باموك في أحد مقاهي طهران التراثية
دور النشر تواجه خطر الإفلاس... وتراجع الشراء في معرض إيران الدولي للكتاب
الشرق الأوسط/طهران: فراز صفايي:«على الصعيد الشخصي، بصفتي كاتباً إيرانياً، أشعر بالخجل من أسلوب التعامل مع أورهان باموك». هذا ما قاله مصطفى مستور الروائي الإيراني الأكثر قراءة، وهو واحد من قلائل الكتاب الإيرانيين الذين احتجوا على حظر فعاليات الروائي التركي الفائز بجائرة «نوبل» أورهان باموك على هامش معرض طهران الدولي للكتاب. الآخرون للأسف التزموا الصمت.
باموك الذي تحظى مؤلفاته باهتمام كبير من القارئ في إيران، تزامنت زيارته إلى طهران مع معرض الكتاب هذا العام لكي يشارك في عدد من الفعاليات؛ مثل توقيع كتبه في المعرض، وإلقاء خطاب في «بيت العلوم الإنسانية»، إضافة إلى توقيع كتبه في إحدى دور النشر وسط العاصمة.
لم يذكر المسؤولون في الجهات المعنية سببا لإلغاء الفعاليات، لكن الروائي مصطفى مستور في حسابه الرسمي عبر شبكة «إنستغرام» قال تعليقا على المنع: «بغض النظر عن أنه (المنع) غير أخلاقي وغير مدني، توضح هذه الحالة إلى أي درجة يجهل بعض المسؤولين في الأجهزة الثقافية مفاهيم مثل التنمية الثقافية والتعاون الثقافي»، مشيرا إلى وجود «نظرة أمنية» خلف ستار منع أنشطة باموك. بأيام قبل ذلك، قال أحد النواب المحافظين في البرلمان الإيراني إن باموك «ضد الدين وضد الثقافة والأمن»، مطالبا الأجهزة الاستخباراتية بملاحقة منظمي هذه الأنشطة. هنا نفهم كيف تتعامل السلطة مع الفعاليات الثقافية.
باموك ليس اسما مجهولا في الأوساط الثقافية والأدبية في إيران... كتبه المختلفة ترجمت إلى اللغة الفارسية وصدرت في عدة طبعات. من أجل ذلك، لم يكن مستغربا أن تحظى زيارته باهتمام كبيرة في إيران، سواء من جانب القراء أو وسائل الإعلام.
وتشير التقارير إلى أنه على الرغم من حظر أنشطة باموك في معرض الكتاب، فإن المئات من معجبيه وأهل الأدب طرقوا أبواب دار النشر التي استضافته؛ دار نشر «ققنوس». وعلى صعيد وسائل الإعلام، فإن ثلاثاً من أهم الصحف التي تمثل الجيل الجديد في إيران (صحف «اعتماد» و«شرق» و«سازندكي») خصصت صورة الصفحة الأولى والعنوان الرئيسي لزيارة باموك وأجرت حوارات مفصلة مع الروائي التركي.
باموك أظهر للقارئ الإيراني في الحوارات الثلاثة مدى اطلاعه الواسع على الفكر الإيراني. تحدث بإسهاب ووعي عميق عن آراء علي شريعتي وحسين نصر وداريوش شايغان وصادق هدايت، وانتقد بشدة سياسات الرقابة، معرباً عن أمله بأن تحترم السلطات الإيرانية حق التعبير.
وأورهان باموك هو الفائز الوحيد بجائزة «نوبل» للآداب الذي يزور طهران بعد الثورة الإيرانية في 1979. ومن هذا المنطلق، فإن حضوره ومنع فعالياته قد يعد أهم حدث في الدورة الحادية والثلاثين من المعرض، حتى أكثر أهمية من عدم حضور الرئيس الإيراني حسن روحاني مراسم الافتتاح.
وخارج هذا الحدث، فإن المعرض، الذي ينظم بعد 31 عاما في جامع، يكشف، كما يقول ناشر كبير لـ«الشرق الأوسط»، الوضع المأساوي للكتاب في إيران.
يقول الناشر، الذي يفضل عدم ذكر اسمه، إن عددا كبيرا من أصحاب دور النشر اتجهوا لأعمال أخرى، فعدد طبعات الكتب غير الدراسية لا يتجاوز عادة 300 نسخة، مما يظهر تراجعا بنسبة 90 في المائة مقارنة بالسابق، وحتى هذا العدد القليل لا يجد طريقه للبيع. فنظرة خاطفة على نسبة القراءة تبين أنها واحدة من أقل المعدلات في العالم.
ووراء ذلك عدة أسباب؛ منها الأسعار المرتفعة للكتب، وتفاقم سعر الدولار، فالورق أغلبه مستورد. وكان وزير الثقافة الإيراني قد وعد في مراسم افتتاح المعرض بأن توفر الحكومة الورق بسعر الدولار الرسمي. قال ذلك بتفاخر. لكن الناشرين يقولون خلاف ذلك.
وفي صالة دور نشر الكتب الأجنبية، يمكن رؤية تأثير السعر على شراء الكتب بشكل أوضح. صالة تضم نحو 400 دار نشر وتعاني اليوم من تراجع الزيارات بشكل مثير للقلق. سألت البائع عن سعر رواية، فقال إنه 1.7 مليون ريال، أي ما يعادل سدس الحد الأدنى للراتب في إيران. البائع يقول سعر الكتب لم يرتفع، لكن قيمة العملة الإيرانية تراجعت.
لكن الأسعار ليست المشكلة الوحيدة. يقول ناصري، ناشر مختص بنشر كتب علم الاجتماع، إن «أصعب شيء نواجهه هو الرقابة، مما تسبب في بقاء عشرات الكتب في مخازن وزارة الثقافة لعدم حصولها على رخصة النشر لمعارضتها السياسات الرسمية».
الحكومة ورئيس الجمهورية روحاني وعدوا مرارا بحل المشكلة، لكن الوضع على ما يبدو يزداد سوءا. بحث بسيط في المطبوعات يبين أن هناك كمّاً كبيراً من الكتب لم يحصل على ترخيص بسبب قضايا فكرية مخالفة لـ«سياسة الدولة». وتكون المشكلة لافتة عندما يجاز كتاب ما، لكن السلطات تجمع الكتاب من الأسواق بعد نشره بسبب ضغوط بعض «المراكز الآيديولوجية». نموذج لهذا حدث في معرض هذا العام، فقد صادرت السلطات 35 كتابا لتعارضها مع «قوانين الجمهورية الإسلامية»؛ على الرغم من أنها كانت قد حصلت على ترخيص وزارة الثقافة والإعلام للنشر، هذا فضلا عن عشرات الكتب التي صادرتها السلطات لاستخدامها تسمية «الخليج العربي».
إلهام فتاة محجبة تعمل في إحدى دور النشر المقربة من الأجهزة الدينية، تتساءل: من يقول إن الكتاب في أزمة؟ مبيعاتنا كانت جيدة.
ولكن عندما تلقي نظرة إلى كتب دار النشر التي تعمل بها إلهام تجد أن الصبغة الطاغية هي الدينية وخاصة الطائفة الشيعية. وعندما تنظر للأسعار تجدها أسعاراً معقولة. وهي تعترف أن وزارة الثقافة لديها حصة كبيرة من مبيعات دار النشر، ما يعادل 25 في المائة. وهذا يظهر أن وزارة تدعم هذا الفريق من دور النشر وهذا النوع من الكتب.
«الكتاب يجب أن يهدي الإنسان ونقيض ذلك يكون كتابا ضالا يحرم بيعه وحيازته». هذا رأي المرجع الشيعي مكارم شيرازي، المرجع المتشدد المقرب من الحكومة والذي يملك إحدى دور النشر المشاركة في المعرض. والكتاب الضال برأيه هو الكتاب الذي لا يعكس وجهة الحكومة والمؤسسات الرسمية!
هذا الدعم من الجهاز الديني كان السبب في تزايد مبيعات الكتب الدينية مقارنة بالعام الماضي، على الأقل من حيث الأعداد، إذ كانت حصيلة المبيعات في معرض كتاب طهران هذا العام 1000 مليار ريال، وهو ما يظهر ارتفاعا بنسبة 10.5 قياسا إلى نسخة العام الماضي من المعرض. وزير الثقافة يتفاخر بذلك لكنه لا يشير إلى التضخم السنوي الذي إذا حسبناه ستكون النتيجة تراجع المبيعات مقارنة بالعام الماضي؛ التضخم في مجال الكتب كان بين 15 إلى 20 في المائة.
لكن أهل الكتاب يختلفون مع الوزير. يقول كاتب: «إنهم يبيعون الكتب الدينية إلى درجة تغطي تراجع المبيعات في الحقول الأخرى».
هذا وشارك في معرض طهران للكتاب الدولي الـ31 أكثر من 2300 دار نشر من بينها 400 دار نشر أجنبية في مصلى بطهران، وهو أكبر حدث ثقافي في بلد تحولت فيه صناعة الكتاب إلى صناعة مفلسة بسبب سياسات الحكومة. ونموذج ذلك، الاختفاء اليومي للمكتبات في شارع «انقلاب» وسط طهران، القلب النابض للكتاب في البلاد، التي تحولت إلى متاجر لبيع السلع الأخرى.
639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع