الشهاب الحسني البغدادي
أبو تمام وعروبة اليوم
أَلاَ تَـرَى يَـا أَبَـا تَمَّـامَ بَارِقَـنَـا
إِنَّ السَّمَـاءَ تُرَجَّـى حِيـنَ تُحْتَجَـبُ
هل من أمل وتفاؤل بمستقبل يخلصنا من الشقاء، الذي تمرنا عليه منذ عقد من الزمن ً، وأصبحنا قادراين على إنتاجه باستمرار، وأخذت أجسادنا تسيل خراباً. يقيناً أصبحنا نعلم جيداً أين نقف اليوم، وأي مسافة تفصلنا عن حلمنا الجميل، وأملنا في عيش كريم.
النظام الفاسد الذي تسيره ثلة من العصابات الطائفية ، ،أضحوا يتحسسون مواقع أخرى، غير تلك التي جثموا عليها طويلاً تحت دعاوى باطلة.
فرجال الولي الفقيه من حملة الجنسية العراقية هم الذين يتحكمون بموازين و إدارة الأمور في عراق اليوم الذي تحول لعراق العجم بعد أن أضحت إيران هي المهيمنة على القرار المرجعي في العراق.
لأنهم جبناء حقيقيون، وغير جديرين بشعبهم، ولانهم بفضل الدول الكبرى، التي مارست صمتها الطويل عما يفعلون في شعبهم وبلدهم. فأي حكمة كانت للغرب المتحضر في أن يتجاهل، مع سبق الإصرار، التنكيل ومصادرة الحريات ؟
لا يواجه الاحرار في بلدي نظاماً فاسداً فحسب، تمرن على الخداع وتربية الأوهام ومصادرة انسانية الانسان، إنما احزاب ومليشيات عدة، قادمة من وراء الحدودـ تنشر الرعب والاجرام والهمجية.
فالميليشيات الطائفية من مختلف الأنواع و الأشكال مسلحة بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، كما إن (الشيطان الاكبر) لم يقصربدوره في مد ميليشيات الحكومة الطائفية بمختلف أنواع الأسلحة و التي تم تجريبها مؤخرا في قتال الأنبار و الفلوجة، فضلا عن تدفق المقاتلين الإيرانيين من حرس الثورة أو من العصابات الطائفية العراقية التابعة لها و التي هي حصيلة عمل إيراني رسمي مبرمج إمتد لثلاثين عاما من الزمان تمكن النظام الإيراني بعده من إحتواء العراق بالكامل و تحويله لملحقية بائسة تابعة لدولة المقر للولي الفقيه!
فبعد إحدى عشر عاما من سقوط النظام السابق تحول العراق تدريجيا ليغادر للأسف هويته العربية بفضل الخبث و التخطيط الإيراني المعروف و التخبط العربي المثير للسخرية، و تراجعت كل القوى الحضارية و التقدمية العراقية أمام سطوة إرهاب رجال الولي الإيراني الفقيه..
كان علينا أن نتوقع أن الايرانيين قادمون. لم يكن أحد من العرب ليصدق تلك المقولة، بالرغم من أن تاريخهم الخاص كان مليء بالمؤامرات الفارسية. ربما لأن العرب صدقوا أن العالم قد انتقل إلى حقبة ما بعد الاستعمار أو لأنهم كانوا أقل عنصرية في النظر إلى سواهم.
لا يزال العرب، حتى أكثرهم دهاء في السياسة، أبرياء في مواجهة الخبث الايراني. و في عراق العجم اليوم تكمن كل معالم الخبث التاريخي.. فتنبهوا و أستفبقوا أيها العرب.....!
يقول نتشه: يكون الحماس والوعي خصمين غير ما مرة، ذلك أن الحماس يريد أن يجني ثمار الشجرة قبل نضوجها، بينما الوعي يدعها على الشجرة طويلاً إلى أن تسقط وتنسحق».
يجدر بنا كعراقيين مخلصين لهذا الوطن تأمل ما يجري وما سيلي بعد انتخابات يوم 30 من نيسان بوعي وتوجس.
وفي لحظة تصورنا أن العراق قبل عام 2003 كان قد أعاد لنا الروح، بيد أننا ما لبثنا سريعاً أن شعرنا أن كل ذلك مجرد أوهام كبيرة، وأن علينا الان أن ننتفض و نجابه قوى الظلام والفكر المتخلف، لنخرج إلى سطوع الواقع وبهجة الحياة.
ان حصول رئيس الوزراء الحالي على ولاية جديدة سيدفع البلاد إلى الهاوية، وأن ولايته الثالثة ستكون بمثابة "المسمار الأخير في نعش العراق".
القصيدة والشاعر
في كانون الأول من عام 1971 أقيم في الموصل المهرجان العربي الكبير مهرجان أبي تمام الشعري، حضره شاعر يمني اسمه ( عبدالله البردوني) وهو مجهول وكفيف ورث الملابس فأهملوه... و في الأمسية الشعرية الأولى التي أقيمت على قاعة الإدارة المحلية (الربيع) تلا مقدم الحفل اسمَ الشاعر عبد الله البردوني ودعاه للإلقاء، فنهض وسار بهدوء وهو يمسك بالرجل الذي يقوده، وصعد إلى المنبر وهو يمسح أنفَه بِكُمِّ معطفِه، مما أثار بعضا من اللغط والدهشة في القاعة التي كانت تغصُّ بجمهور من الشعراء والادباء والفنانين منهم: (بلند الحيدري، الشاعر نزار قباني، عبد الوهاب البياتي، خليل الخوري، رشدي العامل، وليد العبدلي، سالم الخباز، نجمان ياسين، معد الجبوري)
وتنحنحَ البردوني ثم بدأ يقرأ قصيدته (أبو تمام وعروبة اليوم) بصوت أخَّاذ جميل، وبأداء أبقى على نطق (القاف) كما تُنطق في شمال اليمن، وألقى قصيدته الشهيرة العصماء التي وجهها الي الشاعر الموصلي العباسي الشهير ابو تمام الطائي ، وقد نظمها علي منوال قصيدة ابو تمام الشهيرة : " السيف اصدق انباء من الكتب " ..
وقد أحدث البردوني في قصيدته هذه ضجة كبري نظرا لقوتها وهيبتها ، وقد وصل فيها الي قمة الابداع، فألهبت كفوف الحاضرين بالتصفيق ، فجعلته القصيدة شاعرا مشهورا منذ تلك اللحظة التاريخية الفاصلة . وفاز هذا الشاعر الذي كان مغموراً بالجائزة الاولي للمهرجان ..
توفي البردوني رحمه الله في اليمن يوم الاثنين الموافق 30 آب / اغسطس 1999 وكانت ولادته عام 1929.
ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَـذِبُ
وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْـدُقِ الغَضَـبُ
وَأَقْبَـحَ النَّصْرِ..نَصْـرُ الأَقْوِيَـاءِ بِـلاَ
فَهْمٍ. سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُـوا
أَدْهَى مِنَ الجَهْـلِ عِلْـمٌ يَطْمَئِـنُّ إِلَـى
أَنْصَـافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْـمِ وَاغْتَصَبُـوا
قَالُوا: هُمُ البَشَرُ الأَرْقَـى وَمَـا أَكَلُـوا
شَيْئَاً .. كَمَا أَكَلُـوا الإنْسَـانَ أَوْ شَرِبُـوا
* * * * *
مَاذَا جَرَى.. يَـا أَبَـا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِـي؟
عَفْوَاً سَـأَرْوِي .. وَلا تَسْأَلْ .. وَمَا السَّبَبُ
يَدْمَـى السُّـؤَالُ حَيَـاءً حِيـنَ نَسْأَلُـُه
كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى «بغداد» وِ «والعربُ»
مَنْ ذَا يُلَبِّـي ؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ ؟
كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ « الأَفْشِينَ » مَـا صُلِبُـوا
اليَوْمَ عَـادَتْ عُلُـوجُ «الـرُّومِ» فَاتِحَـةً
وَمَوْطِـنُ العَرَبِ المَسْلُـوبُ وَالسَّلَـبُ
مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَـا كَالرِّجَـالِ وَلَـمْ
نَصْدُقْ.. وَقَدْ صَـدَقَ التَّنْجِيـمُ وَالكُتُـبُ
وَقَاتَلَـتْ دُونَنَـا الأَبْــوَاقُ صَـامِـدَةً
أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُـوا... ثَـمَّ أَوْ هَرَبُـوا
حُكَّامُنَا إِنْ تَصَـدّوا لِلْحِمَـى اقْتَحَمُـوا
وَإِنْ تَصَدَّى لَـهُ المُسْتَعْمِـرُ انْسَحَبُـوا
هُمْ يَفْرُشـُونَ لِجَيْـشِ الغَـزْوِ أَعْيُنَهُـمْ
وَيَدَّعُـونَ وُثُـوبَـاً قَـبْـلَ أَنْ يَثِـبُـوا
الحَاكِمُونَ و«وَاشُنْـطُـنْ» حُكُومَتُـهُـمْ
وَاللامِعُـونَ .. وَمَـا شَعَّـوا وَلا غَرَبُـوا
القَاتِلُـونَ نُبُـوغَ الشَّـعْـبِ تَرْضِـيَـةً
لِلْمُعْتَدِيـنَ وَمَـا أَجْدَتْـهُـمُ الـقُـرَبُ
لَهُمْ شُمُـوخُ «المُثَنَّـى» ظَاهِـرَاً وَلَهُـمْ
هَـوَىً إِلَـى «بَابَـك الخَرْمِـيّ» يُنْتَسَـبُ
مَاذَا تَرَى يَا «أَبَـا تَمَّـامَ» هَـلْ كَذَبَـتْ
أَحْسَابُنَـا؟ أَوْ تَنَاسَـى عِرْقَـهُ الذَّهَـبُ؟
عُرُوبَـةُ اليَـوَمِ أُخْـرَى لا يَنِـمُّ عَلَـى
وُجُودِهَـا اسْـمٌ وَلا لَـوْنٌ وَلا لَـقَـبُ
تِسْعُونَ أَلْفَـاً « لِعَمُّـورِيَّـة َ» اتَّـقَـدُوا
وَلِلْمُنَجِّـمِ قَـالُـوا: إِنَّـنَـا الشُّـهُـبُ
قِيلَ: انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَـا انْتَظَـرُوا
نُضْـجَ العَنَاقِيـدِ لَكِـنْ قَبْلَهَـا الْتَهَبُـوا
تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِـي نَـارَ نَخْوَتِهَـا
إِذَا امْتَطَاهَـا إِلَـى أَسْـيَـادِهِ الـذَّنَـبُ
«حَبِيبُ» وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَـاءَ يَحْمِلُنِـي
نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِـي يَلْهَـثُ العَـرَبُ
مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ بغدادَ يَـا أَبَتِـي ؟
مَلِيحَـةٌ عَاشِقَاهَـا : السِّـلُّ وَالـجَـرَبُ
مَاتَـتْ بِصُنْـدُوقِ «وَضَّاحٍ» بِـلاَ ثَمَـنٍ
وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْـقُ وَالطَّـرَبُ
كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْـحَ البَعْـثِ فَانْبَعَثَـتْ
فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَـتْ تَغْفُـو وَتَرْتَقِـبُ
لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْـلِ الغَيْـثِ مَـا بَرِحَـتْ
حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا «قَحْطَـانُ» أَوْ «كَرَبُ»
طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ « الموصِلِ » انْطَفَأَتْ
فِيـكَ الأَمَانِـي وَلَـمْ يَشْبَـعْ لَهَـا أَرَبُ
لَكِـنَّ مَـوْتَ المُجِيـدِ الفَـذِّ يَـبْـدَأه
وِلادَةً مِـنْ صِبَاهَـا تَرْضَـعُ الحِقَـبُ
* * * * *
«حَبِيبُ» مَـا زَالَ فِـي عَيْنَيْـكَ أَسْئِلَـةً
تَبْـدُو... وَتَنْسَـى حِكَايَاهَـا فَتَنْتَـقِـبُ
وَمَا تَـزَالُ بِحَلْقِـي أَلْــفُ مُبْكِـيَـةٍ
مِنْ رُهْبـَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِـي وَتَضْطَـرِبُ
يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا
وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
سَحَائِـبُ الغَـزْوِ تَشْوِينَـا وَتَحْجِبُـنَـا
يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِـنْ إِرْعَادِنَـا السُّحُـبُ؟
أَلاَ تَـرَى يَـا أَبَـا تَمَّـامَ بَارِقَـنَـا
إِنَّ السَّمَـاءَ تُرَجَّـى حِيـنَ تُحْتَجَـبُ
3236 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع