رواية احتلال الكويت بين عبد الكريم قاسم والعميد الركن الحصونة
بعد انقلاب 14 تموز 1958 وتغيير نظام الحكم من ملكي دستوري إلى نظام جمهوري، لم يكن بمقدور الزعيم عبد الكريم قاسم حاكم العراق الجديد تجاهل حقائق التاريخ والجغرافية لتعود مسألة إعادة الكويت إلى العراق تظهر مرة أخرى رغم المعالجات البريطانية المتكررة.
في الأشهر الأولى بعد الانقلاب ابتعد النظام السياسي العراقي عن التقرّب من موضوع الكويت، لانشغاله في الشأن الداخلي، ولم يزد اهتمامه في هذا الجانب، على غير الترحيب بزيارة حاكم الكويت في حينه، الشيخ” عبد الله السالم الصباح” على رأس وفد شعبي ورسمي للعراق في تشرين الأول 1958، للتهنئة، ولجسّ نبض الحكام الجدد واستطلاع نياتهم تجاه الكويت، وتعميق أشكال التعاون، وفي هذه الزيارة أعيد طرح موضوع تزويد الكويت بمياه من شط العرب الذي سبق وأن طرحه نوري السعيد سابقاً على الكويت كحافز لها للانضمام إلى الاتحاد الهاشمي،(العراق ولأردن)، وفي الاجتماع مع الوفد قال لهم عبد الكريم قاسم: "الماء ماؤكم... فأطلبوا وعلينا التنفيذ" وأيده عبد السلام محمد عارف وكان حينها الرجل الثاني في قيادة العراق، الذي علق على قول قاسم قائلاً: "الشط ليس شط العراق...بل شط العرب". لكن الزعيم ــ قاسم ــ أفصح عن أول تطلعاته في هذا الموضوع في ما يخص تسمية منظمة الاقطار المصدرة للنفط ــ اوبك ــ حينما عقدت مؤتمرها التأسيسي في بغداد في ايلول 1960، وقتها أيقظ كل حواسه تنبهاً، في تأكيده على طلعت علي الشيباني أول وزير للتخطيط في العهد الجمهوري ووزير النفط وكالةً في حينه، ضرورة أن تكون المنظمة ” منظمة أقطار ” وليس ” منظمة دول ” وهذا واضح في تسميتها: "Organization of the Petroleum Exporting Countries …OPEC”
والسبب في ذلك، أن أحد الاعضاء المؤسسين للمنظمة كان الكويت، وبرغم اعتراضات قليلة من بعض الوفود، الاّ ان الاقتراح العراقي علي التسمية، هو الذي أخذ مكانه وشهرته في تسمية المنظمة وظل هكذا حتي الآن. علماً ان الحكومة العراقية استقبلت وفداً شعبياً كويتياً برئاسة الدكتور أحمد الخطيب السياسي الكويتي العروبي، بعد شهر من نجاح الانقلاب للتهنئة، وكان أمله أن تتسع رقعة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) لتشمل العراق، وتحدَّث بعض أعضائه في السر عن ضرورة وحدة الكويت والعراق كي ينضموا للوحدة المصرية - السورية التي ضمت في البداية السعودية واليمن، وقد وافق عبدالسلام عارف على ذلك المشروع وأضاف «ألّا مانع لديه من استخدام الجيش العراقي لتحقيقه» إلا أنَّ الزعيم عبدالكريم قاسم غير المؤمن آنذاك بالوحدة العربية اعترض وقال "إن من المبكر الحديث عن الوحدة والأخطار تحيط بالجمهورية الوليدة." لكن واقع الحال في قيادة العراق آنذاك، كانت لا تري الامنيات التي حملها الوفد نفسها، بالرغم من أهمية الكويت للعراق، والذي عبّر عنه الرجل الثاني في القيادة آنذاك عبد السلام محمد عارف.
عبد الكريم قاسم يستقبل أمير الكويت عبد الله السالم الصباح
في 19 حزيران 1961، تمهيداً لاستقلال الكويت وقيام كيانها السيادي وقعت بريطانيا والكويت معاهدة انهاء الاحتلال التي نظّمتها معاهدة الحماية التي وقعها شيخ الكويت آنذاك” مبارك الصباح” مع المقيم البريطاني في الخليج العربي (مالكوم جون ميد) عام 1899، وكانت معاهدة سرية تم التوقيع عليها بين الامبراطورية البريطانية ومشيخة الكويت في 23 يناير/ كانون الثاني 1899. بموجب الاتفاقية تعهدت بريطانيا بحماية وحدة أراضي الكويت مقابل تقييد وصول القوى الأجنبية إلى المشيخة وتنظيم شؤونها الداخلية. ، تلك المعاهدة الأبدية التي عقدت بين بريطانيا، صاحبة الشأن الكبير آنذاك في قضايا المنطقة، وبين حاكم انفصالي طموح، كانت منزلقاً خطراً سبب غموضاً في العلاقة القائمة بين التبعية الرسمية للكويت، كأحد أجزاء ولاية البصرة، وبين الترتيب البريطاني الذي أدرك الميزات الاستراتيجية والتجارية لإبقاء الكويت خارج السيطرة العراقية، خصوصاً ان رسائل ” مبارك الصباح ” للمقيم البريطاني في الخليج، لم تنقطع، وهي تحثه وتغريه علي المجيء للكويت لرؤية النفط المتدفق من خلال ” برقان “. وبرقان هذه هي سلسلة تلال تبعد 46 كيلومتر جنوب مدينة الكويت، وعلى بعد 22 كيلومتر من ساحل البحر الشرقي المطل على الخليج العربي. وفيها حفر أول بئر للنفط. اكتشف النفط فيها في 23 فبراير/ شباط 1938. وحقل برقان يعد ثاني أكبر حقل نفط بالعالم وصدرت أول شحنة نفط منه عام 1946 بعد الحرب العالمية الثانية.
ما حصل من وقائع جديدة، دفع الجو السياسي للمنطقة واللاعبين فيه، الي مواجهة، تعقدت فيها سبل الخروج على الجميع، وكان المبادر فيها، العراق، حينما بعث الزعيم عبد الكريم قاسم في العشرين من حزيران 1961، ببرقية الي شيخ الكويت، أشار فيها الي عائديه الكويت للعراق
وعدم شرعية أتفاق 1988 وهذا نصها:
» سيادة الأخ الجليل عبد الله السالم الصباح... علمت بسرور، بأن الانكليز اعترفوا في يوم 19/6/1961، بإلغاء الاتفاقية المزوّرة غير الشرعية وغير المعترف بها دولياً، والتي سمّوها اتفاقية 1899، بعد أن عقدوها بالباطل مع الشيخ مبارك الصباح قائمقام الكويت التابع لولاية البصرة، من دون علم أخوته في الكويت، ومن دون علم السلطات الشرعية في العراق آنذاك. وقد سبق للشيخ حمود، أن رفض التوقيع عليها أو تنفيذها، الأمر الذي اضطر الانكليز الي تهيئة شهود الزور من عملائهم للتصديق على توقيعها، وفعلاً فقد وقع البريطاني ويكهام هور، الرئيس في خدمة الطبابة الهندية مع العميل، الممثل البريطاني في البحرين، أغا محمد رحيم، بصفتهما شاهدين على صحة توقيع شيخ الكويت الجليل. فالحمد لله الذي وحده ينقذ العالم من التبعية والاستعماريين ومن جريمة الكفر بحق العرب في كل مكان، وحذار من دسائس الانكليز المستعمرين ومكائدهم، لتفرقة الصفوف داخل الوطن، وبين الاشقاء، ليضمنوا بقاءهم من وراء الستار يتلاعبون بمصالح العرب والمسلمين وبقاء سيطرة الاستعمار وأعوانه علينا. ونؤكد لكم، بأننا سنبقي ونحن أخواكم في الجمهورية العراقية الخالدة، لا تنطلي علينا خدعة الاستعمار، وسنظل نعمل بقوة وعزم لنصرة العرب والمسلمين، والنصر من عند الله. عبد الكريم قاسم «.
ولأن البرقية، لم تحو أية كلمة تهنئة لشيخ الكويت، بل أنها حملت اشكالات سياسية معقّدة، مما أثار ريبه الشيخ السالم وخوفه. حيث يلاحظ في البرقية، ان الزعيم عبد الكريم قاسم عدّ الكويت، إحدى الوحدات الادارية التابعة للواء البصرة. الأمر الذي يعني أن ما وقع عليه في 19 حزيران/يونيو 1961، غير محل اعتراف من الجانب العراقي. هذا الأمر وهذه الاشكالية غير المطروقة، دفعت شيخ الكويت، الي استشارة السير “وليام لوس” المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، الذي طمأنه بقدرة المملكة المتحدة، على ابداء المساعدة للكويت في حالة الحاجة اليها، على وفق (الفقرة د) من وثيقة انهاء الاحتلال والموقعة بين الطرفين في 19 حزيران 1961، والتي تنصّ على انه” ليس هناك في هذه الاتفاقية ما يؤثر في استعداد حكومة صاحبة الجلالة لمساعدة حكومة الكويت، إذا ما طلبت هذه الاخيرة مثل هذه المساعدة”. بعد ذلك تقدمت الكويت بطلب انضمام إلى جامعة الدول العربية في 23 يونيو/حزيران 1961، لكن القضية أخذت منحي متصاعداً، بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده عبد الكريم قاسم في 25 حزيران/يونيو، في مقره في وزارة الدفاع، وحضره مندوبو الصحف المحلية ومراسلو وكالات الأنباء والإذاعات والصحف العالمية، والذي أعلن فيه “ان الجمهورية العراقية، قررت حماية الشعب العراقي في الكويت، والمطالبة بالأراضي التي يسيطر عليها الاستعمار بصورة تعسفية والتي تخص العراق بوصفها جزءً من لواء البصرة.. وسنصدر على وفق ذلك مرسوماً نعيّن بموجبه شيخ الكويت، قائمقام للكويت، يكون مرتبطاً مع لواء البصرة… “وقال قاسم إنه يأمل بصرف النظر عن مكائد الاستعمار أن يتعاون "الشيخ المحترم" في إعادة القضاء إلى المحافظة باعتباره قائمقاماً شرعياً، ولم يهدد قاسم بالحرب في حالة رفض عروضه. إلا أن النبرة التي تخللت
إعلانه هذا فضلاً عن عدد من التلميحات الغامضة المتناقضة التي وردت في السياق لم تستبعد ذلك. واشار في مؤتمره الصحفي الى الأسس التي يستند اليها في دعوته تلك، كما أظهر بعض الوثائق التاريخية التي توضح ذلك حيث أشار إلى أن الكويت تابع تاريخياً للعراق، وان الكويت كان يحكمها في العهد العثماني قائمقام يخضع أدارياً لولاية البصرة التي هي جزء من العراق ولم تكن إقليماً واضح الحدود دولياً ولا يمكن التفريق بين اهالي الكويت والبصرة والزبير بحكم الصلات والتصاهر والاختلاط ، فضلًاً عن ذلك هناك روابط سياسية وقانونية بينهم، إذ لم تكن هناك جنسية كويتية بل أن الشيخ نفسه كان من الرعية العثمانية، وكان يجمع الضرائب والرسوم بأسم الحكومة العثمانية التي يتبعها، ومن جانب آخر حذر شيخ الكويت بتوجيه أشد العقوبات إليه إذا لم ينصاع إلى الأوامر التي صدرت إليه. وأيد راديو بغداد مزاج قاسم في اليوم ذاته واليوم الذي تلاه، بأن ملأ الجو بالموسيقى العسكرية.
أحدث ذلك المؤتمر الصحفي صدى عربياً واسعاً في مختلف بقاع الوطن العربي، حيث توالت التصريحات والبرقيات التي رفضت مطالبة عبد الكريم قاسم بضم دولة الكويت للعراق، وكان لتلك المساندة الدور الأساسي في مواجهة تداعيات الأزمة العراقية الكويتية من خلال مواقفها التي ايدت استقلال دولة الكويت والدفاع عنها، وكان في مقدمة تلك الدول المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) بزعامة جمال عبد الناصر.
بعد أن أعلن الزعيم عبد الكريم قاسم عائديه الكويت للعراق في مؤتمره الصحفي الذي عقده في 25 حزيران 1961، كان من الضروري ان ترافق ذلك الاعلان، خطوات ملموسة على الأرض، سواءً بالجهد السياسي والدبلوماسي، أو بالجهد العسكري، الاّ أن كليهما لم يحدث. وفي هذا الجانب، فهناك غموض وضبابية لأدوار بعض الاشخاص في تلك اللحظات، وما نعنيه بالأشخاص، هما: الزعيم عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، والعميد الركن” حميد حسين الحصونة” قائد الفرقة الأولي في الجيش العراقي، والمسؤولة ميدانياً عن قاطع العمليات العسكرية ــ ان حدثت ــ والتي تقع الكويت، ضمن رقعته الجغرافية.
عندما قُبل طلب الكويت لعضوية الجامعة العربية أمر عبد الكريم قاسم بقطع علاقة بلاده الدبلوماسية مع كل الدول العربية التي اعترفت باستقلال الكويت، ومنها لبنان وتونس والأردن. استثمر أمير الكويت هذا الإجماع العربي وطالب بإرسال قوات عربية لحماية بلاده، فكانت السعودية أول المستجيبين، وجاء على لسان الملك الراحل سعود بن عبد العزيز آل سعود: نحن معكم في السراء والضراء، وسنكون أوفياء فيما تعاهدنا عليه.
في 1 يوليو/تموز 1961، وصلت قوة عسكرية سعودية إلى الكويت مؤلفة من 100 مظلي و1200 جندي، تبعتها قوات من مصر والأردن والسودان، كما أرسلت بريطانيا تعزيزات عسكرية وصلت إلى خمسة آلاف جندي لحماية الكويت من عبد الكريم قاسم. أحتج قاسم ووزارة خارجيته عل دخول قوات أجنبية إلى الكويت. ولم يكف قط عن التأكيد بأن العراق سيستخدم الوسائل السلمية فحسب لإثبات مطلبه. وأنكر بكل شدة حصول تحركات عسكرية عراقية على مقربة من الحدود الكويتية. إلا أنه ظل يتمسك بدعواه في الكويت إلى آخر يوم من عمره. (العراق في عهد قاسم ــ أوريل دان ــ ص454).
في 6 تموز 1961 طلبت الكويت رسميا الانضمام كعضو دائم في الأمم المتحدة وفي اليوم نفسه تقدمت بريطانيا بمشروع قرار يدعو فيه مجلس الأمن جميع الدول إلى احترام استقلال الكويت وسلامة أراضيها بينما تقدمت الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) بمشروع قرار يحث المجلس على حل المسألة بالطرق السلمية ويدعو بريطانيا لسحب قواتها من الكويت على الفور وتم التصويت على المشروعين في 7 تموز 1961 ولم يعتمد المشروع البريطاني بسبب اعتراض الاتحاد السوفيتي كما لم يعتمد مشروع الجمهورية العربية لعدم حصوله على 7 أصوات (لأن المجلس كان يتألف من 11 عضواً والاكثرية المطلوبة لاعتماد القرار 7 أصوات).
عندما انفجرت الأزمة تداولت الألسن تعليلات منها أن قاسم لم يكن في نيته ضم الكويت في الواقع، بل كان ادعاؤه يستبطن غرضاً خفياً كرغبته في أن يزيد قوة في مجالات أخرى أو كان يريد ان ينازع الجمهورية العربية المتحدة وجمال عبد الناصر النفوذ في الكويت باستعراض للقوة. كان الجميع في عجلة من أمرهم، فلو نُفذَ أمر عبد الكريم قاسم باحتلال الكويت، فإن الجيش العراقي البالغ عدده حينذاك 60 ألف جندي يمكن أن يجتاح الكويت، التي يتراوح عدد جنودها في ذلك التاريخ بين ألفين وثلاثة آلاف جندي، الأمر الذي سيحدث فعلاً بعد أكثر من تسع وعشرين عاماً على هذا التاريخ.
السيد محسن الحكيم يستقبل العميد الركن حميد حسين الحصونة
تزعم بعض الأوساط أن الزعيم قاسم كلّف العميد الركن الحصونة تنفيذ احتلال الكويت، الا أنه تقاعس وتردّد، مما فوت الفرصة المناسبة قبل نزول القوات البريطانية. وهناك رواية أخرى تقول: "وضعت الفرقة الأولى في الجيش العراقي، المسؤولة عن الحدود مع الكويت، في حالة تأهب بانتظار أمر «الزحف والاحتلال»، وتحرك اللواء 14 مشاة من محافظة الناصرية باتجاه الحدود ومعه كتيبة دبابات من اللواء المدرع الرابع في بغداد. رفض قائد الفرقة العميد الركن حميد الحصونة فكرة الغزو العسكري، وحسب حسن العلوي فإن رفض الحصونة تنفيذ الأمر بسبب فتوى صدرت له من المرجع الديني السيد محسن الحكيم. (أسوار الطين ص 97). كما رفضها بشدة وزير الخارجية العراقي آنذاك هاشم جواد الذي تحدث مطولا مع قاسم في محاولة لإقناعه باتباع الحل السياسي والتقدم بشكوى قانونية أمام محكمة العدل الدولية." يضاف الي ذلك ان بريطانيا حذّرت العراق عن طريق الملحق العسكري في لندن، العميد الركن (عبد القادر فائق) وعن طريق القائم بالأعمال (ناثر العمري) وبالنص: "بلّغ زعيمك إذا حدث أي اعتداء على الكويت، فان احداث 1941 يمكن تكرارها"(إشارة إلى حركة الضباط الأربعة ورشيد عالي الكيلاني). بالنتيجة فشلت جهود عبد الكريم قاسم إعادة الكويت، ورغم إن الاتحاد السوفيتي أعاق انضمام الكويت للأمم المتحدة عام 1961 إلا أنه غير موقفه بعد الإطاحة بقاسم عام 1963 عندما تقدمت الكويت مرة أخرى بطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة في 20 نيسان 1963 بعد انقضاء أكثر من عام على الاستقرار على طول الحدود العراقية الكويتية وبعد انسحاب قوات الجامعة العربية التي جاءت إلى الكويت بعد مطالبة عبد الكريم قاسم بإعادة الكويت الى العراق، فعقد مجلس الأمن جلسة بتاريخ 7 أيار/مايو 1963 للنظر في طلب الكويت وحضر مندوب العراق الذي كرر موقف العراق أن الكويت جزء لا يتجزأ من أراضيه وطلب تأجيل النظر بطلب الكويت غير أن المجلس وافق بالإجماع على أن يوصي الجمعية العامة بقبول طلب الكويت وأيدت الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الرابعة تلك التوصية بالتزكية بتاريخ 14 أيار 1963 بموجب قرار الجمعية العامة رقم 1872 (د أ-4 ) لتصبح العضو رقم 111.
أرسل السفير البريطاني ملحقه العسكري - بعد أن فشل هو في مقابلة الزعيم او وزير خارجيته - لتبليغ الحكومة العراقية انذاراً بريطانياً: ان على العراق الا ينسى احداث سنة ١٩٤١، وان الانكليز جادون فيما يقولون، وأنها الحرب ٠٠٠ (خليل ابراهيم حسين، سقوط عبد الكريم قاسم، ص253 و254).
ولكي نحيط بأكبر قدر مما ذكر عن تلك الأزمة أي مطالبة الزعيم عبد الكريم قاسم بضم الكويت وعن عدم تنفيذ العميد الركن حميد الحصونة الأمر العسكري الصادر له باحتلال الكويت، نورد هنا ما كُتبَ عن هذه القضية:
ونبدأ بما جاء في مقدمة كتاب الدكتور حميد السعدون الموسوم (عناقيد النار – جدلية التأويل في السياسة العراقية) التي كتبها الدكتور عبد الحسين شعبان: "الجانب الآخر، وهو المتعلق بدور العميد – حميد الحصونة – قائد الفرقة الأولي. فقد اتضح لدينا، أن المراجع العسكرية العليا، لم تصدر أمراً عسكرياً له، ولغيره بالتنفيذ، لكن الرجل أدعي أنه امتنع عن تنفيذ الأمر الصادر اليه باحتلال الكويت، بعد ان استشار المرجع الديني في حينه السيد” محسن الحكيم” الذي أشار عليه بذلك. وتعليقنا على ذلك، أن مثل هذا الأمر صعب حدوثه، لابتعاد السيد – الحكيم – من التدخل المباشر في مثل هذه الأمور السياسية الحساسة، لاسيما بعد فتواه الشهيرة بتحريم الشيوعية واعتبارها كفراً والحاداً، بل وامتناعه، عن اللقاءات الشخصية مع ممثلي الدولة. فكيف حدث لقاؤه مع قائد فرقة عسكرية، تنتظر عودة قائدها، لتنفيذ واجب عسكري مهم، خاصة ان الوقت في مثل هذه الأمور، يحسب بالدقائق، فما ظنك بالساعات التي غابها القائد المعني عن ساحة عمله الرئيسية. يضاف الي ذلك، ان انضباطية الجيش العراقي، خصوصاً عند مستوي القيادات، عالية جداً، فكيف يجوز لقائد فرقة عسكرية، الامتناع عن تنفيذ أمر عسكري صادر عن مراجعه العليا، وهو يعرف عقوبات الامتناع عن التنفيذ. او كما يقول العقيد – محسن الرفيعي –” ان العميد الحصونة ما كان يجرؤ على مخالفة أمر الزعيم عبد الكريم قاسم، لو كان الأخير قد أصدر أمراً بالتنفيذ “. ويؤكد ذلك أحد السياسيين المؤثرين في حكومة الزعيم – قاسم – حين يصف ما أدعاه – الحصونة -، بانه ادعاء غير صادق.
ويضيف الدكتور شعبان: "اما ادعاء العميد – الحصونة – بالامتناع عن تنفيذ الأمر العسكري، فان ذلك القول، جاء بعد 8 شباط 1963، ليتعكز عليه في ابتزاز الكويتيين والحصول على مساعداتهم. وهذا ما حصل، فهو منذ خروجه من العراق عام 1969واستقراره في القاهرة، والحكومة الكويتية ومسؤولوها يغدقون عليه بإفراط، بحيث جعلوه بعيداً عن الحاجة حتى الي راتبه التقاعدي من الحكومة العراقية، هذا جانب، ومن جانب آخر، فأن الشهادات اللاحقة التي أدلي بها العميد – الحصونة – والخاصة بهذا الموضوع، تناقض ادعاءه الأولي الخاص بالامتناع عن التنفيذ. ففي أحدها، يقول” كنت مدعواً بدار نجيب الربيعي” والصحيح بدار رئيس أركان الجيش اللواء احمد صالح العبدي” مع آخرين، بينهم الزعيم قاسم، الذي طلب منّا جميعاً، أن نصغي لبيان مهم سيذاع الساعة الثامنة مساءً.. وأصغينا السمع.. وإذا به بيان صادر عن عبد الكريم قاسم، يقول فيه: ان الكويت جزء من العراق.. ولا يمكن أن يعلن استقلالها كدولة مستقلة بعد انسحاب القوات البريطانية منها.. فوجئ الجميع بما سمعنا، بما فيهم أنا، وطلبت من عبد الكريم قاسم أن يسمح لي ازاء هذا الموقف بالانصراف والالتحاق بمقر فرقتي العسكرية، خاصة ان قطعاتها موزّعة على سبعة ألوية (محافظات) بما فيها محافظة البصرة.. فأشار لي قاسم بيده، أن أجلس ولا داعي لأن تذهب، فامتثلت للأمر، ولكن كنت قلقاً، ثم اصطحبني بعد العشاء الي وزارة الدفاع، أتيحت لي فرصة شرح الأبعاد العسكرية المحتملة جرّاء هذا البيان وتداعياته على المستويين العسكري والسياسي وردود الأفعال المتوقعة، خاصة عدم وجود خطة عسكرية موضوعة سلفاً للتنفيذ، استمع قاسم لما قلته من دون تعليق.. “.
"ورد في كتاب "أمالي السَّيد طالب الرِّفاعي" (مدارك 2012) ما نصه، وهو عالم دين كان وكيلاً لمرجعية النَّجف بمصر (1969-1985). قال الرِّفاعي: "سألت الحصونة: أبا أياد هناك سؤال يدور في خَلدي، ولم أحصل على جواب قاطع: ما هي قضية الكويت وتكليف عبد الكريم قاسم لك ورفضك التكليف. وهذا كما تعرفه شائعاً وأُريد الحقيقة منك؟! أضاف: "أخذ الحصونة يضحك ويضحك، قائلاً: سيدنا كيف تُصدق بهذه القصة... ما يخص قضية الكويت، كيف يرفض عسكري يوجه إليه أمراً مِن قيادته العليا! ولو صدر مثل هذا الأمر ورفضت تنفيذه لما جلست معك الآن، كان يُنفذ بيَّ حكم الإعدام، لأن القانون العسكري هو: نفذ ثم ناقش. إطلاقاً لم يصدر أمر مِن عبد الكريم قاسم ولا مِن غيره باحتلال الكويت، ولم استفت السيد الحكيم ولا غيره على الإطلاق، إنها إشاعة في إشاعة؟! قال الرِّفاعي: "فسألته حينها: لماذا لا تنشر ذلك وتُصحح خطأً؟! فرد قائلاً: دع الشَّائعة كما هي، إنها نفعتني. جرى ذلك في بيته في شارع الفداء بالقاهرة"!
وتطالعنا شهادة أخري للعميد – الحصونة – حيث يذكر فيها،” انه ذهب الي بغداد بإجازة دورية، وبلّغ بضرورة حضوره افتتاح كنيسة الكلدان في الكرادة الشرقية” والصحيح حضوره وليمة رئيس اركان الجيش في داره في معسكر الرشيد” من قبل عبد الكريم قاسم، وكان مكان جلوسه بجوار – احمد صالح العبدي – رئيس اركان الجيش، حيث فوجئنا بما أعلنه الزعيم عبد الكريم قاسم بعائديه الكويت، لذلك أخبرت – العبدي – بأن ذلك يستوجب عودتي فوراً الي مقر الفرقة، استعداداً لتنفيذ الأوامر العسكرية بتهيئة القطعات العسكرية. الاّ أن – العبدي – طلب منّي عدم التسرع، وطلب منّي التوجه معه بعد الاحتفال الي وزارة الدفاع، لتلقي التعليمات المفصلة.. ذهبنا معاً الي وزارة الدفاع، وبعد وصولنا الي مقر – العبدي – دخل وحده الي غرفة عبد الكريم قاسم، وبعد دقائق معدودة خرج من الغرفة وبلغني ما يلي: يقول الزعيم عبد الكريم، لا داعي لقطع اجازتك، وتمتّع بها.. تيقّنت حينذاك، انه لا ينوي تحريك أية قطعة عسكرية باتجاه الكويت، وفعلا لم يصدر للفرقة الأولي بعد ذلك، أي أمر بالتحرك الي حدود العراق الجنوبية “.
وفي مقال كتبه الدكتور ضرغام الدباغ بعنوان (لقاءات مع ثلاث قادة في الجيش العراقي) في الموقع الإلكتروني لصحيفة (دنيا الوطن) بتاريخ 22 آب 1015 عن لقاءه مع "اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة" يقول:
"وعن الأمر المزعوم الذي أصدره الزعيم باحتلال الكويت أجاب: ثق يا أخي، وأقسم لك أن الزعيم لم يصدر مثل هذا الأمر، ولو أنه أصدره كيف لي وأنا العسكري منذ أول صباي أن أتمرد عليه ولا أنفذه، وكيف يقبل مني الزعيم هذا التمرد ولا يحاسبني عليه وهو القائد الفذ للقوات المسلحة. بل وبعد أن أنهيت خدمتي كقائد للفرقة الثالثة، نقلني إلى منصب محافظ ديالى، وأستمر على تقديره ومحبته لي."
وبرغم الاختلاف الحاصل بين شهادات العميد – الحصونة – سواءً في المكان، وشكل تسلمه الأوامر، الاّ أنهما تؤكدان، أن الجميع، فوجئوا بالإعلان وتوقيته، مثلما فوجئوا بعدم حصول اجراءات لاحقة، تناسب خطورة ما أعلنه الزعيم قاسم، واقتصار الجهد في مثل هذه القضية على المستويين السياسي والاعلامي فقط.
يروي اسماعيل العارف وزير المعارف آنذاك، وأقرب المقربين لقاسم حتى لحظاته الاخيرة، والذي يبدو ان عبد الكريم قال له: (انني اردتُ اولاً ان اثبت حق العراق تاريخيا ٠٠٠ وسوف نحقق ذلك بالطرق السلمية ٠ أما إذا تعذر التوصل الى الحل السلمي فلدي خطط بديلة ٠٠) (العارف، أسرار ثورة 14 تموز ص 308) ٠
في مفتتح العام 1962 امر قاسم بأن يُعرض في بغداد ثلاث عجلات حربية: بريطانية وأردنية وسعودية كانت في أوقات مختلفة قد ظلت طريقها في الصحراء فعبرت الحدود غير المعلمة بين الكويت والعراق، واستناداً إلى مصدر رسمي قدر لهذه العجلات أن "تصبح رمزاً لانتصار الشعب العراقي على أعدائه". (وكالة الأنباء العراقية عراق تايمس 8 كانون الأول 1962).
لقد عزلت قضية الكويت قاسم عن كل جيرانه العرب ولم يكسب شيئاً منها، ولم يحل مشكلاته الداخلية، وبحلول نهاية عام 1962، لم يكن لقاسم أصدقاء داخل العراق سوى حزب شيوعي ضعيف وثلة من ضباط الجيش، ولم يكن له أصدقاء في الخارج سوى الاتحاد السوفيتي.
في فبراير/ شباط 1963، نفّذ الضباط البعثيون والقوميون في الجيش العراقي انقلابهم على حُكم عبد الكريم قاسم، وسيطروا على المرافق الحيوية في بغداد، ومنها وزارة الدفاع التي تحصّن فيها قاسم حتى خسر معركته واضطر إلى الاستسلام لرجال عبد السلام عارف. أعدم عبد الكريم قاسم وضباطه ظهيرة يوم 9 شباط/ فبراير 1963، رميًا بالرصاص في مبنى الإذاعة عقب القبض عليه، نُقل قاسم إلى مقرِّ الإذاعة والتليفزيون حيث حُوكم بشكل خاطف وجرى إعدامه رميًا بالرصاص، ونشر التلفزيون العراقي صورة جثته مضرجة بالدماء، ليتم إعلان نهاية حقبة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي دخل المنطقة المحظورة وأن كان بعض أركان حكمه لا يريد ذلك.
ان ما تقدم كان شرارة اخمدت بعد موت عبد الكريم قاسم، حيث اعترف العراق باستقلال الكويت عام 1963. لكن سرعان ما عادت الازمات بين البلدين، حيث شمل هذا النزاع اربعه اقسام هي: القسم الاول: نشأ نزاع حول وادي باطن، لان اتفاقيه الحدود تشمل الوادي كخط فاصل دون ذكر تبعيته لأي طرف. القسم الثاني: حول الحدود العراقية - ألكويتية لان تقسيم الحدود لم يكن دقيق وبأسلوب غير عصري، فقد تم على اساس وجود خط نخيل. القسم الثالث: هو الممتد من صفوان حتى البحر، وهو الذي احتله العراق وتفجرت الازمة بسببه. القسم الرابع: يتعلق بالمياه الاقليمية ومطالبة العراق بحق استخدام جزيرتي (وربه) و (بوبيان) لمناورات اسطوله في الخليج حيث كان الجرف القاري للعراق يتداخل مع الجرف القاري للكويت. خلال هذه الازمة تبنت الكويت مشروع الاتفاقية الانكليزية - العثمانية لسنه (1913) بخصوص الحدود والتي وافق عليها العراق الذي كان فيها تحت الانتداب البريطاني. كل ذلك كان شرارة اولية لازمات لاحقه.
692 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع