بقلم د. سيّار الجميل
مدينةٌ تائهة يجثو على صدرها تنيّن احمرٌ ، يقتات على لحم الاطفال
الناس فيها ، ماتت احلامهم ، وباتوا يأكلهم غضب
زمنهم ، سَفينةٌ عتيقةٌ شراعها ممّزق ، حيطانها حَطب
مكانهم ، بحرٌ يتدفق اشلاء ، ودماء ، وقطع من خشب
يجتاحهم اعصار مدّمر يصطاد طفلا للجلّاد ، ويرميه بعيدا وحيدا
والعالم ماتَ ضميره على مهل مثل نار هادئة ، تأكل بردي وقصب
مجانين وتافهين هم ربابنة العراق الجدد
مذ نحروا التاريخ كلّه في عشر سنوات ، وقد جاءوا مثل الجَرب ..
سرقوا ، قتلوا ، نحروا ، هدمّوا ، ابادوا ، ونشروا السمّوم واثاروا الترب
منحوا أمّ الربيعين هديّة للتنين المجهول على طبق من ذهب
وحاصروا البصرة ، وقتلوا بغداد .. وسحقوا حلب
هم برابرة سكارى ، وقذارتهم ملأت الدنيا ..
اليوم ، قلاعهم من ماس ، قصورهم من ذهب
والعالم مشدوه بمصرع طفلين بريئين هربا من سوريا والعراق
اشفق عليها البحر ، وازبدتهما الامواج على الرمل ، وهي ترفض هجرة من تحب !
رقصَ الطغاة ، وغنى الزناة لمشهدهما التراجيدي المؤلم .. والطيورُ حزينة تنتحب
يا للعجب !
يرحل الاطفال وهم في قمة الغضب
والعالم يشهد هذا الزمن اللئيم ، وحكم العاهرين ، ويلعنُ من كانَ السبب
طفل شهيد البراءة ، يعانق نخلةً باسقة ماتت منذُ زمن بعيد ..
وطفل عشيق ملكة البحر ، وقد ضمّته في اعماقها مثل عاشق صَب
مدينتنا أزليّة الروح في توأم بلدين ، يعيشان غداف ليل ضلّيل
بعد ان كانا يعانقان الشهب
اليوم خيّم عليها صمتٌ مخيف ،
فالوحوش الضاريّة تزايدت من كلّ حدب وصوب
وتنيّن اطرافه سوداء تقيّحت ، والكلّ يحمل اوبئة الماضي البعيد .
وتعفنّت وماتت مثل اشواك يابسة في صحراء النقب
برارينا ، جيفة شبعت من جثث الموتى الكبار في الاشهر الحرم
والبحر يأكلُ الاطفال عند ابواب ذي الحجة ، او في اعماق رجب
الى متى يبقى الانسان عاريا من جلده ولحمه وعظمه ؟
متى يستيقظ عقله من سبات طويل ؟
متى يخرج من سجنه العتيق ؟ او من كهف موحش وظلمة جُب ؟
الى متى يبقى طعاما للجوع والقهر وضواري القفار وقروش البحار ؟؟
يريد الطغاة ان يهاجر الاطفال قسرا عن وطنهم ..
بيوتهم انسحقت .. مدارسهم احترقت .. حدائقهم وملاعبهم تفجرّت
اطلالها مأوى للموبقات من بعد وقرب
المدن الجميلة ، امست بقايا كائن مشوّه تعفنّت اطرافه ، حياته تشتّتت
مدينتنا سفينة تائهة بلا هدي ..بلا خرائط .. بلا رتب
الى اين يرحل بها الى المجهول هؤلاء القراصنة الجدد ؟
ويأخذها هوج الاعصار الى جزر متوّحشة او الى زمن بلا حقب !
والناس تترّنح من الموت الشقيّ في كلّ حدب وصوب
مدينتنا بائسة يائسة ، كانوا يسمونها يوما : مدينة العرب !
تائهةٌ ضائعةٌ تنسل طغاةً وعتاةً جناة ، مجانين ولصوص بلا اصل ، بلا فصل ، بلا نسب
ونسوانهم ضللن الطريق ، وغدون في بساتين البرتقال الميّتة .. حمالّات حطب
جهلة لا يعرفون قراءة نص ، ولا رسم لوحة ، وهم يزرعون الموت بلا سبب
عادت مدينتنا على ايديهم الملوّثة بالدماء ، سفينة خشبيّة كئيبة حزينة
جعلوها حطاما تحتضن الموت ، بعد ان كانت تمخر عباب بحر
وتزخر بلوحات قديمة ، وآيات مكتوبة بحروف من ذهب
هل ستمخر يوما في بحر رائق .. لونه ازرق ، موجه عبب ؟
هل يعيد النهر جماله ورقصاته ونشرب يوما من مائه العذب ؟
حتى الان .. فرص الانقاذ معدومة !
1711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع