فاطمة البودي
الشرق الأوسط/القاهرة: داليا عاصم:اقتحمت دكتورة فاطمة البودي صاحبة «دار العين» مجال صناعة النشر في مصر منذ سنوات طويلة، واستطاعت في ظل الصعوبات التي تواجه النشر الورقي أن تحقق لدارها اسماً معروفاً في الوطن العربي، وليس المصري فقط.
ومنشورات الدار لا تقتصر على الكتب الأدبية الأدب، وإنما تشمل العلوم الإنسانية والعلمية والفكرية... هنا حوار معها عن إشكاليات صناعة النشر، والتحديات التي تخوضها في ظل مشاكل التزوير والكتب الرقمية، وارتفاع أسعار الورق والطباعة.
> انفتحت تجربة «دار العين» على كتاب كثيرين في العالم العربي، ولم تقتصر على المصريين فقط... كيف استطعت تحقيق ذلك؟
- حينما أخذت قرار دخول عالم صناعة النشر لم أكن أعلم خفاياه ومخاطره ومتاعبه، الوصول للنجاح سهل، لكن الحفاظ عليه صعب. ووجدت القارئ المصري لا يعرف غير اللامع جداً من الكتّاب العرب، وخلال مشاركتي في معارض الكتب العربية تعرفت على الكثير من الكتاب المبدعين من المغرب العربي تحديداً، وقلت لماذا لا أكون وسيطاً بينهم وبين القارئ المصري؟ بعض الكتّاب لمعت أسماؤهم من خلال الدار، منهم من استمر معي ومنهم من استكمل مع ناشرين من موطنه. عموماً، أعتبر ما تقوم به «دار العين» حجراً في ماء راكد أثرته بوعي لتحقيق هدف الدار في نشر إبداعات لكل الكتاب العرب، وأعتبر إقبالهم على النشر من خلالنا شهادة نجاح للدار.
> في رأيك، ما نوعية القراء هذه الأيام، أو ما هي معاييرهم في القراءة؟
- اختلفت معايير القراء مؤخراً بشكل يخالف التوقعات، ودخل صنف من الكتب التي لا يمكن تصنيفها، وهو أمر يهدد صناعة النشر والعقول، فنجد المكتبات غارقة بآلاف الـكتب السطحية، أو كتب «تنمية بشرية»، وهو المسمى الذي انتهك من قبل بعض محبي الشهرة والمدونين. لا تخلو هذه الكتب من الأمور الغثة، لكن للأسف يقبل عليها جمهور معارض الكتب. وعبر 12 عاماً من المشاركة في المعارض تعرفت على نوعيات القراء، جمهور المعارض نوعان أساسيان من القراء، هما: المحترفون يأتون بقائمة كتب، بينما قراء آخرون يستقون قائمتهم من مشاهير «السوشيال ميديا» ويأتون فقط لاقتنائها، والتباهي بها على «إنستغرام» أو «فيسبوك».
أقول هذا رغم أنني كنت من أوائل دور النشر التي استثمرت وجود «السوشيال ميديا» فالصورة باتت مؤثرة، لكنها باتت مستثمرة في انتشار أفقي لا يعمق المعرفة ولا يخلق قارئاً واعياً. وأراها أشبه بموضة «المدونات» التي اختفت لأنها لم تنجح في ربط القارئ بها.
> ما تفسيرك لظاهرة انتشار الكتب المترجمة في العامين الأخيرين؟
- الأمر مرتبط بمِنَح الترجمة التي تقدمها المراكز الثقافية الأجنبية، وهو أمر له شقان: شق إيجابي، حيث نعيد الجسور مع الإنتاج الفكري المعاصر للغرب، وشق سلبي هو نشر كتب غير مناسبة لثقافتنا، أو لها توجهات وأهداف معينة، وللأسف بعض الناشرين يقعون في هذا الفخ.
الترجمة مهمة لا شك لأن القارئ يكون ضامناً ماذا سيقرأ من أعمال استقرت في الوعي الجمعي العالمي، لكن للأسف مثلاً سنجد هذا العام أكثر من دار نشر ترجمت الروايات الأجنبية نفسها. هنا يجب أن نضع في الاعتبار أن القارئ أصبح لا يقبل إلا على كاتب يعرفه أو مؤثر عالمياً، ولا يقدِم على شراء كتب لكتاب جدد. هذه الكتب تحتاج إلى أن نقنع القارئ بها.
في «دار العين» بدأنا سلسلة ترجمة أعمال فرجينيا وولف بـ«غرفة يعقوب»، وسوف أستمر لأنها لم تأخذ حقها في الترجمة العربية. ونحن بصدد ترجمة رواية «أورلاندو» لفيرجينيا وولف خلال مارس (آذار) المقبل. فرجينيا وولف أول من قدم تيار الوعي، وأعتقد أنها لم تُكتشف بعد بالنسبة للقارئ العربي، وسوف نتيح الكثير من أعمالها بالعربية. وسوف نصدر رواية «الخطيئة» للكاتب الروسي زاخر ريليبن، هو كاتب معاصر ورواياته لها رواج كبير.
> هل تظل ترجمة الأدب العربي للغات الأجنبية التحدي الأكبر أمام انتشاره عالمياً؟
- نريد أن تقوم وزارتا الثقافة والخارجية بتأسيس مكاتب في السفارات لدعم الترجمة من العربية للغات الأخرى، وطالبت بذلك في يوم المترجم. لا بد أن نستغل المكاتب الثقافية في العالم لهذه المهمة، حتى لو بكتابين من كل دار نشر. بدأ اتحاد الناشرين العرب ينفّذ الفكرة على استحياء في معرض فرانكفورت. لا بد من ترجمة الكتب التي تترجم فكرنا وثقافتنا المعاصرة دون أن تكون الترجمات للكتب التي تعالج الأمور الشائكة كـزنا المحارم والشواذ، وغيرهما. مع العلم أن الكاتب لا يعيش من دخل طبعاته في مصر، وإنما من دخل وعوائد كتبه المترجمة.
> ما رأيك في ورش الكتابة، هل أضافت إلى صناعة النشر؟
- هناك دور نشر كثيرة خاضت التجربة، وهو أمر محمود، لكن يجب أن يتم تحت إشراف مبدع متمكن. لا يمكن الحكم على هذه التجربة لأنها لم تسفر عن كتّاب لهم وزن، لكنها تساهم ربما في إخراج قارئ واعٍ.
> في تقرير لأكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية، أفاد بأن معدل نشر شعر الفصحى 1 في المائة فقط مما نشر عام 2019 في مصر، كيف ترين هذه النسبة الضئيلة؟
- للأسف، الشعر لا يحقق مبيعات مهما كبر اسم الشاعر أو الشاعرة؛ لأن المناخ العام خلال السنوات العشر الأخيرة اختلط فيه الحابل بالنابل، ولم نعد في أوج ازدهار ثقافي. الشعر دائماً يعبّر عن الحالة الوجدانية للمبدعين ويرتبط كثيراً بالكثير من أحوال المجتمعات. رغم ذلك لم أتوقف بعد عن نشر الشعر. والعام الماضي كنت الدار الوحيدة التي قدمت شعراء وشاعرات من مختلف أنحاء العالم العربي. أتمنى أن أظل صامدة.
> هل يمكن أن يعزى السبب للجوائز المتعلقة بالنصوص السردية، هل غيرت من متطلبات صناعة النشر؟
- الجوائز تسببت في شيئين: أنها تصنع رواجاً، لكنها لا تصنع روائياً جيداً أبداً. صحيح تصنع شهرة للدار وللكاتب، وأحياناً كتاب يستمرون أو يختفون. المشكلة في رأيي أنها تخضع لذائقة الحكام كمعيار أولي، وهناك دور نشر ظهرت فقط من أجل الجوائز ولم تسع لتقديم خدمة ثقافية حقيقية، ثم اختفت.
> حدثينا عن إطلاق «دار العين» جائزة الكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل وأدب «النوفيلا»؟
- أعلنت عن الجائزة أثناء معرض الكويت، وبعد وفاته تقديراً له ولدوره؛ لأنه رجل وطني وعروبي وكتب ثلاثية عن القاهرة من أورع ما كتب. إسماعيل احتضن الجيل الحالي من الكتاب الكويتيين والناشرين الحاليين، وترك زخماً وبصمة في الأدب الكويتي. الجائزة مخصصة للنوع الأدبي «النوفيلا»، وهو لا يزال مهملاً في عالمنا العربي، لكن إسماعيل كان داعماً له، فجاءت الجائزة لتخلد دوره. وقصدت ألا تكون قيمتها مالية، بل أدبية من خلال نشر العمل وتعزيز للكاتب في أنحاء العالم العربي... وسيكون تقليداً سنوياً إعلان أسماء الفائزين في معرض الكويت وتكريمهم بمعرض القاهرة للكتاب.
> ما هي أبرز التحديات التي تواجهك بصفتك ناشرة؟
- التزوير وصل لدرجة مخيفة، وفي محيط وسط القاهرة (أهم بقعة في مصر) ستجدين الكثير من الكتب المزورة في الشارع، والأدهى أنهم معرفون بالاسم ويقومون بتصديرها، وتم ضبط شحنات تذهب للعالم العربي. الموزع قد يتعامل مع هؤلاء ويضر بسمعة دور النشر. وأطالب اتحاد الناشرين العرب بتنقية جداوله من المزورين؛ لأنها مهنة نبيلة لا يمكن أن تضم هؤلاء بين جداولها. لا أعلم كيف يمكن أن تنتهي هذه الدائرة الجهنمية. صناعة النشر صناعة ثقيلة ومهمة ودخل قومي لا بد أن نحميه. ناهيك عن الكتب التي تتم قرصنتها على الإنترنت.
> ما رأيك في تجارب مدن النشر، وهل تحتاج مصر إلى مدن متخصصة للنشر دفعاً للصناعة؟
- التجربة في مهدها ومدينة الشارقة للنشر بدأت تحقق نجاحاً، خاصة مع استقرار بعض الناشرين السوريين في الإمارات، وهنا يجب أن أحيي الناشرين السوريين الذين لم ينقطعوا عن المشاركة في أي معرض، وأتمنى أن تعود الأوضاع كما كانت في سوريا وأفضل.
حالياً في مصر لا نحتاج إلى مدينة نشر، لكن في حاجة ماسة إلى تخفيض الجمارك على الورق. فالورق سلعة ثقافية، كما نحتاج إلى تخفيض أسعار الأحبار والأصباغ الخاصة بالطباعة، وهو ما سينعكس بالضرورة على سعر الكتاب. نريد مزيداً من التسهيلات حتى على إرسال الكتب خارج البلاد، ونحتاج إلى عقوبات رادعة للمزور؛ لأنه يؤثر على صناعة النشر ويسبب خسائر كبيرة للناشرين.
> هل يؤثر خمول الحركة النقدية بشكل ملموس على صناعة النشر؟
- حركة النقد تعاني ركوداً، والنقاد باتوا مقلين في الكتابة ويفضلون الصالونات الأدبية أو الندوات. والصفحات الثقافية أيضاً لم تعد تلعب دورها كما يجب.
> لماذا لا نجد اهتماماً بترجمة الأدب العربي لكتاب المهجر، ولا سيما المغرب العربي الفرانكوفونيين؟
- بالفعل هي قضية مهمة يجب أن نسعى لنشر إبداعات ياسمينة خضرا، وليلى سليماني، وآسيا جبار أيضاً. هذا أمر مهم ونسعى أيضاً لترجمة روايات معاصرة من أدب أميركا اللاتينية، كما أننا في «دار العين» بصدد ترجمة روايات معاصرة من الإيطالية والألمانية.
> كيف تقيّمين انتشار نوادي القراءة في مصر وأيضاً النوادي الافتراضية؟
- هناك اهتمام كبير بالقراءة في مصر والكثير من نوادي القراءة، مجموعات قرائية كبيرة ومتناثرة وهو أمر يسعدني. الكويت من أهم البلاد التي تلعب النساء فيها دوراً كبيراً في رواج نوادي القراءة والصالونات الثقافية، وأتمنى أن تمتد نوادي القراءة للمحافظات المصرية. لكني أفضّل أن يكون نادي القراءة في مكان أو دار نشر، يساهم في بيع الكتب وتجري مناقشة حية مع الكاتب أو الروائي، وأنا بصدد تأسيس نادي قراءة في «دار العين».
> ماذا عن تطور صناعة النشر عربياً؟
- هذا العام ازدادت دور النشر الكويتية والإماراتية وهي خطوات إيجابية جداً، إلى جانب دور النشر المصرية. وهناك معارض كتب مهمة تدعم هذه الصناعة، منها معرض الرياض للكتاب وهو من أهم المعارض العربية، ولا يتم منع أي كتاب من المشاركة فيه «نهائياً»، ومعرض الشارقة الأخير للكتاب كان مبشراً.
684 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع