أغتيال وزير المالية في ١٨كانون الثاني ١٩٤٠ .. شبهات .. وتحقيق ... واتهامات
المدى/رياض فخري البياتي:بينما كان الوزير رستم حيدر جالساً في مكتبه في وزارة المالية يوم 18 كانون الثاني 1940م ، استأذن في الدخول عليه شخص يدعى حسين فوزي توفيق ، وبعد أن سمح له بالدخول قدم أمام أنظار رستم حيدر كتاباً ، وبعد أن قرأه رستم حيدر اتجه نحو الباب للخروج من مكتبه
فيما قام حسين فوزي توفيق بإطلاق رصاص مسدسه عليه من الخلف ، فأصابه من الجهة اليسرى ، ونفذت من الأمام ، وقد هرع المواطنون وأفراد الشرطة إلى مكان الحادث ، وقبضوا على الجاني ، فيما نقل رستم حيدر إلى المستشفى الملكي لإسعافه .
والقاتل حسين فوزي توفيق : مفوض شرطة سابق ، فصل من الخدمة يوم 3 تموز 1935م ، لعدم قيامه بواجباته بصورة صحيحة ، ثم انتقل الى العمل بوزارة الدفاع باجور يومية ، لكنه طرد بسبب اتهامه بالفساد ، ثم عمل وكيلاً لتجار محليين ، وسافر الى عدة دول اوربية منها المانيا التي تأثر بنظامها النازي ، وتحول الى داعية ضد بريطانيا ، وكان يكن الكره للسوريين وعدهم مفتقرين للوطنية الحقيقية ، وحين حاول التعيين في دوائر الري ، رفض طلبه بدعوى عدم موافقة وزير المالية على طلبه ، مما دفعه للقيام بقتل وزير المالية رستم حيدر يوم 18 كانون الثاني 1940م .
وبعد ان القي القبض على حسين فوزي توفيق نقل إلى مديرية شرطة بغداد ، وتم التحقيق معه من قبل جميل الاورفلي وبحضور المدعي العام ومدير شرطة بغداد ،وقد اعترف حسين فوزي توفيق بقيامه باطلاق الرصاص على رستم حيدر ، بسبب عدم حصوله على وظيفة وعدها إياه بها وزير المالية رستم حيدر ، ولما يأس من الحصول على وظيفة اقدم على تلك العملية دون ان يحرضه اويعاونه او يشترك معه أي شخصٍ آخر .
بعد انتهاء التحقيق مع حسين فوزي توفيق يوم 18 كانون الثاني 1940م حضر رئيس الوزراء نوري السعيد مساء ذلك اليوم , وكان بصحبته ابنه صباح وسكرتير وزارة الدفاع , ومعاون الشرطة عبد الرزاق العسكري ، وقد وجه أسئلة إلى حسين فوزي توفيق، إذ سأله عن الأسباب التي دفعته لقتل رستم حيدر ، اذ اعتقد نوري السعيد ان تلك الجريمة قد حدثت بتحريض من قبل أشخاص آخرين ، واختلى نوري السعيد به لمدة نصف ساعة ، ثم خرج بعدها مع من كانوا بصحبته .
وفي اليوم الثاني لاعتقال حسين فوزي توفيق اتخذ إجراء قانوني مفاجئ غيّر من مجرى القضية ، إذ أرسلت إضبارة التحقيق إلى المجلس العرفي العسكري ، بناءً على طلب رئيس المجلس العرفي ، فقد كانت الأحكام العرفية معلنة في البلاد في ذلك الوقت ، وذلك على أثر معلومات أدلى بها الجاني حسين فوزي توفيق ، أدت الى تغيير مجرى التحقيق بعدما دون تلك المعلومات بخط يديه والتي أفادت أنه قد حرض من قبل مجموعة من الأشخاص ، على ارتكاب تلك الجريمة ، وقد تم توقيف المحرضين على تلك الجريمة بناءً على طلب رئيس المجلس العرفي .
يتضح أن نوري السعيد أراد إلقاء مسؤولية الجريمة على عاتق خصومه وخصوم رستم حيدر السياسيين , إذ استغل وجود خلافات بين رستم حيدر ومن اتهموا بالتحريض على تلك العملية ، لغرض الإيقاع بهم ، ولاسيما أنهم كانوا يجاهرون بعدائهم للوزارة القائمة في عهد نوري السعيد .
عقد اجتماع لمجلس الوزراء , وحدثت معارضة داخل المجلس على مقترح نوري السعيد في إحالة قضية مقتل رستم حيدر إلى محكمة عرفية ، واعتبارها جريمة سياسية وبخاصة من قبل وزير الخارجية علي جودت الأيوبي ، ووزير الموصلات جلال بابان ، إذ طلب من نوري السعيد إحالة القضية إلى المحاكم المدنية ، وعدها جريمة جنائية عادية ، لكن نوري السعيد أصرَّ على إحالة القضية إلى المجلس العرفي العسكري , واقترح وزير العدلية محمود صبحي الدفتري تأليف لجنة محايدة .
ألفت لجنة جديدة برئاسة حاكم التمييز عبد العزيز المطير ، وعضوية عبد الرزاق الظاهر سكرتير وزارة العدلية , و ( ويلكنز) Wellkinz الخبير البريطاني في مديرية التحقيقات الجنائية، ولما قامت اللجنة باجراء التحقيق مع المتهم حسين فوزي توفيق اعترف الأخير حول قيام صبيح نجيب وابراهيم كمال بالاجتماع به في مزرعته في ابي غريب بين وقتٍ وآخر ، وقد ابديا استعدادهما للقيام بأود عائلته ، اذا ما انقذ العراق من شرور رستم حيدر .
وفي اثناء ما كانت اللجنة التحقيقية ماضية في عملها ، توفي رستم حيدر يوم 22كانون الثاني 1940م ، متأثرا بجراحة بعد أن قضى أربعة أيام في المستشفى.
اعترض بعض الوزراء مطالبين بحصر التحقيق مع الجاني حسين فوزي توفيق وحده وهددوا بالاستقالة ، كما التقى عدد من رؤساء الوزارات السابقين بالوصي عبد الاله واحتجوا على إجراءات الشرطة في عملية توقيف الأشخاص الذين اتهموا بالتحريض على ارتكاب جريمة قتل رستم حيدر ، بناءً على المعلومات التي ادلى بها الجاني حسين فوزي توفيق .
قدم نوري السعيد استقالته من رئاسة الوزارة يوم 18 شباط 1940 ، في محاولة منه للحد من اللغط السياسي الذي حدث من جراء قضية مقتل رستم حيدر, وسير اجراءات التحقيق فيها ، لكن محاولة بعض ضباط الجيش التمرد من جهة ,
واعتذار رشيد عالي الگيلاني عن تولي رئاسة الحكومة دفع الوصي عبد الإله إلى أن يعهد له بتشكيل الوزارة مرة أخرى ،
ولما شكل نوري السعيد وزارته الخامسة يوم 22 شباط 1940 انتهز الفرصة وابعد وزير العدلية محمود صبحي الدفتري من وزارته الجديدة .
ويتضح مما تقدم ان الرأي الأرجح حول دوافع قيام الجاني حسين فوزي توفيق بعملية قتل رستم حيدر انها كانت بدافع حالة اليأس النفسي التي انتابت الجاني المذكور ، فضلاً عن ميوله وتأثره بالدعاية الألمانية ، واتضح ذلك من خلال الوصية التي كتبها المذكور يوم 11 كانون الثاني 1940م ، ( قبل أسبوع واحد من تلك العملية ) والتي جاء فيها : (( أن داعياً وطنياً دعاني لهذه التجربة ما دمت قد صممت على الانتحار ، وهي إن أنقذ أمتي وبلادي من شرور احد الخونة على الأقل ، وانه ليس هناك من حرضني على هذا الواجب )) . فضلاً عن ذلك ما تضمنه طلبه الذي قدمه إلى وزير المالية رستم حيدر يوم 18 كانون الثاني1940م من تهجم على الحكومة العراقية ،كما وصف الألمان فيه بأنهم خير من البريطانيين.
بدأت محاكمة الجاني حسين فوزي توفيق وبقية المتهمين ، في مقتل رستم حيدر يوم 3 آذار 1940م ، إذ شكلت هيئة للمحكمة تكونت من رئيس للمحكمة وأربعة أعضاء آخرين، وقد أصدرت حكمها على الجاني حسين فوزي توفيق بالإعدام وفق المادة (214) من قانون العقوبات البغدادي , لكونه قد ارتكب جريمة القتل مع سبق الإصرار والتعمد ، كما حكم على صبيح نجيب بالسجن لمدة سنة واحدة ، وذلك وفق المادة (89) ، من قانون العقوبات البغدادي ، ووضع تحت مراقبة الشرطة بتهمة إثارته الكراهية والبغضاء بين السكان ، وأطلق سراح بقية المتهمين بعد تبرئتهم من تلك الجريمة ، وقد عدت عملية اغتيال رستم حيدر حدثاً مهماً في عهد الوصي عبد الإله ، وكإحدى جرائم الاغتيالات السياسية في تلك الحقبة التاريخية.
عن رسالة ( ظاهرة الاغتيالات السياسية في العراق خلال العهد الملكي )
746 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع