حظ أمحيسن ! الحلقة اللسادسة والعشرين

                                           

    

حظ أمحيسن!مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في 9 / نيسان2003
   
           

                       الحلقة السادسة والعشرين

تقمص "أمحيسن" شـخصية السندباد البحري, وصار يتنقل بين الدول وفق اللحظة التي هو فيها, فتارة يتوجه الى كمبوديا يمكث فيها بضعة أيام, وتارة أخرى يطير الى كوالالمبور, وما أن يـســتقر حتى يقرر مغادرتها,..

ويختارعمان كمقر لأقامته الجديد,وصارهو والقلق وجهان لعملة واحدة !, وبدأ حظه يتعثر من جديد, ولم يسـتطع أخذ أي قراريبعده عن حظه" المنيل"!
ومرت الأيام ,.. ودارت الأيام, وفجأة بان الفرج بعد أن ضاقت وأستحكمت حلقاتها,.. ففي نهاية الأسبوع قرأ في الصحف المحلية خبراً عن وصول لجنة من ليبيا للتعاقد مع اساتذة للعمل في جامعاتها,.. وعلى الفور,.. قدم كافة الوثائق العلمية إلى اللجنة, وكان رئيسها أحد طلبتة في السبعينيات عندما كان أستاذاً في جامعة طرابلس , وهكذا تم كل شيء بسهولة وراح "أمحيسن" يعد نفسه للهجرة الثالثة إلى ليبيا, مُـسـتبعداً فكرة العودة للوطن , بسبب أزدياد الوضع الأمني والأقتصادي تدهوراً, حيث صار راتب الدكتورالجامعي لا يتجاوز العشرة دولارات !, وأجار بيته الذي أجره بـ 11 ألف دينار في صيف 1992,.. يوم أن كان الدينار = 3.3 $ ,دولار, صارت قيمة  الأجارلا تتجاوز( الأربعة $ دولارات).. حيث بلغ سعر الدولارالواحد  حوالي 3 آلاف دينار!

                

حجز "أمحيسن"على الطائرة المتوجهة الى طرابلس الغرب في (نيسـان) أبريل 2002,ولم يجد "أمحيسن" وجوه الرفاق ممن خدم بمعيتهم في السبعينيات والتسعينيات ,.. فقد غادر معظمهم أرض الجماهيرية الشعبية الأشتراكية العظمى ,..بعد أنحراف نظام معمر أبو منيار القذافي عن نهج ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة  عام 1969 ,.ووضع الأشخاص غير المناسبين  في الأماكن المناسبة !
وما أن حلت عطلة نهاية العام وحصل على تمديد للعمل في جامعة الفاتح لسنة دراسية أخرى,.. حتى راح  يجهز الوثائق اللازمة للخروج والعودة الى ليبيا ,(من باب الأحتياط), وعمل وكالة لزميل له كي يستلم رواتبه,.. وغادر طرابلس جواً الى تونس العاصمة.

                                  

على أية حال,  فقد ألتزم  "أمحيسن"  بالوفاء للمجتمع الليبي, ولم يَعر أهمية للمتاعب التي يعاني منها أغلبية الشعب الليبي , والتي عاش بكنفها وعائلته أكثر من 16 عاماً , وفق المثل العراقي : أشجابك على المر غير الأمر منه !
  تجنب "أمحيسن" التعليق عن كل ما يسيئ للشعب الليبي , بسبب تصرف طائش من أحد الأشخاص , لأن الشجرة المثمرة قد تحتوي على غصن او ورقة يابسة, وأضافة الى ذلك كما ورد في المثل المصري: مافيش حَـد أحسن من حَـد !
فبعد سقوط النظام الملكي في ليبيا , تدفق مآت الآلاف من المهاجرين من كافة الدول الأسلامية والأفريقية والعربية, وتغلغلوا في وسط الشعب الليبي مزاولين كافة المهن التي يعتبرها الليبي في عهد القذافي  مهينة, فهو الآن بن ثورة الفاتح,.. التي وعدته بعهد زاهر ورفاهية لا نظير لها, فلذا صار غالبية الرجال يستخدمون هذه العمالة ليتنعموا بحياة الكسل والتسكع في الشوارع والمقاهي , ولعب الورق او تحضير الشاي (الشاهي), بطريقتهم الخاصة!  

                        

نزل "أمحيسن" في فندق صلامبو الشهير والقريب من مقهى باريس المطلة على شارع أبو رقيبه ,.. مؤسس الجمهورية التونسية الحديثة في منتصف الخمسينيات ,..والذي يعتبر من أرقى شوارع تونس العاصمة والذي يمتاز بالمقاهي والمطاعم الراقية, وبعد يومين أتصل "أمحيسن" بزميله الدكتور التونسي ,..وبعد المجاملات سأله عن أمكانية أعادة تعيينه من دون جعل اللغة الفرنسية عائقاً,.. فضحك الزميل قالاً :  آني توَه العميد,..هيا تعال لصفاقس فوراً,..
ولم يصدق "أمحيسن " ما سمعه,..وبعد دقائق وثق من كلام صديقه,.. وقرر التوجه الى تونس في القطار السريع !
أتصل "أمحيسن"  بزميله في ليبيا ليعرف مصير رواتبه,..فقيل له الرواتب وضعت في حسابه,.. ألا أن رسالة وصلت له مفادها  ألغاء عقده الذي وقعه في عمان للعمل لفترة سنتين,.. فضحك "أمحيسن" ,.. وقال أن هذا الخبر جعلني في غاية النشوة والسعادة , كما يقول المثل : (طلعت منك يا جامع),.. ثم شرح "أمحيسن" قصده,.فغمرته الفرحة !
في صبلح اليوم التالي توجه "أمحيسن" الى صفاقس بالقطار السريع,..وما وطأت قدماه أرض المحطة حتى راح يهرول بأتجاه موقف التاكسي , .. وأخيراً وصل مبنى كلية العلوم بصفاقس , وتوجه نحو غرفة العميد ,..وعلى الفور سمحت له السكرتيرة بالدخول,..وتعانق مع زميله التونسي الذي أصبح هو العميد ,..وبعد المجاملات, أمر العميد سكرتيرته بأرسال كتاب بطلب حاجة لتعيين الدكتور "أمحيسن" كأستاذ زائر لتدريس الكيمياء المتقدمة لطلبة الماجستر ,..حيث أصدرت وزارة التربية تعميماً بتعريب تدريس الكيمياء في الثانويات, كما سـُلمَ كتاب الى دائرة الهجرة والجوازات لعمل أقامة له.  
كان العميد في غاية السرور بلقاء "أمحيسن", وفي نهاية الدوام الرسمي أقترح عليه توصيله الى (فندق الأقواس), حيث يعمل تخفيضات لكل زوار جامعة صفاقس ,..وهكذا عادت البهجة لأيام مضت في هذا الفندق ,..وفي المساء راح يتسكع في وسط المدينة,وأنهى ليلته وحيداً,أي " يابسـه وتمن!",.. وبعد ايام , رغب بأسـتخدام الكمبيوتر وتوجه الى " قاعة الكمبيوتر",

               
 
              الأســتاذة ميراج / نموذج لأمرأة تونسية

ثم عرج نحو اقرب  جهاز شـاغر. وكانت بقربه, امرأة وسيمة ,لا يتجاوز عمرها العقد الرابع  وقبل ان يهم بالجلوس,..حياها , بتحية الصباح ,.. ورًدت  بأحسـن منها, .. وسألها عن امكانية اسـتخدام الجهاز الذي بجنبها, بسبب وجود بعض الكتب بالقرب منه, فوافقت ,..  وازاحت تلك الكتب جانباً, وأشارت أليه بالجلوس من غير كلام !  
 شـكرها "أمحيسن" وبعفوية تامه, تمعن في وجهها , وشـعر بأحسـاس خفي نحوها,.. ومن ثم  ســـحب المقعد قليلاً,  وتهاوى فيه, متعوذاً من الشـيطان الذي اجج فيه  العواطف بعد سباتها ,  وبسـرعة هيمن على عواطفه, و راح يتطلع تارة في الجهاز, وتارة  نحوها,..  فتذكر الجمال الفطري لحبيبة الصبا جميلة,..عندما ترد عليه تحية الصباح برمشة عينها ,..وقال فيها قصيدة:
ياسلام العين ياأحلى كلام = رد لي عمري بنظرة منك لو سلام
وبخ "أمحيسن" نفسـه على هذا  التقوقع في شـرنقة الحياء, وسـرح مع احلام اليقظة , ثم رغب بالتعرف بها, ونســى كونه اسـتاذ جامعي ,عليه ان يتحلى بالمثِل ليكون قدوة للطلبة !,..
وبعد لحظات من تفكير كاد ان  يشـــل ذهنه,.. تفتقت عبقريته  عن ســؤال سـاذج , كسـر به حاجز الصـمت الرهيب,... وتلعثم بالنطق وقل لها :
 عفواً, أستاذة , انني لا اجيد الفرنسـية, فهل تساعديني على تشـغيل جهاز الكمبيوتر!, فوافقت على طلبه وسـحبت مقعدها وألتصـق بمقعده , وشـمرت عن شـعرها المسـترسل على وجهها  بخفة ودلال,..وبدأت بالشـرح, وتعجب" أمحيسن "  من قدرتها في تشـغيل الجهاز, وسلمته له,.. ثم طرح عليها سـؤالاً ليـس له اي معنى, وقال لها : " هل انتي أستاذة هنا ؟ فقالت : كلا!
ثم طرح استفساراً آخراً في منتهى الغباء : " وهل سـبق وان التقيت معك ؟!
تجهم وجهها, وابتسـمت بحياء, وقالت, لا,.. لم يحصـل لي الشـرف, هذه اول مرة ارى سـيادتكم هنا, ..ثم ركزت نظراتها نحوه وقالت: شــكون انتي ( اي من اي بلد انت؟) !
قدم "أمحيسن"لها نفســه بأيجاز,.. وبادرت هي بتقديم نفسـها, وتبادلا شـتى الأسـتفسـارات, وحدثته عن نشـاطها العلمي, فهي مدرسة حاصلة على درجة الماجسـتير , و تحضـر لنيل  الدكتوراه, بأشـراف  الدكتور " فلان ",.. وأستمرت تتحدث عن صعوبة العثور على المصادر فتعهد لها "أمحيسن" بالمسـاعدة في مجال البحث وفي الخصـوص في انتقاء المصـادر باللغة  الأنكليزية التي يجيدها,.. وقيًمت موقفه, ثم دخلا في الأمور العلمية, او قل في الأمور الأكادمية  بالرغم من كل الظواهرالتي تنم عن الرغبة لتغييرالحديث الى ما يدور في ذهن كل منهما !  
سـرح "أمحيسن"  مع احلام اليقظة, بعد ان وجد نفسـه وجهاً لوجه امام ملاك مكللا بهالة من الأشـعاع  اللامرئي,.. وصوتها نغم عذب المناداة رقيق ! ,..وبعد أن أنجز عمله,..أراد أن يوطد علاقته معها فأقترح عليها تغيير المكان لشـرب قهوة الصـباح,.. ووافقت , شـرط ان يتم الجلوس في مقهى داخل حرم الجامعة, ولم يمانع "أمحيسن", وسِـار وفق رغبتها, وتوجها نحو مقهى الكلية سـائرة بجانبه بشموخ المرأة التونسية !
لم تسـمح الأستاذة لـ"أمحيسن" بدفع ثمن القهوة, وكان "النادل",..  في حيرة, ثم ادرك من لهجته  انه ضـيف, وقال له : " سـيادتكم ضـيفنا",..لذا  فالمشروب على حسـابي !
شـكر "أمحيسن" موقف النادل , كما انها ثمنت موقف ذلك الشـاب  وقالت له "يعيشًــك " !
وعلى أية حال,..تناولا  فناجين القهوة, وتوجها نحو مكان شـاغر, ليكملا فيه ما يختلج في خاطرهما  من احاديث يبغي كلا منهما ايصـالها للآخر,.. ووجدا المكان, وعادا للحديث من حيث انتهيا, وتناولا شـتى المواضـيع, وانتزعت منه كل ما كانت ترغب بمعرفته, ولم يبخل "أمحيسن" في الأجابة بكل صـدق وصـراحة, عن كل ما سألته !
للراغبين الأطلاع على الحلقة السادسة والعشرين

http://www.algardenia.com/maqalat/10435-2014-05-16-10-34-46.html

يتبع في الحلقة 27

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

754 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع