تأريخ مدينة السليمانية..أول من أدخل السيارة!
إعداد وترجمة جلال چرمگا
مقدمة:
قبل دخول السيارة الى السليمانة كان الناس حالهم حال بقية مدن العراق (عدى بغداد) يستعملون الحيوانات في تنقلاتهم وحمل بضائعهم بين القرى والى مركز المدينة وكالأتي:
الميسورين: من شيوخ العشائر وضباط الجيش والشرطة وكبار التجار كانوا يستخدمون الخيول في أعمالهم وتنقلاتهم ..وتحتاج الخيول الى عناية ومربي وسروج ولذلك لايقوى على هذه المصاريف أصحاب الدخول المنخفضه والعامه
صغار التجار وأصحاب الأراضي:استخدموا البغال في اعمالهم وسفراتهم وحمل تجارتهم..ومن المعروف ان للبغال امكانية كبيرة في حمل الأثقال وصعود الجبال وسلوك الطرق الوعرة.
عامة الناس: كانت تستخدم الحمير حيث تجلب المنتوجات الزراعية والحطب الى المدينة لبيعها كذلك نقل منتوجاتهم من الحقل الى البيت و جلب الماء وغيرها..
داخل المدينة: كان الناس يستخدمون العربات بانواعها ومنها (الربل) للتنقل من محلة الى أخرى مع وجود عربات ذو الحصان الواحد لنقل البضائع من مكان الى أخر.. ولكن الربل ظل هو الواسطه الرئيسيه من وسائط النقل حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي..
بعد دخول السيارات تغيرت الحالة حيث فتحت الطرق بين مركز المدينة و الأقضية والنواحي وأنتشرت سيارات الحمل والباصات لأستخدامات مختلفة.
أول سيارة في مدينة السليمانية:
في عام 1919 وفي زمن الحاكم الأنكليزي لمدينة السليمانيه ( ميجرسون) دخلت أول سيارة الى المدينة وبعدها تم تخصيص مكانا(كراج) لتعليم السياقة والميكانيك أطلقوا عليه أسم( مهندس خانة)وكان المكان مقابل مسكن الشخصية الثرية المعروفة/ محمد عبدالرحمن آغا.
كان المشاركين في دورة السياقة والميكانيك يتقاضون راتبا شهريا قدره خمسون روبية حسب ما قاله / محمود قالة( الشاهد على تلك الدورة.)
عند التخرج ظل عدد منهم يمارس الميكانيك وقسم منهم أمتهن السياقة وعلم غيره تلك المهنة.
ومن الجدير بالذكر كان من بين هؤلاء عدد من الأخوة (الأرمن والأثورين) الذين قدموا الى السليمانية من تركيا بسبب سياسة الأتراك في ذلك الزمن.
أما مسألة أول سيارة وأول معلم في الميكانيك والسياقة فهذه لها قصة جميلة.
كما أشرنا في العام 1919 وفي زمن الحاكم الأنكليزي( ميجر سون) حيث قدم من بغداد بسيارتين قاصدا مكان وظيفته وكان السائقين من الهنود.
عند منطقة ( طاسلوجة) 10كم عن السليمانية عطلت السيارة الأولى وتعطلت الثانية قبل وصولهم المدنية بقليل .
حاول السائقين أصلاح سيارتيهما لكن محاولاتهما بائت بالفشل!
وهذا ما أغضب (ميجر سون) فأمر بأعادتهما الى بغداد ومعاقبتهما لكونهما قد فشلا في أول مهمة لهما.
شائت الصدف وفي تلك الفترة ان كان في بغداد شابا هنديا في مقتبل العمر يعمل سائقا مع القوات البريطانية المتواجدة في بغداد.
كان عمله كل صباح يتوجه من المعسكر( معسكر الرشيد) قاصدا منطقة باب المعظم لجلب أحد الضباط الأنكليز الكبار.
في طريقة (عند الذهاب) كان يركب معه كبار السن والنساء والأطفال من غير مقابل ( فاعل خير ).
وكان مسؤوله (عريف أنكليزي) قد سمع بما يقوم به هذا السائق وعندما تأكد من ذلك أخبره بأن فعلته هذه خطأ في خطا..وفي نفس تلك الأيام صادف ان كانت هنالك رسالة من حاكم السليمانية يطلب منهم سائق على أن يجيد تصليح السيارات أيضا.
لذلك رشحه العريف وقال له:
بما أنك طيب القلب ومرهف لذلك سأنقلك الى مدينة بعيدة جدا من العاصمة وتحت أمرة حاكم قاسي القلب!!.
وهكذا شد( كولكول جان مكورجي) الرحيل وتوجه الى السليمانية وكتاب نقله في يمينه!!..
وهذا الشاب الهندي من اهالي قرية صغيرة تابعة لمنطقة(كلكتا) الهندية ..ولد في 1894 ..تعلم في مدارس المدينة وبسبب أنتشار وباء الطاعون فتكت بعائلته لذلك ترك المنطقة وأستقر عند أحد أقرباء والده في مدينة (كلكتا) وهناك عمل لفترة كاتب عرائض في باب دائرة البريد وبعدها محصل ( جابي) في ترومواي المدينة.
في الأول من كانون الأول 1918 دخل المدرسة الحربية العسكرية في مدينة ( راول بندي) وهناك أختص في سياقة وميكانيكية السيارات وبعدها أرسل مع مجموعة من الفنيين والعسكرين الهنود الى مدينة البصرة.
لنعود الى قصة وصوله الى السليمانية:
بعد أيام سمع ( ميجر سون) صوت محرك سيارة..تعجب من الأمر..فأمر بأحضار السائق فورا..فسأله:
من أنت؟؟ وكيف صلحت السيارة؟؟..ومن أين حصلت على قطع الغيار..
رد( مكورجي) بأنكليزية طليقة:
سيدي أنا الميكانيكي المنقول اليكم..اخذت قطع من السيارة الأولى وركبتها على السيارة الثانية..وسحبت العاطلة معي!!..وبعد أيام سأصلح الثانية ايضا.
فرح ميجرسون وتعجب من ذكاء هذا الشاب..فأمر أن يخصص له أحسن مكان ويعامل بكل أحترام .
لذلك وبناء على أقتراح ( مكورجي) أمر الحاكم بأفتتاح مكان لتعليم وصيانة والسيارت ولذلك أعلنوا بواسطة صحيفة المدينة والمنادي الخبر فأنخرط الكثير من الشياب في تلك الدورة الغريبة والعجية كونها تفتح لأول مرة في المدينه ...وكان ذلك في ربيع 1921.
أصبح( مكورجي) هو المشرف العام على تلك الدورة فكان يعامل الطلبة بكل أحترام وتقدير وفي هذا الأثناء تعلم الكثير من مفردات اللغة الكوردية.
بعد أكثر من سنة في عمله ترك العسكرية وأنخرط في العمل الحر حيث كون علاقات وصداقات مع أهالي المدينة الذين أحبوه وأحبهم.
ميجر سون مع أحد اعيان مدينة السليمانية
في ايلول/ 1922 أضطر الأنكليزالى ترك السليملنية ولكن( مكورجي) لم يهمه الأمر بل ظل هناك يمارس أعماله في مجال السيارات ..فتحسنت أموره وتوسعت اعماله حتى بات يملك عدد من السيارات شغلها بين:
سليمانية – كركوك..كركوك – اربيل ..كركوك – كفري
يوم بعد يوم ذاع صيته وأصبح من الشخصيات المعروفة بسبب صدقه واخلاصه في العمل ومساعدة المحتاجين.
بعد عودة الشيخ محمود الحفيد من منفاه(الهند) في الثلاثين من ايلول 1922 والذي عين نفسه ملكا على السليمانية اهداه( مكورجي) سيارة جديدة..فقبلها الشيخ بعد أن سدد له ثمنها..
طلب الشيخ محمود من ( مكورجي) ان يكون أحد مرافقيه وسائقه الخاص ..فقبل الطلب فورا..فكان كل يوم جمعة يتوجه الشيخ الى الجامع الكبير لأداء صلاة الجماعة برفقة عدد من الفرسان أمام السيارة ومؤخرتها فكان منظرا رائعا تقف الناس على طول الطريق للسلام على الملك ولمشاهدة موكبه.
حينما قصفت الطائرات الأنكليزية السليمانية أقترح( مكورجي) على الشيخ أن يركب السيارة مع نجلة(الشيخ لطيف) والخروج من المدينة الى احدى التلال المرتفعة ومن هناك شاهدوا الدخان المتصاعد من بعض مناطق المدينة جراء قصف الطائرات.
واثناء وجوده مع الشيخ قرر أن يطلق عليه أسم( غفور هندي) ومنذ ذلك اليوم غير أسمه وأصبح غفور..
ظل غفور هندي مخلصا لمدينة السليمانية واهلها..تزوج وبقى الى أن انتقل الى جوار ربه في الثامن عشر من كانون الأول 1980 فدفن في مقبرة سيوان..
المصدر:كتاب / مدينة السليمانية الطبعة الأولى 1987
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/zamanmadejamel/13304-2014-10-29-10-44-42.html
494 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع