د. مهند العزاوي *
يؤكد الواقع السياسي الدولي والإقليمي على خفايا التحالفات والصفقات المريبة التي تعمل على تفكيك وتمزيق العالم العربي وحسب نظرية الدومينو ، ويلاحظ تفكيك مناطق التاثير الاستراتيجي ، وحروب نهب الثروات الاستراتيجية ،
واندثار المحاور الجيوسياسية العربية ، وإزالة مفاصل القدرة الصلبة التي تبددت بعد غزو العراق 2003 , وبلا شك ان قواعد اللعبة الدولية تعمل وفق فلسفة القوة والتأثير ، بغض النظر عن محظورات القانون الدولي التي لا تأبه بها الدول الكبرى لان المصالح هي الاهم (لا عدو دائم ولا صديق دائم بل هناك مصالح مشتركة)، وكما يبدوا ان لغة المصالح مكنت دولا اقليمية من التغول والتمدد عبر العراق وحتى المتوسط لتحقيق المصالح الهرمية الدولية بفتح اسواق الحرب الطائفية التي تدر بعوائد تفوق عوائد النفط والذهب , وتمنح بذلك حوافز تحاكي اطماع الوكيل الاقليمي في تصدير امبراطوريته المزعومة .
حروب الاضرحة
يفتقر العالم العربي والإسلامي لكوابح صارمة , ومحددات قانونية مقرونة باليات تطبيقية واضحة تحفظ البشرية والمجتمعات من الفناء الزاحف , ونشهد اليوم التلاعب بالألفاظ الاعلامية والخطاب المزدوج المنادي بالديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة والتعايش في ظل استعار مرجل الموت والقتل الطائفي الصادم والقمع المروع , وتمارس وسائل الاعلام تضليلاً منظماً يرتقي للترويج للإرهاب الطائفي , وكذلك منظومات الدعاية والساسة لطمس الواقع الخطير وحقيقة الحرب الطائفية المذهبية التي تدار عن بعد في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين , ويجري هذا بعد اغتيال الدول , ونشر الفوضى ومخرجاتها النازفة , وصعود الاصولية المذهبية الى سدة السلطة لتشغل مرجل الحرب المذهبية , افرز الواقع السياسي العراقي ما بعد الغزو 2003 همجية قل نظيرها ارتكبتها قطعان القتل المذهبي , وبإسناد قوات رسمية الملبس وهمجية المعتقد لتحرق تاريخ العراق وتمارس التبشير الطائفي العابر للدين والوطن وترسم خارطة اقليمية ملتهبة بالصراعات والنزاعات لعقود قادمة , وبرز خلال السنوات الثلاث الاخيرة مصطلح حربي ايديولوجي على الساحة الفكرية والإعلامية والحربية وهو ((الدفاع عن الاضرحة )) كما تروج له المنظومة السياسية والحربية والفكرية في ايران لتحشد المتطوعين بدواعي طائفية وتزج بهم في حربها الاقليمية المفتوحة ليقابلها تنظيمات مسلحة من الطرف الاخر كرد فعل مضاد ليخوضون حرب الهلاك البشري .
عسكرة المذاهب
نشهد اليوم صعود الظواهر المذهبية المسلحة الى سدة السلطة ضمن فلسفة عسكرة المذاهب , وتٌعد وقودا بشريا لتهديم المجتمعات العربية والإسلامية بوهم الدفاع عن المذهب والطائفة واستعداء وشيطنة الشريك الديني والمجتمعي , بل وتخطت ذلك باستخدام حرب الافكار العابرة للقيم الدينية والتعاليم الاسلامية والعادات المجتمعية ومنظومات القيم والتلاحم الوطني , لتعبر عن نفسها بشكل همجي هدام ولعل مؤخرا برز مصطلح حربي ايراني هو ( الدفاع عن الاضرحة) الذي يبرر الحرب المذهبية الاقليمية التي تدار اليوم في العراق وسوريا واليمن والبحرين .. الخ , ولعل هذه الجاهلية الوافدة تقودها نخبة من المتعلمين وتجار المناصب والمتمذهبين الجدد , رافعين شعار "اقتل لتنتفع " مستخدمين شعارات مذهبية ترتكز على اساس الكراهية وشيطنة الاخرين وتبرر الهمجية والقتل , وبلاشك ان مسالة حشد مليشيات مذهبية من اليمن والخليج والعراق ولبنان واسيا وأفغانستان والهند ..الخ لتقتل طائفيا الشعب السوري والعراقي بدوافع مذهبية امرا في غاية الخطورة , ولكن تجده الارادة الدولية امرا مقبولا لأنه الحجر الاساس في تهديم المنطقة وتفتيتها ووقود حرب المائة عام .
حرب مفتوحة
يدخل العراق مرحلة الاستنزاف النهائي والتفتيت المتوقع على اثر انهيار العملية السياسية البائسة ومنظومتها الأمنية الطائفية في 10 -6 , لتخلق واقع فوضوي جديد يتقاسم ادواره لاعبون جدد تختلف وجاهاتهم ونواياهم وتطلعاتهم بين دول الكبار الساعية لإدامة سوق الحرب والمحرقة البشرية والحرب المذهبية الاقليمية , ومنظومات مخابراتية اقليمية تمددت لتصل الى تخوم المتوسط مع قطعاتها النخبوية للقتل الطائفي بحجة الدفاع عن الاضرحة لتنقل الحرب والأزمات من ارضيها الى مسارح حرب منتخبة في جوارها الاقليمي , الذي تعده الارض الحيوية لمشروعها الاستراتيجي , ناهيك عن تنظيمات اسلامية تعلن خلافتها في ظل الفراغ السياسي والوطني وغياب منظومة الدولة والعدل والمساواة لعقد كامل , وكذلك عشائر ثائرة حائرة تدير معركتها وتتمسك بمطالبها المشروعة تحت نيران القصف الحكومي والتهميش الدولي , اضافة الى أحزاب انتهازية باحثة عن دور , وأمراء حرب مرتزقة يبحثون عن سوق حرب ملتهبة , وسياسيون متمسكون بعقد من الفشل والنهب والطائفية يلهثون خلف منافعهم الشخصية ليشكلوا حكومة بؤس لأربع سنوات اخرى حسب طلب الراعي الرسمي للحرب والسياسة في العراق , جميع هؤلاء الفاعلين في حالة صدام مستمر اليوم ويدخلون في حرب مفتوحة من الصعب التكهن بنتائجها , انه المشهد المتهالك لدولة كان اسمها العراق فككتها اميركا وإعادة صياغتها كدولة مكونات وطوائف وأعراق تمهيدا لتقسيمها الى دويلات متناحرة متحاربة تؤمن سوق الحرب لعشرات السنين .
يبقى السؤال لمصلحة من توسيع حرب الابادة الطائفية من العراق الى سوريا الى لبنان وبالعكس ؟ وما هي الرقع المحتملة للانفجار ؟ وما هو دور المنظمات الدولية المعنية بإنهاء النزاعات والصراعات وهي تمارس دور الحطاب لمرجل الحرب ؟ , وما هو دور العقلاء والمفكرين والساسة والأنظمة في انهاء هذه الحرب المذهبية ؟ التي هدمت نسيج مجتمعات دول عربية محورية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت , وكلنا نعلم من يذكيها بالوقود العربي ! ولا من رادع صلب او ناعم سواء كان قانوني او فكري او دولي لهذه الاصولية الطائفية التي اوجد عناصرها ومفاعيلها الغزو الاميركي للعراق والتي اضحت تقود لحروب مجنونة تنتهي بالفناء البشري .
* رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية
السبت، 12 تموز، 2014
711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع