كتّاب وسينمائيون وموسيقيون وجمهور من القرّاء قادمون من إيطاليا، واختاروا التوجّه إلى إسبانيا للاحتفال باليوم العالمي للكتاب في البلد الأخير.
وكالات – إرم نيوز:من حلق الوادي التونسية إلى ساليرنو الإيطالية.. ومن روما إلى برشلونة.. ومن كاتانيا بإيطاليا إلى طنجة المغربية، ومن إزمير التركية إلى برينديزي الإيطالية.. تعدّدت السبل والمرافئ، بيد أنّ المغزى والهدف واحد، والمكان أيضا.. إنه البحر الأبيض المتوسّط في أبهى حلله وهو ينسج أواصر الوحدة بين جميع البلدان المطلّة عليه، من خلال “المكتبة العائمة”، أو السفينة المحمّلة بالكتب، هذه المبادرة التي أطلقها إيطاليون، في خطوة يسعون إلى تعميمها على جميع بلدان المتوسّط.
وإلى جميع هؤلاء الساعين إلى زرع بذور الإنقسام والتشتّت، فإنّ إجابة سيرجيو أوريكيو، المسؤول عن التحرير بالمجلة الإيطالية الشهرية “القراءة للجميع”، وهو أيضا أحد المروّجين لتظاهرة “سفينة الكتب”، كانت لتكون حاسمة: “فلتعلموا أنّ الثقافة هي ما يجمعنا”.
الحدث يفرض نفسه لأهمّيته ولأبعاده، فهذه السفينة العائمة المحمّلة بالكتب، أو هذه المكتبة العائمة، ستنطلق، خلال إحدى رحلاتها الرابطة بين ميناء “تشيفيتافيكيا” بروما وصولا إلى برشلونة الإسبانية، محمّلة بمسافرين غير اعتياديين..
كتّاب وسينمائيون وموسيقيون وجمهور من القرّاء قادمون من إيطاليا، واختاروا التوجّه إلى إسبانيا للاحتفال باليوم العالمي للكتاب في البلد الأخير، والذي يتوافق مع الـ 23 من شهر أبريل/ نيسان الجاري. رحلة بحرية ستكون فرصة لعدد من الكتّاب الإيطاليين ممن جمعهم عشق الكلمات، من سرد رواياتهم واستعراض كتاباتهم، وتجاربهم وتطلّعاتهم وحتى أفكارهم من أجل منطقة متوسّطية موحّدة وآمنة.
دييغو دي سيلفا، وإيمانويلا إيرسيليا عباس، والإيطالية من أصل لبناني، ليلى الخليل، وأيضا الإيطاليان من أصل صومالي، أوباه كريستينا وعلي فرح، وغيرهم، ممن قرروا المشاركة في هذه التظاهرة في نسختها السابعة، والتي من المنتظر أن تعقد من 20 إلى 24 من هذا الشهر، حول موضوع “الهجرة”.
أوريكيو أضاف: “نتطلّع إلى إثراء الأدب في حوض المتوسّط، وتعزيز السلام والتضامن في مواجهة جميع الحواجز الثقافية”، و”لئن اخترنا موضوع الهجرة لمناقشته خلال رحلتنا، فلأننا على قناعة تامّة بأنّ إدارة هذه المسألة بطريقة مناسبة من شأنه أن يجعل من المهاجرين فرصة بالنسبة لأوروبا وليس إشكالا”.
فـ “اليوم”، يتابع بحماس، “توجد جالية تونسية في إيطاليا، تماما كما توجد جالية إيطالية في تونس، والتكامل الثقافي والاجتماعي في اعتقادي يشكّل أفضل ردّ على الصراعات”، و”نحن نخطّط لتنظيم رحلة لسفينة الكتب، تتوقّف في مختلف دول الحوض (المتوسّطي) لاستقبال الكتاب والقرّاء في تلك الأنحاء، وسيكون ذلك بمثابة الردّ الشافي على هؤلاء الساعين إلى الإنقسام، والتذكير بمكانة الثقافة، لأن أولئك الذين يعشقون ثقافة شعب وكتبه ومطبخه لا يسعهم أبدا أن يصبحوا أعداءه!”.
أوريكيو خلص إلى أنّ “سفينة الكتب” تشكّل جسرا بين الثقافات، دون إغفال حقيقة أنّ أولئك الذين تمكّنوا من عبور المتوسط منذ قرون، وغيرهم من المثقّفين، استطاعوا، وبشكل قاطع، تغيير ملامح هذه المنطقة، بينهم قسطنطين الإفريقي (نحو 1015- 1087)، هذا الطبيب المستعرب المولود في قرطاجة أو القيروان بتونس، والذي غادرها على متن سفينة محمّلة بالمؤلّفات العلمية العربية، والمأخوذة من جامعة الزيتونة بتونس، متوجّها نحو ساليرنو جنوبي إيطاليا.
وبوصوله إلى مدينة “كامبانيا” الساحلية على بعد حوالي 50 كم من نابولي، اعتزل في الدير البنديكتي بمونت كاسينو، غير بعيد عن ساليرنو، حيث قام بترجمة أكثر من 10 من المؤلفات العربية، وخاصة الطبّية منها، إضافة إلى بعض المؤلفات اليونانية.
وتعتبر نصوص قسطنطين المترجمة من الأسس التي تستند عليها “المدرسة الطبية الساليرنية”، أوّل جامعة قروسطية على الساحل الإيطالي الجنوبي في ساليرنو، بل إن معاصري القرن الحادي عشر، الحقبة التي تأسست فيها هذه الجامعة، كانوا يعتقدون أن تلك الترجمات كانت من تأليف قسطنطين (يقال أيضا إنّ الأخير نسبها إلى نفسه)، لما كان لها من تأثير على مجال الطب بشكل عام، وهذا التأثير ما يزال ساريا حتى اليوم، بحسب جاكلين بروسوليت في مقالها بعنوان “قسطنطين الإفريقي (1015- 1087)”، الصادر بالموسوعة العالمية لعام 2015.
“إفريقي” آخر، من الشمال، وهو الحسن الوزان الشهير بـ “ليون الأفريقي”، أو “يوحنا الأسد الأفريقي”، (بعض المؤرخين يرجحون أنه ولد عام 1495 والبعض الآخر في 1500) والذي اشتهر بمؤلّفاته الجغرافية، أبرزها “وصف أفريقيا”، ويعتبر من المستكشفين، وهو أيضا دبلوماسي خلال القرنين 15 و16 ميلادي.
قبض عليه في البحر من قبل صقلّيين، في العام 1578، لدى عودته من أداء مناسك الحج في مكّة المكرّمة، إلى المغرب، ليقدّم هدية للبابا “ليون العاشر”، ليمنحه الأخير اسمه. وطوال فترة إقامته في إيطاليا، تعلّم لغة هذا البلد، إضافة إلى اللاتينية والعربية، قبل أن يؤلّف كتابه الشهير “وصف أفريقيا”، والذي يعتبر حتى اليوم، المصدر الوحيد للمعلومات عن الأخلاق والعادات والتقاليد الإفريقية في القرن الـ 15 ميلادي.
تلاقح للثقافات يؤمّنه، منذ الأزل، البحر الأبيض المتوسّط، عبر ممراته التي سلكها مفكرون ومثقّفون وكتاب شكلوا على مدار السنين، همزة وصل وجسر تبادل بين مختلف حضارات البلدان المطلّة عليه.
615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع