تاريخ يهود العراق المعاصر/الحلقة 1- نبذة عن تاريخ يهود العراق حتى العصر الحديث /د. نسيم قزاز
مقدمة بقلم د. ديفيد (خضر) بصون
يسر رابطة الجامعيين المنحدرين من العراق في إسرائيل التي نشرت في 2020 كتاب د. نسيم قزاز - "تاريخ يهود العراق المعاصر" ان تبدأ بنشر فصول من هذا الكتاب المهم الذي سيوفر للقارئ باللغة العربية معلومات دقيقة لا يشوبها تحريف عن تاريخ ومساهمة يهود العراق في بناء الدولة العراقية في النصف الأول من القرن العشرين.
يُعّد الدكتور نسيم قزاز من أبرز الباحثين في تاريخ وتراث يهود العراق وتعتبر بحوثه وكتبه التي صدرت منذ ثمانيات القرن المنصرم من المصادر المهمة التي لا يمكن التغاضي عنها لكل باحث في شؤون يهود العراق، فقلما نرى بحث أو كتاب يخلو من ذكره.
يبدأ الكتاب بنبذة تاريخية عن يهود العراق من السبي البابلي إلى أواسط القرن الثامن عشر (الفصل الأول). ثم ينتقل تدريجيا وبتفاصيل أكثر عمقا ليصل إلى بداية الاحتلال البريطاني للعراق في عام 1917 ويطلع القارئ على الكيان القانوني للمكون اليهودي في العراق (الفصلان الثاني والثالث).
أما الفصل الرابع فيتحدث عن الاحتلال البريطاني ثم تأسيس المملكة العراقية في عام 1921وبداية حكم الملك فيصل الأول "والعهد الذهبي" ليهود العراق في العصر الحديث. وفي الفصل الخامس يتطرق المؤلف إلى توجه أعلام يهود العراق نحو الوطنية العراقية ومساهمتهم الكبيرة في بناء صرح الدولة العراقية الحديثة. ثم يغور المؤلف في الفصول الخمسة التالية الى اندماج اليهود في الوظائف الرسمية والاقتصاد، الخدمة العسكرية، اليهود في التجارة والمؤسسات المالية، النشاط السياسي والحزبي، اليهود والصحافة.
يبدأ الفصل الحادي عشر بوصف وضع الأقليات في العراق تحت حكم عروبي – قومي ثم يتطرق في الفصل الثاني عشر إلى تصاعد القومية العربية وتأثيرها على بداية تدهور وضعية يهود العراق. أما الفصل الثالث عشر والفصل الرابع عشر فيتحدثان عن يهود العراق في ظل الصراع الصهيوني العربي ودور مفتي القدس حاج أمين الحسيني والى دور المفوضية الألمانية في تشجيع اللاسامية (هنا بمعنى معادة يهود العراق) والفاشية وتمويل النوادي والصحف القومية المعادية لليهود. في الفصل الخامس عشر يتطرق المؤلف إلى الطائفة اليهودية والصهيونية.
أما الفصل السادس عشر فيتحدث بالتفصيل عن مجزرة الفرهود في 1و2 حزيران 1941 والصدمة التي أحدثتها في صلب الطائفة اليهودية وتبعياتها. ويعقب ذلك الفصل السابع عشر ليصف المؤلف كيف توجه الشباب اليهود الى الصهيونية او الشيوعية بعد الفرهود. الفصل الثامن عشر، المعنون باللاسامية الرسمية، يصف كيف اتخذت الحكومات العراقية موقفاً عدائياً ضد اليهود بعد قرار تقسيم فلسطين في عام 1947 ومشاركة الشباب اليهودي (الشيوعي) مع أبناء الشعب العراقي في مظاهرات "الوثبة" المناوئة للحكومة. وفي الفصل الأخير، التاسع عشر، يتطرق المؤلف إلى سن "قانون التسقيط" والهجرة الجماعية ليهود العراق والاستيلاء على ممتلكات اليهود، ويدحض ما اعتيد تداوله في بعض الأوساط الإعلامية العربية والكتب عن أن يهود العراق دفعوا الى الهجرة بسبب "إلقاء الصهاينة قنابل" لإرعابهم.
ويختم المؤلف كتابه ببعض الاستنتاجات والعبر والآراء الشخصية. أتأمل أن يكون هذا الكتاب نموذجاً حياً عن كيفية إجراء البحوث في مواضيع شائكة والتمسك بالحقائق التاريخية المعتمدة على المستندات في سرد حوادث (لاتزال في ذكرى الكثير من الأحياء الذين واكبوها) واطلاع الأجيال التي لم تعاصر يهود العراق على هذا المكون الذي أول من فقد من مكونات العراق الأثنية والدينية.
الحلقة – 1 :نبذة عن تاريخ يهود العراق حتى العصر الحديث
الجالية اليهودية في العراق هي من أقدم الجاليات اليهودية في العالم، ويرجع تاريخ وجودها في وادي الرافدين إلى زمن بعيد - إلى السبي الآشوري لمملكة إسرائيل والسبي البابلي لمملكة يهودا. ففي عام 733 ق.م. غزا تغلاث ݒلاصر الثالث (727-745 ق.م.) ملك أشور شمال مملكة إسرائيل وشرق الأردن وأجلى الكثير من سكانها، وبلغ عدد الأسرى الذين أجلاهم من الجليل وحده ما يقارب 13،250 نسمة إضافة إلى الذين تم أسرهم وإجلاؤهم من شرق الأردن وباقي المدن والقرى التي احتلها في شمال البلاد، وفرض الجزية على مملكة إسرائيل بعد أن نصب هوشع ملكاً عليها.
وبعد وفاته اعتلى عرش آشور نجله شلمانصر الخامس (722-744 ق.م.) وفي عهده حاول هوشع، بتحريض من فراعنة مصر، كسر نير آشور وامتنع عن دفع الجزية، فأقبل شلمانصر الخامس نحو سنة 724 ق.م. على مملكة إسرائيل واحتل أراضيها وحاصر عاصمتها السامرة الحصينة التي صمدت أمامه لمدة ثلاث سنوات. وختم الحصار خَلَفه سرجون الثاني (705-722 ق.م.) باحتلال المدينة بين عامي 721- 722 ق.م. إيذاناً بانتهاء مملكة إسرائيل. وتم في هذه الحقبة أسر وإجلاء نحو 27،290 نسمة إلى مدن وادي الخابور. ويقول الدكتور نسيم سوسة إن الأكثرية الساحقة من هؤلاء اليهود المسبيين إلى جبال آشور قد صبأوا إلى النصرانية بعد ظهور الديانة المسيحية على يد المبشرين المسيحيين ثم اعتنقوا المذهب النسطوري في القرن الخامس الميلادي.
أما مملكة يهودا فقد غزاها سنحاريب الآشوري (681-705 ق.م.) عام 702 ق.م. واستولى على ست وأربعين بلدة وحاصر أورشليم ولكنه لم يستطع إخضاعها إثر وباء حلّ بعسكره وفتك بالآلاف من جنوده مما أرغمه على فك الحصار والقفول راجعاً إلى بلاده. وجاء في مسلته أنه أسر من سكان مملكة يهودا 200،150 نسمة بينما يقول الباحثون إن هناك مبالغة كبيرة في هذا العدد.
وبعد حوالي قرن من الزمن، حشد نبوخدنصر الثاني (562- 605 ق.م.) جيوشاً واحتل أورشليم عاصمة مملكة يهودا مرتين:
كان نبوخدنصر قد حالف يهوياقيم بن يوشياهو ملك يهودا إلا أن الأخير لم يثبت على عهده وتقلب في سياسته فحشد نبوخدنصر جيشاً وشدّد الحصار على أورشليم واحتلها عام 597 ق.م. وكانت المنية قد وافت يهوياقيم فاعتلى عرش مملكة يهودا يهوياخين خلفاً لأبيه، فأسره الكلدانيون وعائلته وسبوا سكانها ونصّبوا صدقياهو ملكاً على أورشليم. ويُقدّر عدد الأسرى الذين جيء بهم إلى بابل بنحو 10،000 نسمة بما في ذلك حاشية وأشراف مملكة يهودا وجنود وأرباب الصناعة والمهن.
وبعد مضي تسعة أعوام على تنصيبه امتنع صدقياهو من دفع الجزية فأعاد نبوخدنصر الكرة وتوجه بجيش جرّار نحو أورشليم واحتلها عام 586 ق.م. بعد حصار شديد دام حوالي ثلاث سنين ودكَّ حصونها ودمر قلاعها وحرق الهيكل واستولى على محتوياته الثمينة وأسر ملكها.
لا يوجد لدينا إحصائيات عن عدد الذين أُجلوا إلى بابل من سكان مملكة يهودا ولكن بإمكاننا أن نتصوّر ذلك مما جاء في الكتاب المقدس بسفر عزرا: أن عدد الذين عاد منهم إلى الديار المقدسة في عهد كورش في القافلة الأولى كان 42،360 نسمة و7،337 عبداً إضافة إلى الجموع التي عادت في القوافل التي تلتها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أغلبية اليهود في بابل آثرت العيش والبقاء في المنفى نستنتج أن عدد ألأسري كان عالياً جداً.
غادرت مواكب الأسرى، وكانت من صفوة القوم، بلاد آبائهم وديار أجدادهم وحطوا الرحال في بلاد الرافدين وانظموا إلى أبناء جلدتهم الذين سبقوهم في تلك الديار.
لم تكن معاملة البابليين لليهود في منفاهم كعبيد ولم يثقلوا عليهم وطأتهم وسمحوا لهم بابتياع الأراضي وزرعها وغرس الأشجار فيها، فاستتبت لهم الأوضاع وأسسوا قرى على ضفاف الأنهر وبنوا بيوتاً وتعاطى فريق منهم التجارة وتفرغ آخرون للمهن والصناعات المختلفة آخذون بوصية النبي ارميا الذي قال على لسان الرب:
"ابنوا بيوتاً واسكنوا واغرسوا جنّات وكلوا ثمرها وأكثروا هناك ولا تقِّلوا واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها وصلّوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام ".
عهد الفرس
ولم يمض خمسون عاماً حتى جاء كورش ملك الفرس وقضى على الدولة البابلية وأذن لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء بيت المقدس، فذهب إليها من ذهب وبقى الكثيرون في بابل مؤثرين الإقامة فيها.
بات اليهود في بابل عنصراً مهماً في المجتمع الفارسي إذ تمتعوا إبان فترات الحكم الفارسي - البارثي والإغريقي بمقدار كبير من الاستقلال الذاتي. وكانوا يقومون بأمور دينهم وشعائرهم المذهبية بكل حرية. ودامت هذه الحقبة ما يقارب الثمانية قرون حين انقرضت سلالة البارثيين وحلّت محلها عام 224 ميلادية سلالة فارسية أخرى هم الساسانيون الذين استمروا بالحكم حتى اندحارهم بمجيء الإسلام.
تميزت هذه الحقبة بنشر جزء كبير من الأدب والثقافة اليهودية. حيث تم تأسيس مراكز فقهية دينية في "ݒومبوديثا" (الفلوجة) و"سورا" (في الجنوب) وبينهما "نهردعا". كما دُوَّن فيها التلمود البابلي - كتاب التعاليم والشروح التفسيرية للتوراة. ولم يتمكن الساسانيون من إخضاع اليهود والسيطرة عليهم بشكل تام لانشغالهم في مشاكل وأمور داخلية وخارجية وأتـاحوا لهم استقلالاً ذاتياً، وتميّز خضوعهم لأمراء البلاد بدفع بعض الضرائب كالجزية وضرائب الأملاك. وكان لهم رئيساً سياسياً يدعى "رأس الجالوت" يعد من أقطاب المملكة الفارسية وله الرتبة الرابعة بعد الملك. ومع ذلك لم تخلُ هذه الحقبة من اضطهاد اليهود ملاحقاتهم بين حين وآخر، فمثلاً في مطلع القرن الخامس الميلادي زُجَّ في السجن "رأس الجالوت" مار زوطرا وحكم عليه وعلى بعض من وجهاء اليهود بالإعدام لأنهم حاولوا أن يستقلوا استقلالاً سياسياً تاماً.
تحت ظل الإسلام
استبشر اليهود والنصارى في العراق بمجيء الإسلام وساعدوا المسلمين أهل التوحيد لأنهم كانوا يستثقلون وطأة حكم الفرس الوثنيين، لاسيما في أخريات أيامهم حيث كان الضعف قد تفشى في دولتهم.
حتَّم الخليفة عمر بن الخطاب (634-644) الجزية على أهل الذمّة في العراق وكان قد رضي من الخدمات الجليلة التي خدم بها البستاني "رأس الجالوت" االمسلمين، وتقديراً لذلك أنعم عليه وأبقى منصب "رئاسة الجالوت" وأقرَّ بمنزلته وسلطته على أبناء قومه. وفي العهد الأموي عاش اليهود في العراق في هدوء وسلام وكان "لرأس الجالوت" نفوذ واسع على أبناء قومه في الشؤون الدينية والمذهبية وشيئاً من السلطة الدنيوية. إضافة إلى الجزية أوجبت الشريعة الإسلامية إذلال أهل الذمة وإهانتهم عملاً بما جاء في القرآن: "حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"، وعن اليهود خاصةً جاء: "وضُربت عليهم الذَلّة والمسكنة".
كان معظم الخلفاء العباسيين على جانب عظيم من التسامح مع اليهود بينما أثقل آخرون وطأتهم. ففي عهد المتوكل (847-861) اتُخذت إجراءات تعسفية ضدهم إذ أمرهم عام 849 أن يلبسوا لباساً يميّزهم عن المسلمين وركوب السروج الخشبية ولبس قلنسوة مخالفة للقلنسوة التي يلبسها المسلمون، وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وإذا كان الموضع واسعاً صيِّر مسجداً وأن يضع على أبواب دورهم صور شياطين من خشب تفريقاً بين منازلهم وبين منازل المسلمين ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا تشبه قبور المسلمين.
كانت حالة اليهود في العراق متقلبة لا تستقر على قاعدة واحدة من السَعد أو الشقاء بل كانت تتغيّر بتغيير الحكام والسلاطين، فكانت الوطأة تخف بمجيء خليفة أو حاكم متسامح ثم تعود وتثقل تحت خليفة أو سلطان ينزع إلى الإجحاف بحقهم. وفي أغلب الأحيان تمتع يهود العراق في العصر العباسي بقدر وافر من الحرية ومارسوا مختلف الأعمال والمهن واشتهر منهم أطباء ومنجّمون وشعراء وكان الصيارفة والجهابذة اليهود في هذا العصر العباسي على شيء من الوجاهة وكان رجال الدولة العباسية يودعونهم دراهمهم. ومارس اليهود بيع الخمر وتعاطوا التجارة وكانوا يتجشمون أخطار السفر إلى المشرق والمغرب براً وبحراً في سبيل التجارة والكسب. واقتبس رزق الله غنيمة ما ورد عنهم في كتاب المسالك والممالك لأبن خرداذبة -:
"إنهم يسافرون من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق يجلبون من الغرب الخدم والجواري والغلمان والديباج وجلود الخز والفراء والسمور والسيوف ويركبون من فرنجة إلى البحر الغربي فيخرجون بالفرما ويحملون تجارتهم على الظهر إلى القلزم...ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم إلى الجار وجدة ثم يمضون إلى السند والهند والصين فيحملون من الصين المسك والعود والكافور والدارسيني وغير ذلك...ثم يرجعون إلى القلزم ثم يحملونها إلى الفرما ثم يركبون في البحر الغربي فربما عدلوا بتجارتهم إلى القسطنطينية فباعوها وربما ساروا بها إلى ملك فرنجة فيبيعونها هناك، وإن شاءوا حملوا تجارتهم من فرنجة في البحر الغربي فيخرجون في أنطاكيا ويسيرون على الأرض ثلاث مراحل إلى الجابية ثم يركبون في الفرات إلى بغداد ثم يركبون في دجلة إلى الأبلة ومن الأبلة إلى عُمان والسند والهند والصين ".
كان "لرأس الجالوت" صلاحيات واسعة على اليهود في العصر العباسي ومنزلة رفيعة لدى الخلفاء والحكام، وامتدت سلطته على يهود أرض شنعار وبلاد الكلدان وبلاد فارس وخراسان وسبا واليمن وديار بكر وبين النهرين وأرمينيا وبلاد الهند وجيحون وبلاد التبت. وهذا ما كتب الرحّالة الراب بنيامين التطيلي الذي زار العراق حوالي عام 1160 في عهد الخليفة المستنجد بالله (1160- 1170)-:
"ولما كان يُنَصِّب الخليفة "رأس الجالوت" كان يهدي الهدايا النفيسة إلى الخليفة وإلى الأمراء والقواد ورجال الحكومة، وكانوا يركبونه مركبة الوزير ويذهبون به إلى دار الخلافة وتقرع أمامه الطبول والزمارات. وإذا خرج لزيارة الخليفة تقدمه موكب من الفرسان المسلمين وهم ينادون أمامه: وسِّعوا الطريق لسيدنا ابن داود. فكان الناس يقومون إجلالاً له ومن لا يؤدي هذا الاحترام تأمر الحكومة بجلده مئة جلدة. وكان يسير في مدينة السلام فارساً مرتدياً ألبسة حرير مقصَّبة وعلى رأسه تاج عظيم تغطيه قطعة بيضاء وعليها عصابة أو سلسلة ".
في عهد المغول والتتار
في الخامس من شهر شباط/فبراير 1258 احتل هولاكو (1217-1265) حفيد جنكيز خان بغداد وقضى على الخلافة العباسية. فدخلت عساكره مدينة السلام وأعملوا فيها السيف وارتكبوا الموبقات وسبوا ونهبوا على مدى أيام عديدة. وهلك سكان المدينة على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم. ولم يسلم اليهود من هذه النائبات بل لحق بهم قسط وافر من الأذى والجور.
بعد وفاة هولاكو اعتلى عرش الدولة الإيلخانية نجله أباقا خان، الذي دام حكمه حتى عام 1282، ثم خلفه أخوه توكورد خان الذي اعتنق الإسلام وحوَّل اسمه إلى سلطان أحمد خان ودام حكمه عامان، ففي سنة 1284 أزاحه المغول الذين لم يستحسنوا ذلك وبايعوا ارغون خان نجل أباقا وحفيد هولاكو الذي جلس على العرش حتى عام 1291.
تميز عصر أرغون خان عن بقية العهود الإيلخانية بإعلاء شأن اليهود دون باقي الطوائف الأخرى. ففي عصره سطع نجم اليهود وشغلوا مناصب مرموقة في إدارة شؤون الدولة السياسية والاقتصادية. إذ أنه كان يكره الإسلام فأبعد المسلمين من جميع المناصب الإدارية وأحلَّ محلهم اليهود والمسيحيين الذين تبوأوا المناصب العليا في البلاد.
ونبغ منهم رجلٌ نال كلمة نافذة في البلاد ومنزلة جليلة القدر، الطبيب اليهودي سعد الدولة الذي كان في أول أمره دلالا بسوق الصناعة في الموصل ثم قدم إلى بغداد وعينه أرغون خان مفتشاً على مالية بغداد، ونجح نجاحاً واسعاً في استحصال الضرائب ورفعه عقيب ذلك إلى منصب الوزارة على كل الدولة وأصبح طبيباً خاصاً لأرغون، فولّاه وعظّمه وحكم في سائر البلاد التي بأيدي المغول، ولما تقلد سعد الدولة الوزارة عين أخاه فخر الدولة ناظراً عاماٍ على مزارع العراق وأخاه أمين الدولة حاكماً على الموصل وسائر أقاربه في مناصب أخرى بمختلف أنحاء الدولة.
توفي أرغون عام 1291 م وقبيل وفاته تمكن أعداء سعد الدولة من قتله واستولوا على مقاليد السلطة وقُبض على فخر الدولة. وقبض بالموصل على أمين الدولة أخي سعد الدولة. ونهبت دورهم ودور اليهود ودام ذلك ثلاثة أيام. ومنذ ذلك الحين وقع اليهود في ضيق عظيم عُدّ من أكبر البلايا وأفجع المصائب.
وفي سنة 1295 ألزم السلطان غازان أهل الذمة الغيار. وفي هذه السنة أصدر أمراً بتخريب كنائس اليهود والنصارى وقتل رؤسائهم في بغداد ومراغة وغيرها من الأمكنة. وفي سنة 1322 أمر السلطان أبو سعيد المغولي بالغيار وأسلم كثير من الذميين وفي سنة 34-1333 ألزمت اليهود والنصارى ببغداد بلبس الغيار (علامة أهل الذمة) ثم نقضت كنائسهم ودياراتهم وأسلم منهم خلق كثير منهم سديد الدولة وكان ركناً لليهود.
في سنة 1335 نشأت حكومة الجلائرية ومنذ ذلك الحين وحتى بداية القرن السادس عشر تناوبت على حكم البلاد قبائل تركمانية - جلائرية والخروف الأسود والخروف الأبيض – ما عدا فترة وجيزة احتل فيها تيمورلنك البلاد، ففي عام 1393 غزا تيمورلنك العراق وغادرها عام 1395، ثم عاد وغزا العراق ثانية عام 1400، وقتل أصحابه في تلك السنة نحو 10،000 يهودي في البصرة والموصل ودمروا مدارسهم وانقطعت الرئاسة بينهم زمنا طويلا وتبددت الجماعة في المدن والأقاليم فغدت حالهم مؤلمة وموجعة.
تحت حكم الأتراك العثمانيين حتى العهد الحديث
وفي سنة 1509 احتل إسماعيل الصفوي البلاد ودام حكم الفرس حتى عام 1534، ففي هذا العام فتح الجيش التركي بغداد ودخل السلطان سليمان الأول (1520-1566) عاصمة العباسيين ودام حكم الدولة العثمانية للبلاد نحو أربعة قرون، حتى عام 1917، تخلله 14 عاما استتب الحكم فيها للفرس، من عام 1624 حتى عام 1638، ثم استرجعها السلطان العثماني مراد الرابع (1623-1639).
3246 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع