الدموع وحسرة القلب المعجونة بالاهات لا تخفف من اللوعة والقهر بفقدان الشاعر التركماني " شوكت كمال " الذي صدمني نبأ وفاته ورحيله الابدي مودعـا هذه الدنيـــا (بعد صراع طويل مع المرض الخبيث) .
لانه كان عنوانا عريضا للإنسانية ، ونبعا متدفقا للخلق المتسامي والشرف العالي ، وكان يتلمس فيه القيم الاخلاقية العالية والصلابة الفكرية كمناضل وجهادي من اجل قوميته ، وفي سبيل عراق خال من الدكتاتورية . يــا صديقي ، فكل شخص مهمــا طال غيابه لا بد وانه الى اهله يؤوب ، ومـا من رحل عن بيته الا وساعة يحن اليه فيعود ... ولكنك رحلت ولم تعود فهذا قدرك ؟؟؟
وكثيرا ما كان يمارس المرحوم شوكت كمال النقد والتهجم على نظام البعث بدون تردد او خوف ، ومتحديا بجرأة وشجاعة كل جلاوزة الأمن البعثي ، لذلك تعرض المرحوم في حياته الى الكثير من المراقبة والملاحقة من قبل اجهزة نظام البعث . عند اشتداد الحملة العنصرية على مدينة كركوك من قبل حكومة البعث في بداية الثمانينات وبدأ ترحيل اهلها الاصليين من الكورد والتركمان الى جنوب العراق وغربه ، وتعريبها على ايدي رموز النظام البعثي . لتغيير ديمغرافية مدينة كركوك . وجراء ذلك تعرض الشاعر " شوكت كمال " الى نقله من التعليم ( بعد خدمة ثلاثون عاما ) الى دائرة اخرى اي خارج دائرة التربية ، وثم نفيه الى محافظة ذي قار وثم الى محافظة الانبار بعد ان اعدم اخوه الشاب الرياضي " علي كمال " وألقاء القبض على اخوه ثاني " اصغر كمال "مع عائلته ورحلوا الى احد سجون محافظة واسط .
نعم إنها فاجعة ، أن نفقد شاعرا جسوراً ، ومواقفا شامخة على انف الزمن مثل شوكت كمال ، وانه خلف تراثا ممسقا من الاشراقات والعطاءات ، كان شاعرا ملتزما بالوطنية والقومية الحقة بأن أيمـانه كان قويـا وعزيمته كانت الأقوى . وكان شخصية اجتماعية معروفه في محافظة كركوك ، وتمتع بكل الصفات الانسانية والاخلاقية فهو متواضع وانسان بسيط يحب الناس والناس تحبه ، لان وجد فيه الأصالة والعلم والأخلاق والبعيدة كل البعد عن مغريات الدنيا والمنافع الذاتية ، إضافة الى نظارته وابتسامته التي كانت لا تفارقه لحظة . وبذلك فقدت الثقافة العراقية شخصية ثقافية عرفت بالطيبة ودماثة الخلق وحب الوطن .
لقد رحلت يـا ابو علي عنا وفضلت البقاء حيث رحلت ، وتركت في نفوسنا لوعة ، وفي قلوبنا غصة وخاصة لدى من شاركك الحلوة والمرة طيلة حياتك زوجتك المخلصة " ام علي " . نعم رحلت ايهـا العزيز ، ورحيلك بهذه العجالة قد ترك في نفوس كل الذين عرفوك عن كثب لوعة ، وفي عيونهم دمعـا ، وفي قلوبهم غصة ... كنـت اتمنى ان اكون في الوطن الحبيب يا زميلي وصديقي لتوديعك الى مثواك الأخير ... فنم قرير العين في مثواك السرمدي يـا قرة اعيننـا ، ومهجة قلوبنـا ، فمـا هذه الدنيــا الا دار فناء وزوال ، لكنك رغم بعادك عنـا فانت تعيش في عقولنا ، ووسط قلوبنا ، وفي ضمائرنـا .
مات شوكت كمال جسدا غير انه باق في ضمائرنا ، وفي افكارنـا ، وفي احلامنـا ... لان الموت حق على جميع الناس ، ولكن حينمــا يموت الأنسان ويترك اثـارا حسنة فهذه نعمة من الله ، فالمرحوم شوكت كمال مات بعد مسيرة حافلة بالعطاء الثقافي اكسبته سمعة طيبة بين اصدقائه ومعارفه وبين اهالي كركوك .
793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع