التخطيط الاستراتيجي ورسم السياسات

                                    

                      الدكتور مهند العزاوي*

تتداول الاوساط الفكرية والعلمية والتدريبية مصطلح الاستراتيجية بمفرداته كالتخطيط والتحليل والإدارة والتدبير والصبر والتدوير ,

وتختلف كل مفردة عن سابقتها بسياقاتها ومسالكها وأدواتها وأخصائيها , ولم يأتي اعتباطا اطلاق مصطلح الاستراتيجية المنبثق اصلا من التدبير العسكري والحربي , وفلسفة مزواجة القدرات والموارد لتحقيق الاهداف , بتطويع عوامل القوة والتأثير والمناخ والطقس والأرض والديموغرافية للطرفين اي الخصم ايضا , وفي عالمنا المعاصر يختلف وصف الخصم وتختلف التشعبات الادارية ولكنها لا تختلف كثيرا عن فلسفتها الاصلية في العلم العسكري , وبلاشك ان تحليل البيئة الاستراتيجية في التخطيط الاستراتيجي مقتبس من تقدير الموقف العسكري كثيرا ومتاشبه في غالبيه عوامله ومواده مع فرق المصطلحات والأهداف التخصصية التي تستهدفها الاستراتيجية .

الحوكمة الفاعلة
ذهب الخبراء والمفكرون والمؤسسات الدولية الى حوكمة الدولة بغية وضع حد فاصل بين الواقع والتطبيق من جانب وبين الطموح والمتحقق من جانب اخر , ولعل التخطيط الاستراتيجي الذي يعد السكة المحورية للإدارة الاستراتيجية يجنب الدولة ومؤسساتها عامل المباغتة كما يطلق عليه عسكريا والمفاجئة التي تتمخض عنها مخاطر تفقد الدولة توازنها وانجازاتها , خصوصا ان المسرح العالمي مليء بالمنافسين او الخصوم في مسرح متوازي في ظاهره وغير متوازي في باطنه , والذي يستهدف في استراتيجيته ابتلاع او تهميش او انهاء المنافسين والخصوم الذين لم تكن الحوكمة الفاعلة منهجيتهم , وهنا يكون التخطيط الاستراتيجي حبر على ورق والإدارة فاشلة كونها لم تحقق الاهداف الاستراتيجية المنصوص عليها في الاستراتيجية العليا/ الشاملة للدولة وفقدان سياسة البقاء والديمومة في عالم مضطرب ومتغير .

رياضة فكرية  
يعد التخطيط  الاستراتيجي رياضة فكرية فردية او جماعية , يتمخض عنها مسالك مدروسة منتظمة بمعلومات تطبيقية تحاكي الخلل وتعالج الخطر وتتدبر للتهديد , وهو العامل الأساسي لنجاح الدولة والمؤسسات والشركات وحتى الافراد , ويذهب البعض لجعل التخطيط الاستراتيجي مجموعة بيانات اكاديمية تستخدم لإغراض التفتيش او الدعاية , وفي الحقيقة ان التخطيط جزء من دورة الاستراتيجية تبدأ بالتخطيط وتمر بالتحليل والإدارة والتدبير والصبر والتدوير والتقييم ثم التقويم وأسميتها الدورة الاستراتيجية .
في ظل المتغيرات واتساع القنوات الادارية المؤسساتية الحكومية والخاصة والضاغطة, لابد من وضع علاقة حاكمة لكل الاطراف من خلال ورش التخطيط الاستراتيجي الفاعلة التي تنتقي القيم الاستراتيجية وفقا للموارد البشرية والمالية والمادية والمعنوية, لتحقق افضل استثمار في راس المال الاجتماعي هدف الدولة والشركات والأفراد اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الفرد هو الوحدة الاساسية في هذه الدورة الاستراتيجية في التخطيط والتحليل والبحث واتخاذ القرار وكمستفيد ومستهدف


التخطيط كما اعرفه
يقصد بالتخطيط الإستراتيجي(( انتخاب وتحديد الاهداف الاستراتيجية المرتبطة بالغاية الاستراتيجية , واستخراج المبادرات كمجموعة أنشطة  وأعمال تحقق اعلى معايير الجودة , وتؤمن افضل انسيابية في ادارة المؤسسات بشكل يضمن تحقيق الاهداف المنتقاة والمحددة في الاستراتيجية الشاملة /العليا  للدولة وخطط المؤسسات الساندة المستفيدة))  .
يعد التخطيط الإستراتيجي ظاهرة فكرية علمية ادارية مختلطة  , توضح معالم النجاح واقتناص الفرص في ظل بيئة تنافسية يتطلب الوعي الدائم والمتابعة المستمرة تجنبا للوقوع في فخ الغفلة , الذي يعود بالمخاطر الوظيفية الجمة وكذلك المخاطر الاستراتيجية التي يتطلب تدوير الافكار حولها وإعادة صياغتها بعد التقييم المتأني الذي يفرض اختيار المسالك الاكثر نفعا وتأثيرا لتحقق العبور في الاستراتيجية الوسيطة التي تحاكي اماكن الفشل واللامتوقع ونقص المعلومات
ومن وجهة نظري اعرف التخطيط الإستراتيجي  بأنه((  دورة فكرية علمية تطبيقية بمخرجات ادارية وإعلامية  تطوع المهارات والخبرة والموارد لرسم سياسة الدولة او المؤسسة او الشركة من خلال تحديد وانتخاب الاهداف الاستراتيجية المنتظمة بمبادرات ناجعة تحقق الغاية الاستراتيجية للدولة او المؤسسة والشركة))
اما الخطة الإستراتيجية هي بمثابة (القرار المكتوب والمدروس كوثيقة تتخلها بيانات موثوقة ومعتمدة وفقا للمنهجية العلمية المسندة بالخبرات والمؤصلة بتحديدات المقر الاعلى الرامية لتحقيق الاهداف والغايات الاستراتيجية )  اذن هي توثق رسمياً القرارات التي يتم اتخذها بشأن ماتريد الدولة او المؤسسة او الشركة تحقيقه كأهداف استراتيجية متتابعة منتظمة بغاية عليا وكيف سيتم تحقيق تلك الاهداف وماهي النتائج المتوقعة التقديرية من هذه المسالك الادارية .

عناصر التخطيط الإستراتيجي
يختلف الباحثون في وصف عناصر التخطيط الاستراتيجي ولكني احدها بما يلي:
1.ادراك عناصر ومفردات البيئة الاستراتيجية الداخلية والخارجية للدولة ومؤسساتها  والشركات وارتباطاتها والكادر الوظيفي وقدراته وأهمية الفرد العامل والمستفيد
2.تحديد الأهداف الإستراتيجية العامة والتخصصية
3.فهم وتحديث قائمة التهديدات والمخاطر والمنافسين والخصوم
4.جمع وتحديث المعلومات وتنظيم وتمحيص البيانات الموثقة والرسمية المتعلقة برسم السياسات والغايات والتحديدات.
5.تصنيف المعلومات والمصادر المستقاة فيما يخص المعلومات الغير رسمية
6.جمع البيانات والمعلومات ذات العلاقة بإعداد الخطة الإستراتيجية.
7.تحديد الأولويات والأسبقيات للأهداف المطلوب تأطيرها بمباردات
8.ماهية الموارد البشرية والمالية والمادية المتيسرة  والمستحصلة
9.فريق الخبراء والعاملين في مجال التخطيط وأهمية كفاءتهم
10.الواقعية في التحليل والتقييم بالاستناد على البيانات والوثائق والمؤشرات


تخبرنا الوقائع التاريخية ان الامم والإمبراطوريات التي حفرت اسمها في سجل التاريخ قد اعتمدت فلسفة الانسان هو الوحدة الاساسية للانجاز , لان الفرد هو من يفكر ويبدع ويثابر وينتج ويطور ويتخذ القرار ويصنعه ويعالج ويتدبر ويتحسب ويقوم مسارات الفشل ويحولها الى نجاح , انها الحكمة الالهية والإبداع في خلق البشر الذي جعل الله منه مرجل فكر متنقل مبدع يحول الفشل الى نجاح, بعد ان يستحكم قيم الفكر والعلم والتجارب والخبرة والمهارات , ولعل التخطي الاستراتيجي احد مفردات الدورة الاستراتيجية يعد بمثابة التنظيم الفكري التطبيقي , لتحقيق الاهداف الاستراتيجية المنتظمة ضمن الغاية الاستراتيجية المنتخبة في الاستراتيجية الشاملة / العليا , التي يتمخض عنها مبادرات فاعلة تحقق الاهداف بشكل انسيابي متفاعل مع البيئة الاستراتيجية التي جرى تحليل عناصرها , وصولا للقرار الصائب الذي ينتج على شكل خطة استراتيجية .
يبقى التنظيم والتخطيط والتدبير والتدوير الفكري ابرز عناصر التفوق البشري المنتظم بمؤسسة او شركة او انتاج فردي التي بدورها تحقق افضل انجاز يرتقي للتفوق  والمنافسة نحو الصدارة في كافة المجالات .
*خبير استراتيجي
‏السبت‏، 17‏ كانون الثاني‏، 2015

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع