د. سيّار الجميل - لندن
يعيش العراق فجيعة ومأساة تاريخية لم يشهد مثلها على مر التاريخ ، والفئة الحاكمة تتصارع في ما بينها لمن يكون منصب رئيس الوزراء ، فهل يعقل أن نصف العراق قد طار واصبح في خبر كان ، والفئة الحاكمة لا تعرف كيف تتصرف إزاء حالة لا مثيل لها أبدا ؟ هل يعقل ان رئيساً للوزراء يقع مثل هذا " الحدث الجلل " في عهده وهو لا يخجل أبدا بعد ان أعلن كل عراقي خجله من تاريخ يصنعه الأغبياء .. هل من المعقول ان يصرّ الساقط في الامتحان على ان يبقى في المدرسة بعد ان سقط سقوطا حقيقيا ، وهو يتشبث بالبقاء بشقاوته وتهديداته وتصريحاته التافهة ؟
حسب تهديداته الفارغة بإدخال العراقيين أبواب جهنم ، لا يعرف دولة الرئيس انه خاسر التاريخ ، وقد سقط في مهامه وفشل فشلا ذريعا في مسؤوليته، إذ كان ولم يزل لا يدرك وزنه وهو يحكم ، ولا يعرف ماذا يعني عندما يتكلم ، وهو لا يفقه أبسط حدود الرؤية السياسية ، فكيف يعرف حقائق العراق ومعرفة مجتمعه ، بل كم وعدنا بحقائق مخفية سيظهرها للعلن ولكنه كذب كذبات كبرى ، وكثيرا ما كان يعلن عكس ما يبطن ، ويبدأ بالرقص على تقاسيم ويلات البلاد فيزيدها بؤسا وتعاسة ، وكان من حظ العراق التعيس ان يصبح هذا الكائن سيدا لدولة محطمة ومجتمع منقسم .. ولا أدري كم من الكرامة بقيت لديه عندما يصر على البقاء في مكانه والكل يرفضونه ؟ انه لم يصدق حتى هذه اللحظة ومنذ ثماني سنوات انه سيد العراق ورئيس وزراء أغرق العراق بالفجائع والنكبات . وهنا ، ينبغي ان تتم محاكمته علنا أمام شعبه وأمام العالم كله .
بلد ضاعت منه كل القيم والأخلاق والمواقف وانتهك دولته بنود دستور كسيح عدة مرات ، ولكنه مصرّ على التشدق بالدستور ، بل وازداد هستيرية وتهتكا عندما يزيد من تهديداته وتعسفاته بحيث لم يجد إلا نفسه أخيرا يدور من حولها مدعيا انه مختار العصر الوحيد، باحثا دوما على فرض ما يريده بالقوة ! وقد أقنع نفسه بأنه رجل فهيم عليم وهو لا يمتلك ذرة واحدة من الفهم والعلم ! بل ولا يعرف ألف باء تاريخ بلاده التي يحكمها منذ 8 سنوات ، ولم يقرأ كتابا واحدا في جغرافيتها . فكيف يمكنه حكمها ؟ لقد حكم ثماني سنوات فأضاع البلاد وشرّد العباد .. ولم يزل هناك من يرقص في حلبته أو يسبّح بحمده ليل نهار .
لقد أضاع هذا الرجل العراق من دون ان يحاسبه احد على ما اقترفه بحق الناس ووجودهم ، فقد أزهقت آلاف الأرواح على عهده ، وأهدرت مليارات الدولارات من قبله وعيث فسادا بحق أمنهم الذي افتقدوه ، وبحق مستقبلهم الذي صبغه السواد .. ماذا تريد بعد كل الذي صنعته ؟ وماذا تريد بعد كل الذي أضعته ؟ وماذا تريد بعد كل الذي أهدرته ؟ هل من المنطقي معارضة العقلاء عندما هبوا في وجهك وعارضوك على رؤوس الأشهاد منذ سنوات ؟ وهل تريد ان نتجاهل كل ما اقترفته يداك بحق العراق والعراقيين ؟ ارحل إلى الجحيم بعد ان تركت أسوأ الذكريات لدى العراقيين الذين لا أريدهم ان يشغلوا انفسهم بالتفاهات السياسية ورموزها البليدة وفي مقدمتهم دولته ، ولكن عليهم ان يتساءلوا : كيف تتأسس مسؤوليتنا اليوم قبالة ماضينا ومستقبلنا ؟
بالنسبة إلي مزيد من الأسئلة ، كما أفترض بالنسبة لمن تتبعها ،قد لا تمنعني أية صعوبة في الإجابة عليها ، وإن أهميتها من الإجابة عليها جبهويا يتوالد باستيعاب كلي. في كل مرة، أحاول، من خلال تأمل أو دراسة ،أن أجد خطا مائلا يهوي بالبلاد إلى أسفل سافلين كي أتبع النتائج التي تأتي في الغالب معاكسة للمنطق ، أو أن أردد ذهنيا على الأقل الأسئلة التي يطرحها علّي بعض المثقفين العراقيين . في بادئ الأمر، أعتقد ان من الظلم السكوت على جنايات اقترفها الأغبياء في حكم العراق ، فينبغي تشخيص الداء الذي ابتلي به العراقيون كي يعارضوا معارضة حقيقية كل ما رافق العملية السياسية الحالية من خطايا وآثام تربّى ويا للأسف على ثقافتها جيل كامل وقد شهد كل الجنايات والاختلاسات وقتل المؤسسات وسحق البنيويات وتشويه التعليم في المدارس والجامعات وافتقاد الأمن وتحريف التاريخ والحرب على الثقافات، وأكثر من ذلك أيضا، فمن الظلم ومن غير المقبول، لأي من كان من العراقيين ،أن يفرض رؤيته والتقسيمات المشكوك فيها بحالة سلم ، إذ ساد العنف والقسوة لأسباب طائفية أذكاها حكومة وزعيم حاكم ومن التفّ حوله من مناصرين وعصابات ومطبلين ومزمرين.. أنا لم أتفق مع تلك السياسة الخرقاء التي صفق لها من له مصلحة في إبقائها ، ولقد أساء البعض من العراقيين كونهم بقوا حتى هذه اللحظة التاريخية اسرى أجندة طائفية تربوا عليها أو تأثروا بها ، فما زالوا يؤكدون بأسلوب مباشر أو غير مباشر عن مناصرتهم على حكم الطائفة ممثلا ذلك برمزه دولة الرئيس .. ودولة الرئيس منشغل منذ شهور وقد أشغل كل العراقيين بمسألة بقائه أو عزله ، وبقي حتى الآن يصر على بقائه في السلطة ويهدد بأن يدخل العراق أبواب جهنم ، والعراقيون تمزقهم قوى الإرهاب وتعبث بهم عناصر الظلام وهم يعانون من كل الأمراض ومن كل البلايا .. ولا أدري بعد ثماني سنوات من حكم التافهين كيف يكون الاستهتار بالعراق ؟ ولا أدري كيف يتم تهديد العراقيين بإدخالهم أبواب جهنم ، وكأن دولة الرئيس يشبّه نفسه بأحد حراس تلك الأبواب ؟ ألا يكفيك أنك أدخلت العراق جهنم منذ ثماني سنوات وخربت البلاد وجلست على رأس ذاك الخراب ؟ ألا يكفيك ما صنعته بالعراق والعراقيين ، وقد فعلت الأفاعيل من أجل تفكيك البناء العراقي ؟ ألا يكفيك انك أشبعت رغبتك فكنت ولياً للدم وسفاكاً له ؟ ألا يكفيك أنك وقفت على رأس جيش من العصابات والمليشيات الطائفية التي ساهمت في تمزيق وحدة العراق بعد ان وصفت المعركة بين أبناء الحسين وأبناء يزيد ؟ ألا يكفيك ما أهدرت من أموال وما استحوذت عليه وما سرقت من موارد الشعب ؟ ألا يكفيك أنك عجزت عن حفظ أمن العراقيين وأعراضهم وممتلكاتهم .. ورحت تغرد بعد ان أشبعت نزعتك الطائفية المقيتة ؟ اخرج منها ، كي تجد الناس طريقها نحو الحياة .. اخرج منها كي يتنفس العراق بعد ان أخذت بأنفاسه وقبضت على عنقه ؟ اخرج منها كي يخرج العراق وكل العراقيين من أبواب جهنم التي أودعتهم فيها .. اخرج منها كي يتمثل كل العراقيين طريقهم نحو المستقبل حيث يتم البدء بإصلاح ما أفسدت .. اخرج منها كي يحاكمك شعبك على كل ما حصل من جرائم وجنح وجنايات بحقه منذ سنين ! اخرج منها لكي تجد نفسك أمام أبواب جهنم لك ولأمثالك من التعساء .
وأعتقد أن إحدى مسؤولياتنا اليوم ، نحن المعارضين من المثقفين العراقيين ، تتمثل بفتح جبهة من المحاكمات العلنية لكل من أساء إلى العراق والعراقيين .. وإلى كل من ساهم في قتل العراق والعراقيين .. من أجل ان يتم تجفيف كل المنابع التي تبعث مادتها اللعينة على الفرقة والانقسام والكراهية وبث الأحقاد . إن الخلاص من العملية السياسية هو الدفع بالاتجاه الصحيح للتخلص من كل العوائق والوقوف ضد كل الأجندات اللعينة التي حاربت الوطنية العراقية ووحدة العراقيين وأمن العراقيين وثروات العراقيين ومستقبل العراقيين .. وينبغي صناعة عملية وطنية جديدة . إنكم أيها العراقيون في هذه اللحظات الحاسمة أمام مفترق طرق صعب حيث صراع الخير مع الشر في وطن أنهكه الغرباء والبلهاء والمتخلفون والأعداء.
إن طريق المستقبل ينبغي السير به نحو صناعة العراق وجعله كالفردوس لا إدخال العراقيين أبواب جهنم .. ويكفي انك فتحتها على امتداد ثماني سنوات عجاف .. وكنت سببا أساسيا في تمزيق العراق وإهانة العراقيين ودمار مجتمعهم ودولتهم معا ..
اسمح لي أن أسطر للعراق والعراقيين بأننا، على المستوي الداخلي، رغم المظاهر المنحرفة والمقلقة المعاصرة والأثقال المعوقة، فإننا لا نمتلك نفس المشاكل مع الآخرين ،إن ما نشهده في العراق من تفاهات سياسية هي تعبير حقيقي عن إفرازات مجتمع ، فهو يتكلم بلسان سياسييه بعد ان غابت عن الساحة أفواه المثقفين واحترافات المتخصصين ونصوص المبدعين واستقامة القضاة وشرود الأساتذة الأكاديميين وشجاعة القادة العسكريين .. ويكفي ان يغدو في المقدمة الملالي ورجال الدين والتافهين من الطائفيين والحاقدين من أنصاف العراقيين .. وقد أسهم ذلك في خلق مشكلات مزمنة مع وجود تفككات وتمزقات وتناقضات خلقت كلها المزيد من الفجائع التاريخية..
للحديث بقية
1696 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع