ميدل ايست اونلاين/ أحمد رجب:كتاب جمعه محمد عبدالفتاح صادق يتميز بملف من الصور النادرة التي توثق حياة الفنانة السورية وشهادات كثيرة للمقربين منها.
أسمهان متقلبة المشاعر، خاضعة لهاجس أنها ستموت في سن صغيرة
الفنانة السورية تعرضت للموت كثيراً
أسمهان عاشت علاقات مع رجال كثيرين أزواجا وغير أزواج
"يا ضياع المنى على أسمهان
ذهبت في شبابها الريان
ولت ولم تزل في صباحها
تتمنى الحياة ملء الزمان"
هكذا افتتح الشاعر القدير أحمد رامي قصيدته في رثاء أسمهان، معبرا عن صدمته برحيلها المفاجىء، وكانت آمال الأطرش (أسمهان) قد عاشت حياة قصيرة إذ رحلت قبل أن تتم عامها الثاني والثلاثين، لكنها كانت عامرة بالأحداث الصاخبة والعلاقات الساخنة، وهي الحكايات التي جمعها الكاتب محمد عبدالفتاح صادق في 244 صفحة شغلتها فصول كتابه "أسمهان ورحلة العمر" الصادر عن وكالة الصحافة العربية، ناشرون، القاهرة 2019.
وكان الحادث الذي أدى إلى مصرع أسمهان حادثًا عاديًا كغيره من الحوادث التى تحدث بشكل شبه يومي، لكن ما أثير حوله من الأقاويل أثار الكثير من التخمينات والاتهامات، لأن ضحيته لم تكن شخصية عادية، لذا لم يتم التعامل مع الحادث باعتباره عاديا، الكل رأوا فيه جريمة محكمة التدبير، وإن إختلفوا حول هوية الفاعل؟ وما زال الحادث لغزا حتى اليوم، ورغم مرور خمسة وسبعين عاما على وقوعه (وقع الحادث ظهيرة يوم 13 يوليو/تموز 1944 ووافتها المنية قبل ظهيرة اليوم التالي)، إلا أن روعة فنها ولغز مقتلها أبقياها في الذاكرة إلى اليوم فما زالت تدبج عنها المقالات وتصدر الكتب ومازال كنز سيرتها يحوى المطمور الذي لم يكشف عنه أحد ممن كتبوا عنها، والجديد الذي يقدمه كتابنا يتمثل في الجمع بين تفاصيل حياتها المعلنة والمعلومة فيما نشر عنها وبين جمع شهادات لمن عرفوها واقتربوا منها ومنهم من تزوجها، ومنهم من أحبها دون ان تتاح بينهما علاقة زواج.
أزواج وعشاق
كانت أسمهان متقلبة المشاعر، خاضعة لهاجس أنها ستموت في سن صغيرة فراحت تعب من متع الدنيا بشراهة ونهم لتحصل على ما تريد من سعادة لكن ذلك جلب عليها التعاسة، فقد دفعها للتقلب بين رجال كثيرين أزواجا وغير أزواج، أولهم الأمير حسن الأطرش الذى انتزعها من القاهرة حيث طموحها الفنى وعاد بها إلى جبل الدروز تاركة الفن وإسمها الذى أحبته وعرفت به، ربما لذلك أفرطت في التدلل عليه، وكانت تسرف في الشراب والإنفاق حتى انتهى الأمر بطلاقها من الأمير، لتعود إلى القاهرة وتتزوج من المخرج أحمد بدرخان زواجا عرفيا يستمر لأربعين يوما، وفى نوبة غضب تمزق ورقة الزواج معلنة طلاقها، ثم تعرفت على المطرب فايد محمد فايد الذي قيل أنه تزوج أكثر من خمسين إمرأة قبل أن يتزوج بأسمهان، تبادلا الإعجاب وفي الليلة التالية تزوجت منه ولم تكمل الزيجة شهرا، فالمقربون منها قالوا أنها قبلت الزواج منه حتى يتاح لها الحصول على الجنسية المصرية فلما تأكدت من أن الملكة نازلي لن تدعها تحصل على الجنسية طلبت الطلاق منه، و بعد مدة تزوجت من الممثل والمخرج والطيار أحمد سالم الذي أطلق عليها الرصاص لكنه لم يُصبها، بعده عادت لزوجها الأول وعادت لجبل الدروز، و قيل أن عودتها كانت استجابة لطلب من المخابرات البريطانية، وقيل أيضا أنها كانت على علاقة برئيس الديوان الملكي محمد حسنين باشا، وقيل أنها كانت من محظيات الملك فاروق، هذا غير علاقتها بالصحفى محمد التابعي، وهكذا توزعت حياتها بين الفن والرجال حتى لقت مصرعها.
لغز بشري
كثيرة هي الكتب التي تناولت حياة أسمهان ولغز مصرعها، لكن كتاب "أسمهان ورحلة العمر" يتميز بميزتين توافرتا فيه، تتمثل أولاهما في ملف الصور الذي يختتم به المؤلف كتابه، وهو يضم عدد غير قليل من الصور النادرة التي توثق لحياة أسمهان منذ طفولتها وحتى مصرعها، بينما الميزة الثانية نجدها في الشهادات التي ضمها حول أسمهان من كل المقربين منها ومنهم شقيقها فؤاد، وأقرب أصدقائها محمد التابعي، وأحد أزواجها وهو أحمد سالم، وبالرغم من أن هذه الشهادات متواترة في الصحف والكتب إلا أنها جمعها معا في كتاب واحد يسهم في تشكيل صورة حقيقية للمطربة التي وصفها من عرفوها بأنها لغز بشري دائم الحركة والإبهام.
ويذكر الكتاب أنها تعرضت للموت كثيراً.. منها الموت غرقاً قبل وفاتها بسنوات على شاطئ المنتزه ولكن تم انقاذها في اللحظة الأخيرة. وأسمهان هي أكثر الفنانات تعرضاً للاغتيال، فقبل موتها بأيام كانت تقف في شرفة منزلها وأطلق عليها مجهولون الرصاص لكن مرت الرصاصات بجوار رأسها وأغمي عليها من هول المفاجأة، كما أطلق عليها زوجها الخامس أحمد سالم الرصاص وأخطأها وطاشت الرصاصات، ويحكي سالم عن تعدد محاولاتها العديدة للانتحار، ومنها محاولة بابتلاع عبوة كاملة من أقراص الأسبرين، وكانت يومها في فندق مينا هاوس بالهرم ولكن أنقذتها صديقتها ماري قلادة، فقد كانت أسمهان تريد أن تتخلص من حياتها بأية طريقة خوفاً من الموت، وكان علاجها من وجهة نظرها هو مجابهة الموت بالموت نفسه.
https://www.youtube.com/watch?v=oqh60M05Vmo
وكانت أسمهان سوداوية النظر إلى الحياة.. بل كان عشقها الأول هو زيارة المقابر مع شقيقها الأكبر فؤاد، وكانت تقف متأملة سكون المقابر بالساعات قبل أن تعود دامعة العينين. بينما يلمح شقيقها فؤاد إلى دور للمخابرات البريطانية في اغتيالها، ومحمد التابعي يصف أسمهان بأنها كانت مجموعة من المتناقضات، فتزوجت عرفيا من المخرج أحمد بدرخان، وهو أمر مهين لها، فطلقت منه، ثم استجابت لوساطات الأصدقاء ومنهم التابعي لتعود له، ثم تراجعت عن ذلك، وعن شخصية أسمهان يذكر التابعي قصصا عن إسرافها في الإنفاق وفي الشراب وعن زهدها في المال، ويلخص ذلك بقوله "الحكم عندها للعاطفة.. أما المادة فلا شيء".
وهكذا تحكي كل شهادة واقعة ما، أو تعطي تفسيرات مختلفة لواقعة ما بحيث تسهم في فهمها فهما صحيحا، وهكذا تتراص الوقائع والأحداث بتوالي الشهادات من الشقيق ومن الصديق ومن الزوج وكلهم يحكي حكاية عاينها وعرفها فتصبح الشهادات كقطع من لوحة بازل لا تكتمل الحكاية إلا برصها معا متجاورة، وكل شهادة في موقعها الصحيح من الشهادات الأخرى، وبذلك التجاور وذلك التكامل يتميز الكتاب وتتميز روايته لقصة أسمهان عن غيره من عشرات الكتب التي روتها. (وكالة الصحافة العربية)
651 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع