الشابة السورية تجول في أزقة دمشق القديمة ملتقطة صورا لمنازل تقليدية، رغبة منها في توثيق هندستها وهويتها بعدما طال الإهمال.
تاريخ دمشق لا يضيع، كذلك ملامح المدينة القديمة إذا كان هناك من يهتم لهوّية بلده، وهذا ما تفطّنت إليه الباحثة السورية رانيا قطف التي تعهّدت بتوثيق تفاصيل الحواري والمنازل والأسواق والحرف بالكاميرا التي لا تفارقها وجمعت الآلاف من الصور التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وستنشرها قريبا في كتاب لتبقى محفوظة للمستقبل.
العرب/دمشق – اتخذت الباحثة السورية رانيا قطف التي تبلغ من العمر 36 عاما الكاميرا صديقة لها، تحملها في يدها أو تحفظها في حقيبتها، وتتجول في الشوارع والأزقة الضيقة بمدينة دمشق القديمة لتوثق مشاهد كانت تخشى عليها من أن تضيع أو يطويها النسيان في سنوات الحرب.
وتأثرت رانيا بشدة عندما رأت صور التراث المدمر في حلب القديمة عام 2015 وحاصرتها مشاعر الخوف وأحاسيس القلق من أن تواجه مدينتها نفس المصير.
ومنذ سنوات، تحمل رانيا كاميرتها وتجول في أزقة دمشق القديمة ملتقطة صورا لمنازل دمشقية تقليدية، رغبة منها في توثيق هندستها وهويتها بعدما طال الإهمال والاستثمار عددا منها ولحقت أضرار جسيمة بعدد آخر خلال سنوات الحرب.
وقالت “استلهمت فكرتي التوثيقية من مصورين أوروبيين، سارعوا إلى توثيق أبنية في مدنهم خلال الحرب العالمية الثانية، واستطاع مهندسون إعادة بناء أجزاء منها لاحقا، اعتمادا على وثائق المصورين”.
ورغم تخصّصها في الجامعة الأميركية في بيروت في مجال التغذية، إلا أن توثيق تراث دمشق بات شغلها الشاغل منذ سنوات، خصوصا بعدما أنشأت في العام 2016 مجموعة على فيسبوك تحت مسمى “هيومنز أوف دامسكوس”.
واستقطبت الصفحة أكثر من 22 ألف مهتم بالتراث الدمشقي والآلاف من الصور التي وثقها أعضاء المجموعة لمنازلهم الدمشقية.
وترى رانيا أن “التوثيق ليس حكرا على الخبراء”، ومن هنا جاءت محاولتها لجعل المجموعة “أشبه بكتاب توثيق افتراضي بعدسات من يقطن في هذه المنازل”.
ويتألف البيت الدمشقي عموما من مدخل ضيق يُسمّى الدهليز، يؤدي إلى فسحة مفتوحة واسعة فيها أشجار عدّة، تتوسطها بحرة دائرية الشكل مكسوّة بالحجر المزخرف.
وعلى الجوانب نوافذ خشبية وأبواب متناظرة للغرف التي عادة ما يكون سقفها عبارة عن أعمدة خشبية مصفوفة قرب بعضها البعض أو تكسوه زخارف ملونة. وغالبا ما يضمّ كل منزل غرفتين للضيوف، واحدة صيفية وأخرى شتوية.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011، تحوّل عدد من المنازل إلى مراكز إيواء صغيرة، يؤوي كل منها عائلتين أو أكثر. وباتت الأولوية فيها للسكن، ولو جاء ذلك على حساب تصميمها. واضطرت عائلات كثيرة إلى تغيير ملامح بعض البيوت كي تستوعب عددا أكبر من الأشخاص.
وإذا كانت الحرب شكّلت سابقا “التهديد الأساسي لهذه المنازل” فهي اليوم “مهددة بأن تفقد هويتها جراء استثمارها في مشاريع ربحية أو نتيجة إهمالها ونسيانها بعد هجرة سكانها”، وفق رانيا.
وتشرح رانيا التي شاركت في العام 2017 في دورة تدريبية في إيطاليا بعنوان “الجرائم ضد الفن والحفاظ على التراث”، كيف أنّه خلال سنوات الحرب “تدمّرت المدن القديمة في حمص وحلب من دون أن تُوثّق”. وتضيف “خشيت على دمشق القديمة من أن تنال المصير ذاته، فسارعت إلى توثيق تفاصيلها”.
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 2013 على قائمتها للتراث المهدد بالخطر ستة مواقع سورية بينها المدينة القديمة في كل من دمشق وحلب.
وتعرّضت المدينة القديمة في دمشق تحديدا لسقوط قذائف منذ اندلاع النزاع، خلال معارك عنيفة دارت على أطراف العاصمة وفي محيطها بين الفصائل المعارضة والقوات الحكومية، قبل أن تتمكن الأخيرة من طردها بعد هجوم واسع وحصار محكم في العام 2018.
وتعتزم رانيا الآن نشر مجموعتها الثمينة في كتاب يروي حكايات الأزقة والبيوت القديمة، وساكنيها وتنوي نشر كتابها باللغة الإنجليزية ليحقق عملها انتشارا على نطاق أكبر.
وتقول “أنا من 2016 إلى الآن صورت تقريبا 15000 صورة.. تتضمن قصصا تخص البيوت والناس والحرف والحارات، كل شيء مرتبط بروح المدينة. فالكتاب سيكون صورة عن روح المدينة”.
936 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع