كتاب"لمحة في الطب وآداب المهنة " تأليف البروفيسور منذر الدوري والدكتور جاسم محمد الدوري ، طباعة ونشر دار الأندلس

                                                 

     

               

كتاب"لمحة في الطب وآداب المهنة " تأليف البروفيسور منذر الدوري والدكتور جاسم محمد الدوري ، طباعة ونشر دار الأندلس

   

تأتي أهمية هذا الكتاب في هذه المرحلة التاريخية حيث الإضطراب السياسي والأزمات المتلاحقة التي عصفت ببلداننا العربية وخاصة العراق والتي ألقت بثقلها على كل طبقات المجتمع ومنها الأطباء ، فقد برزت للأسف طبقة من الأطباء والصيادلة وغيرهم ممن ضربوا عرض الحائط القيم الطبية وآداب المهنة مما أثر على سمعة الباقين الذين لم ينجرفوا في هذا التيار الهابط ، فكان لا بد من كتاب قيم يذكر بآداب الطب الذي هو أسمى مهنة عرفتها الأنسانية ، وأنا على يقين أن هذا التدهور كالزبد سيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وسيعود الطب إلى سابق عهده وخيرا منه. وقد ظهر هذا الكتاب في حينه حيث توجد الحاجة الماسة له.

وأول ما يجذب نظرالقاريء ذلك الإهداء الجميل إلى المريض الذي جعله هذا الكتاب بحق المعلم الأول للطبيب ، ثم لم ينس الكاتبان فضل الأستاذ والذي لولاه ما تعلمنا هذه المهنة الشريفة ، ثم للزميل الصامد داخل الوطن الذي ناضل وما يزال في أداء مهنته في أقسى الظروف. والكتاب ترى بين سطوره مسحة من الإيمان بالخالق الذي أودع فينا الصفات التي جعلتنا نسلك هذا الطريق الوعر ، وتتخلل الكتاب لوحات فنية جميلة لأطباء رسامين عراقيين وأبيات من الشعر القديم والحديث مما يجعل الكتاب شيق القراءة .

ومما يزيد من قيمة هذا الكتاب أن الدكتور منذر الدوري جراح الأوعية الدموية وعضو المجلس الطبي البريطاني العام لعشر سنين فخبر فيها خفايا الأمور، والدكتور جاسم محمد الدوري من خريجي كلية طب بغداد سنة 1974 وهو استشاري طب في إحدي مستشفيات شمالي إنكلترا.

في الفصل الأول تطرق الكتاب إلى تاريخ الطب باختصار، وخاصة الأطباء الكبار الذين لمعوا إبان الحضارة الإسلامية من أمثال أبي القاسم الزهراوي القرطبي وابن سينا وابن النفيس وأبي بكر الرازي ، ولم ينس المؤلفان ذكر أسهامات الغرب الحديثة مثل اكتشاف الجراثيم من قبل لويس باستور وأساليب التعقيم التي أرسى أسسها الطبيب الإنكليزي ليسترLister والتي أدت إلى انخفاض تلوثات الجروح بدرجة كبيرة جدا . ولا يهمل الكتاب شأن الممرضة التي اعتبرها ركيزة الطب التي بغيرها لا يمكن للطبيب أن يعمل بكفاءة عالية فهي تقضي معظم وقتها مع المريض بينما يرى الطبيب المريض بصورة عابرة في أغلب الأحيان . وقد تطور دور الممرضة في الدول المتقدمة تقدما هائلا ولها شخصيتها المتميزة واستقلاليتها ، بينما ما تزال الممرضة تعاني عندنا من النظرة الدونية لدى المجتمع والعمل دون كفاءتها المقدرة لها بسبب ضعف الأمكانيات وتأخرمنهجية التمريض في بلداننا.

وقد ذكر الكتاب أمثلة كثيرة حية للسلوك الرفيع والسلوك الهابط الذي قد يمارسه بعض الأطباء للاسف ، ومنها على سبيل المثال أن طبيبا كان يدخل أربعة مرضى في آن واحد ، فاعترضت مريضة عليه فكان جوابه " حجية هذا الموجود ، مو زين إحنا نشتغل بهاي الظروف ! " ولم تقتنع المريضة بهذا الجواب فما كان منه إلا أن أجابها " حجية هذا الموجود يعجبك أهلا وسهلا ، ما يعجبك مع السلامة " وهذا الجواب يعتبر كارثة تنزل على رأس الطبيب هنا . وقد ذكر الكتاب اختبارا أو قياسا اعتمده المجلس الطبي البريطاني وهو أن يسأل الطبيب نفسه هل يرضى بهذا السلوك لأبيه أو ابنه أو لنفسه ! فإن كان الجواب لا ، فمن المؤكد أن ذلك لايمكن أن يقبل أن به المريض . وقد وضع البروفيسور منذر الوصايا العشر للطبيب والتي يجب أن يعمل على ضوئها الطبيب والتي تذكرنا بالوصايا العشر التي نزلت بها الألواح إلى النبي موسى ، وللإطلاع عليها أرجو القارئ أن ينظر إلى الصورة المرفقة . وقد رافق تلك الوصايا " آثام الطبيب العشرة " ولا مجال لشرح كل هذا في هذه العجالة ، ولكني أحث على مطالعة الكتاب لمعرفة هذه الآثام . وكذلك ذكر الكتاب الخطوات الخمس التبي تبنتها منظمة الصحة الدولية أثناء العمليات لتحاشي الأخطاء الجراحية ومنها الأخطاء التي يجب أن لا تحدث مثل العملية على العضو الخطأ والتي قد تؤدي إلى الموت أو الإعاقة الدائمة . وكل هذه يجب أن يستوعبه الطبيب الكفوء ليصل إلى أعلى درجات الكفاءة .

في الفصل الرابع والخامس يبحث الكتاب في علاقة الطبيب بالمريض ، فيجعل من الطب فنا راقيا وهو فن الأستشارة الطبية التي تطفئ غضب المريض وتكسب ثقته . لأن المريض هو معلم الطبيب الأول فيحث الكتاب على ضرورة الإصغاء الإيجابي حيث يقبل الطبيب بكليته للأستماع ، فلكل مريض قصة فريدة ليبنى العلاقة البناءة مع مريضه ، ومن الضروري عدم استعمال الموبايل أو النظر إليه وهو يتحدث مع مريضه، وللأسف كثيرا ما يهمل أطباؤنا هذا الشئ البسيط ذا التأثير الكبير على علاقة المريض بالطبيب ، وينصح للطبيب أن يتقمص شخص المريض وهذا يسمى Empathy لیشعر بمشکلته ومخاوفه ، ولا بد للطبيب أن يحافظ على السرية التامة لتفاصيل حياة المريض وأسراره ، ويجب عليه التدريب في كيفية الأفصاح عن الخبر السئ للمريض ، وآلية اتخاذ القرار والموافقة المسمى Consent . ثم التحلي بالشفافية Duty of Condour عند وقوع خطأ أو مضاعفات فلا يخفي عن المريض شيئا . ولحسن الحظ هنالك قواعد إرشادية لكل هذه الأمور من قبل GMC والكليات الطبية الملكية واتحادات الأطباء الأمريكية والتي يمكن الرجوع إليها والأستفادة منها.

وفي الفصل الخامس يبحث الكتاب فيما يجب أن يفعله الطبيب العراقي إذا قررالقدوم إلى المملكة المتحدة لغرض الدراسة ومنها امتحانPLAB والإرتباط السريري وكتابة السيرة الذاتية ومعرفة نظام التدرج الطبي للإختصاص ومعرفة عمل التدقيق السريري Clinical Audit والرقابة السريرية Clinical Governance وتقييم الأداء Appraisal and Revalidation وكل هذا بحثه الكتاب من غير إسهاب تاركا للطبيب الشاب التوسع فيها.

وفي الفصل السادس الأخير هناك فصل مفيد للمرضى عنوانه " حافظ على صحتك " يشرح فيه بلغة مبسطة الأمراض الشائعة وطرق الوقاية منها والتقليل من ضررها مثل ضغط الدم ويسميه القاتل الصامت والجلطة القلبية وداء السكري وأضرار السيجارة والتي يسميها عصا الموت ، وحبذا لو اضاف المؤلفان أضرار الخمرة التي لا تزال تفتك بصحة الكثيرين في الغرب والتي لا بد أن عدواها تنتقل إلى الشرق بصورة واسعة بسبب العولمة .

وفي خاتمة هذا العرض ، إن هذا الكتاب سيملأ فراغا كبيرا تحتاجه كلياتنا ومؤسساتنا الطبية والصحية ، وهذا النوع من الكتب يندر وجوده عندنا ، وأذكر كتابا واحدا قرأته للمرحوم الدكتور راجي عباس التكريتي في منتصف السبعينات من القرن الماضي حول الأخلاق الطبية وأصول المهنة ، وقد فقد من الأسواق بحيث يصعب العثور عليه . كما أن الكتاب الحالي لا ينبغي أن يكون الأخير من نوعه ، فأتمنى من بعض زملائنا في العراق أن يسطروا خبرتهم الطبية ويبحثوا في هذا الموضوع المهم ليكون نابعا من واقعنا المعاش. كما أنه من الضروري أن يدرس موضوع الأخلاق الطبية Medical Ethics كموضوع أساسي في مناهج الكليات الطبية وتفعَّل نقابة الأطباء ووزارة الصحة لتكونا الرقيب الفعال للضرب على من تسول له نفسه لتشويه سمعة الطب بممارسات غير أخلاقية أو قانونية تخالف القسم الذي تلاه الطبيب أمام ربه وأساتذته بالحفاظ على شرف المهنة.

وأخيرا لا بد ان أهنئ الزميلين النطاسيين على هذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في محتواه ، ولا أدري لماذا سمياه لمحة وفيه لمحات كثيرة يصعب عدها ! وأسأل الله أن يجعل فيما كتبا ونصحا كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .

الدكتور عدنان هاشم

استشاري طب وجراحة العيون

15 أيلول 2021

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع