محمود الوندي
الكتابة هي فن وعلم وثقافة في آن واحد فالقارئ اللبيب بامكانه تمييزاسلوب اي كاتب عندما يكتب حول قضية ما . وملاحظته لهنات الكاتب عند وقوعه في مطبات كثيرة ، وعندما يفتقد الكاتب في بحثه الدقة وابتعاده عن الموضوعية والنزاهة في ما كَتبْ وعدم نجاحه في رؤيته التحليلية.
ويزداد الأمر سوءاً حين يكون أسلوبه تلك مليئ بالاكاذيب والمغالطة من خلال تحامله الاعمى على الطرف الآخر ، وأساءته لبعض الوجوه الوطنية الذين لهم باع طويل في مسيرتهم النضالية . واستعجاله في توجية التهم اليهم والنيل من مواقفهم الوطنية المشرّفة . بطريقة خبيثة وتلفيق الكلام دون اي اساس حقيقي . هدفه هو مجرد الدفاع الاعمى عن الطرف المستفيد منه ، اللجوء الى مدح سيده والتغني بمسيرته الفاشلة ومثل هذا الكاتب لا يتصف باقل شعور وطني بمسؤليته المهنية . فينبغي على الكاتب ان يدرس الاسباب ومن ثم النتائج بعيدا عن المشاعر العاطفية والتحيز لجهة ما ، لكي يأتي تقييمه اكثر واقعية واعمق رصانة .
لهذا وفي اعتقادي ان اي تحليل يهمل جانبا من هذه الجوانب الأساسية في معرفة الأسباب والعوامل الفاعلة والمؤثرة ، سيكون تحليلا ناقصا وغير منتج ، ومع الأسف فان البعض من الكتاب نجدهم غير مدركين بخفايا عالم لسياسة بشكل عام ، وكما هو معروف فان كل فنون من الفنون له قواعده وسلوكياته الخاصه به . الكثير منهم وجدوا ارضية خصبة في ظل المُستجدات السياسية وراحوا يقذفون القوميات المتآخية الأخرى في العراق بنار حقدهم الدفين وبشررالضغينة واستخدامهم للعبارات المشينة والمُستهجنة لغرض الإيقاع بين المكونات العراقية ومن تحقيق بعض اهدافهم الدنيئة بغية الوصول الى غاياتهم القذرة .
ومن نافلة القول ان المجتمع العالمي وبقيادة امريكا ساهم في إسقاط نظام وبشكل مباشر باعتباره كان نظاما شمولياً ، واقام مكانه نظاماً ديمقراطياً يحترم ارادة الشعب ويؤمن بالتعددية وباعتبار الديمقراطية هي الآلية الحضارية المناسبة في حل الصراعات والخلافات بين الجهات السياسية المتصارعة عن طريق الحوار البنّاء واعتماد الوسائل السلمية في حل النزاعات بين الاطراف المتخاصمة .
لقد شاهدنا في بداية تغيير النظام في العراق ، كيف تشكلت حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية والتي ( تبكي عليها بعض الواعظين باسم الديمقراطية ) ، واتفاقهم على النظام التوافقي بحجة مراعات و إنصاف كافة المكونات . فقد تحوّلت التوافقية تلك بعد مدة قصيرة الى كانتونات مستقلة مجموعة في عقد زواج قسري مهدد بالطلاق مع بروز ادنى خلاف او سوء اتفاق . فاصبحت الحكومة بعيدة كل البعد عن الديمقراطية لانها ضمت منذ البداية عناصر لا تؤمن اصلا بالديمقراطية ، وهم من استخدموا الإرهاب كطريقة في نشر الرعب بين الناس الآمنيين ، السعي في شراء الأقلام المأجورة لغرض لتشويه صورة الديمقراطية الناصعة ، وافراغها من دورها التاريخي كوسيلة للتقدم والتنوير ، الامر الذي قلل من فرص قيام الديمقراطية الحقيقية القائمة على مبدأ حرية الرأي واحترام الرأي الآخر ، فالديمقراطية حسب تصورهم القاصر لاتعني سوى الانتقاص من الأحزاب الاخرى المخالفة لطروحاتهم الحزبية .
فالصورة العراقية الحالية تؤكد تماما أن العداء السياسي الذي يخيم علی البلاد اليوم من تلفيق التهم الى الطرف الآخر . ليست الا من اجل تصعيد الصراع بين مكونات الشعب العراقي ، وتسخير كل طرف من الاخوة الاعداء في النيل من مكانة الآخر عبر صحفهم الحزبية وقنواتهم الإعلامية . والمشكلة الرئيسية لدی تلك الأحزاب السياسية المتنفذة هي من تطالب اليوم بالتغيير والعمل بالدستور والاحتكام الى القانون لمكافحة الفساد المستشري في اجهزة الدولة . استغلال السلطة باسم الاكثرية او الديمقراطية .
المشكلة الحقيقية ان الحزب السياسي المتنفذ التي ورث الحكم من حقبة البعث لا يمتلك اية رؤية سياسية او برنامج عمل وطني في حل النزاعات القومية او الطائفية ، فلم يقدم خلال السنين العشر الاخيرة من حكمه اي مشروع انساني لحل مشكلة قومية واحدة في العراق ، والسبب يعود في نظري وبشكل عام الى افتقار الحزب السياسي الحاكم وقيادته إلی الرؤية الصائبة وعدم نضوج تجربتهم السياسية ، لذا جعلوا من البلاد ساحة للصراع بينهم وبين الاطراف الاخرى وحتى مع بني جلدتهم . وان القابضين على السلطة لم يستطيعوا من تقديم أبسط الخدمات للشعب وعدم حل مشاكلهم المتعصية ، وليس لهم سبب مقنع في تلكئهم في تقديم الخدمات الضرورية سوى رميّ اللوم على الاخرين وتعليق فشلهم على شماعة الأطراف الأخرى في الساحة السياسية .
فالشعب العراقي على قناعة تامة بأن الديمقراطية لايمكنها ان تجد لها طريقا في العراق مالم تتغيّر الحكومة باكملها ، وأن يؤمن كل من يتحمل مسؤولية السلطة في العراق بحقوق القوميات والاديان والمذاهب الأخرى بعيدا عن شراء ذمم الواعظين وتقوية اجهزتهه الامنية لحماية سلطتها الفاشلة ، وعليه ان يبادر الحكم القادم إلى تطبيق المساواة بين مكوناته وذلك عن طريق تحقيق مبدأ تكافئ الفرص و إلغاء الفوارق الطبقية أو الاجتماعية بين الناس ، ونشر العدالة الاجتماعية ، واطلاق الحريات العامة وعدم تقييد الاعلام والصحافة . واحترام آراء الآخرين ووجهات نظرهم مع عدم الحط من شأنهم .
1224 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع