسكري دموي قاده من كان يطلق عليهم " الضباط الأحرار "، وبكل أمانة ومن خلال قرائتي ومتابعتي لكل ما يُكتبُ عن تاريخ العراق ولكي ننصف الجميع فأن هدف معظم من قاموا بالإنقلاب العسكري في الرابع عشر من تموز/1958 ومن آزرهم من احزابٍ ثورية لم يكن بالسوء الذي نحن عليه الآن، ولربما لو عاد الزمن الى الوراء لتخلى معظم مؤيدي ومنفذي ذلك الإنقلاب عن تأييدهم للجمهورية وحكمها.
ولربما سيقول قائل كل ما جرى ويجري من أحداث عصفت وتعصف بالعراق وأوصلته الى أسوأ حال في تاريخه المعاصر أو حتى في تاريخه الشامل هي مؤامرات الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة، هذه الشمّاعة التي ما برحت الأحزاب الثورية تستعملها للتبرير عن عجزها في قيادة العراق، فجوابي هو لماذا نصبح ادواتهم التنفيذية لإنجاح مؤامراتهم علينا لو لم يكن هنالك خطأ في نظامنا الإجتماعي وفي ايديولوجية احزابنا الثورية؟ حيثُ اننا نفتقد لحزبٍ وطني واحد يسعى الى بلورة مكونات المجتمع العراقي لتتفاعل مع بعضها على اساس المصلحة الوطنية وحيثُ سعت الأحزاب الأيديولوجية سواء أكانت أممية أو قومية أو دينية الى محاربة واقصاء أي حزب وطني يقوم على اساس المصلحة الوطنية العراقية، ولا يزال المثل قائم امامنا كيف حُجّم الحزب الوطني الديمقراطي لكامل الجادرجي ورفاقه ومن هي الأحزاب التي حجمته، وكما يحدث الآن من اقصاءٍ لكل صوتٍ وطني يلتزم بالخطاب الوطني الخالص وللأسف يُستخدَم الشعب كأداة لتحجيم الوطنيين أما بطريقة الهجوم المباشر والتزام الأشاعات التي تطلقها الأحزاب المتقاطعة مع الأهداف الوطنية أو بطريقة شراء الذمم كما حدث في الإنتخابات الأخيرة!!.
فالكوارث التي المّت بالعراق سابقاً كانت نتيجة اطماع خارجية دخل فيها المحتل وقتل وسرق ودمر ولا زلنا نذكر ما فعله هولاكو وغيره، لكن ما يحدث الآن من سرقات وقتل وتدمير تقوم به ميليشيات واحزاب ومافيات سياسية من ابناء البلد الواحد وهذا ما لم يحدث سابقاً ولم يؤرخ سابقاً في تاريخ العراق، ولست بحاجة الى تذكير القارئ الكريم بان كل ما رفعته الأحزاب الثورية من اهداف وشعارات لم تتحقق وقد اصبحت في مهب الريح، فلا وطنٌ حر ولا شعبٌ سعيد، فالوطن محتل من الأمريكيين تارة وتارة أخرى محتل من مافيات الأحزاب السياسية والشعب أضحى نصفه في السويد. ولا امة عربية واحدة، فالعرب مجزئين الآن اضعاف أضعاف ما كانوا عليه ويتقاتلون ليس بين قطرٍ وآخرٍ فقط لا بل بين ابناء القطر الواحد أو الدولة الواحدة فإنقسموا الى طوائف ومذاهب وملل وعاد النظام العشائري بصيغته المتخلفة وليس بصيغته المتحضّرة ليحكم ويحل محل القانون المدني ومؤسسات الدولة. ولا حتى العودة الى عصر الدعوة التي تطالب به الأحزاب الأسلامية والتي تجاهر بسرقاتها وجرائمها بإسم الدين.
ولو تسنى لمن ضحوا بأنفسهم من الأحزاب الثورية دفاعاً عن معتقد سامي وهدف نبيل وشاهدوا الى اين وصل العراق لعضّوا أصابعهم ندماً على تضحياتهم، فلقد اكد السياسيون الجمهوريون مقولة " الحُكم هو أثمٌ في العراق منذ سقوط الملكية ولحد الآن ".
1082 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع