مصالح القوى الكبرى وطموحات الهيمنة محركات الحروب العالمية

مجيد ملوك السامرائي[*]

مصالح القوى الكبرى وطموحات الهيمنة محركات الحروب العالمية

منذ فجر الحضارة كانت الموارد الأرضية هي العامل الرئيس للصراعات بين الشعوب والأمم، وأوجد تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية جغرافيا؛ ديناميكيات جديدة ومعقده في الصراعات العالمية، ولذلك فأن الحروب الكبرى ومنها الحربين العالميتين الأولى والثانية لم تنشأ من فراغ وانما؛ نتيجة تفاعلات معقدة بين متغيرات الجغرافية السياسية التي اثرت في قوة الدول؛ العسكرية ونفوذها السياسي وطموحات الهيمنة والتوسع.
متغيرات الحروب العالمية:
تسببت التفاعلات المعقدة بين المتغيرات الجيوسياسية - الجيوبوليتيكية (السياسات الجغرافية الخارجية للدول) والتي اثرت في قوتها العسكرية ونفوذها السياسي وطموحاتها التوسعية؛ في ما شهده العالم في القرن العشرين من حربين عالميتين كأعنف الصراعات في التاريخ الحديث. وأبرز متغيرات الحروب العالمية مايلي؛
تفكك النظام الدولي التقليدي، فكما تراجعت عصبة الأمم قبل الحرب العالمية الثانية فأن العالم يواجه اليوم مؤشرات على ضعف فاعلية المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسط تصاعد الصراعات دون حلول جماعية فاعلة.
التحولات التحالفية الدولية الكبرى المتمثلة باصطفافات جديدة بين قوى كبرى كروسيا والصين مقابل الغرب، مع) التحالفات الإقليمية التي تتشكل بناءً على مصالح ضيقة)؛ تعيد للأذهان التصلب التحالفي الذي سبق الحربَين العالميتين.
سباق التسلح التكنولوجي لم يعد كما كان سباقا تسليحيا تقليديًا وإنما أخذ طابعًا سيبرانيًا (الطابع الرقمي/ الإلكتروني باختراق الأنظمة، والحرب الإلكترونية، والتجسس الرقمي)، وفضائيًا/ بالأقمار الصناعية، و نوويًا/ بانتشار تخصيب اليورانيوم.
انتشار صناعة واستخدام الطائرات المسيّرة على نطاق واسع. والتطور الاحدث والذي يدخل في كل مفردات المتغيرات السابقة هو؛ تنامي دور تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات العسكرية.
المتغيرات الثقافية والدينية؛ تجسد الاستقطاب الثقافي والديني في العقود الأخيرة بتصاعد النزاعات ذات الطابع الديني والطائفي سواء بين الدول أو بداخلها، مما أوجد حالة من (الهوية القاتلة) تبرز بتصارع السرديات الكبرى والرموز الحضارية (المتمثلة بالصراع بين رؤى وأيديولوجيات كبرى مثل الديمقراطية مقابل السلطوية، والصدام بين القيم والرموز الثقافية/ اللغة، الدين، التاريخ، الهوية). أضافة الى طموحات (الهيمنة الإقليمية) من قبل دول تعتقد بأنها تمتلك مفاتيح القوه الغاشمة والقرار، وهذا ما يعمّق الانقسام ويغذّي الحروب.
التغيّرات البيئية المتمثلة بالاحتباس الحراري يسهم في؛ شح المياه وتدهور الزراعة وتهجير السكان مما يولد أزمات بيئية تقود الى صراعات إقليمية أو دولية. كما تؤدي الهجرة والنزوح القسري الى تزايد التوترات الديمغرافية والثقافية داخل الدول المستقبِلة للمهاجرين من خلال؛ صعود اليمين المتطرف الذي يدفع الدول المستقبِلة إلى التقوقع على هوياتها، ويقلل من فرص التعاون الدولي.
المؤشرات الحرارية للمناطق الساخنة عالميا عام 2025:
وفقا لما أورده مجلس العلاقات الخارجية (CFR) (مؤسسة أمريكية مقرها نيويورك تهدف إلى تحليل السياسة الأمريكية الخارجية)؛ فأن هناك اليوم أكثر من 30 صراعًا نشطًا حول العالم، وهذا أعلى عددا منذ نهاية الحرب الباردة. ويرى 91% من قادة الأعمال أن النزاعات الجيوسياسية هي الخطر الأكبر في السنوات القادمة، وذلك وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (منظمة دولية غير حكومية مقرها سويسرا) لعام 2024. كما اوضح صندوق النقد الدولي (2025)؛ بأن نسبة التضخم العالمي بلغت في المتوسط 6.4% في الاقتصادات الناشئة وهذا ما يغذي النزعات القومية والشعبوية (فكرة مواجهة الشعب للنخبة). وقد رفعت 73% من الدول الكبرى ميزانياتها الدفاعية بنسبة تفوق 15% خلال عامي 2023– 2024. وبناء على ما أورده تقرير CSIS (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) و RAND (مؤسسة بحثية تقدم دراسات للجيش والحكومة الأمريكية) فأن؛ 40% من ميزانيات الدفاع في الدول المتقدمة موجهة الآن إلى تعزيز تكنولوجيا الفضاء، والأمن السيبراني، وتطوير الاستخدامات العسكرية لتقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وابرز الأمثلة على ذلك قيام الصين والولايات المتحدة بتنفيذ أكثر من 10,000 تجربة سنوية في مجالات الذكاء الاصطناعي العسكري.
يمثل الشكل البياني أدناه المستويات الحرارية عام 2025 للمناطق الساخنه عالميا، وتعتمد هذه المستويات على ثلاثة مؤشرات رئيسة؛ (احتمالية التصعيد)، و (التأثير الجيوسياسي؛ أي تأثير دولة أو تحالف على القرارات الدولية عبر القوة العسكرية والاقتصادية والتحالفات والموقع الجغرافي)، و (تداخل مصالح القوى الكبرى).

مستقبل الحروب العالمية الكبرى:
استشرافا لمسارات الحرب والسلام في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، ومن خلال (الربط المفاهيمي بين "دوائر النار" ؛ كـمؤشرات على انتشار الصراعات الجيوسياسية العالمية من منطقة جغرافية إلى أخرى)؛ فأن استشراف المستقبل يعتمد على تحليل عميق للأنماط الجيوسياسية السابقة والحالية وبيان مستوى التقارب بين متغيرات الحربين العالميتين، والمتغيرات الحالية/ اليوم وكما يلي:
1- مستوى التقارب بين (المتغيرات الاجتماعية آنذاك) يتمثل بصعود قوميات متطرفة واستياء شعبي واضطرابات طبقية. أما اليوم فهناك؛ الهجرة الجماعية وتصاعد الشعبوية والتفاوت الطبقي والاحتقان الداخلي في الدول الكبرى، وعليه فأن (مستوى التقارب متوسط) اذ ان النزاعات الاجتماعية قائمة ولكنها لا تزال تحت السيطرة السياسية.
2- مستوى التقارب بين (المتغيرات الاقتصادية آنذاك) يتضمن؛ أزمة الكساد والتضخم والبطالة والتسابق على الأسواق. أما اليوم فهناك؛ أزمة طاقة وتضخم عالمي وركود محتمل وسباق تقني تسليحي بين القوى الكبرى، وعليه فأن (مستوى التقارب واضح نسبياً) اذ ان هناك ملامح تنافس اقتصادي شرس بين (الغرب/ أمريكا وأوروبا) و (الصين وروسيا).
3- مستوى التقارب بين ( المتغيرات السياسية آنذاك) يتضمن؛ التحالفات المتوترة وضعف المنظمات الدولية وصعود الأنظمة الديكتاتورية. أما اليوم فهناك؛ التوتر الحاد بين حلف الناتو وروسيا على خلفية الحرب الأوكرانية المستمرة، وتراجع فاعلية الأمم المتحدة، وتتنامى الأنظمة الاستبدادية، وعليه فأن (مستوى التقارب عالٍ) اذ أن النظام العالمي عموما يشهد استقطابا سياسيا شديدا.
4- مستوى تقارب (المتغيرات الجغرافية/ الجيوسياسية آنذاك) تتضمن الصراع على النفوذ في أوروبا وآسيا. أما اليوم فهناك؛ التوتر حول تايوان وأوكرانيا والشرق الأوسط والقطب الشمالي، وعليه فأن (مستوى التقارب كبير) فالمناطق الساخنة اليوم تُشابه جغرافياً البؤر السابقة لانفجار الحروب العالمية.
أن استشراف مستقبل مسارات الحرب والسلام عالميا يشير الى؛ ان هناك تشابه نسبي واضح بين بعض متغيرات الماضي ومتغيرات الحاضر خاصة على المستوى الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي. فمتغيرات النزاع اليوم؛ تزيد من خطر سوء التقدير، والتصعيد المفاجئ للضغوط الاقتصادية والاجتماعية العالمية، وتغذي النزعات القومية، وتؤدي الى تزايد "دوائر النار" بانتشار مناطق النزاع والصراع العسكري والسياسي في عدة مناطق جغرافية حول العالم. ومع ذلك (لا يمكن الجزم باحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة، فالردع النووي للقوى الكبرى يجعل من الحرب الشاملة خيارًا مدمّرًا للجميع)، ولكن الردع النووي ( لا يلغي خطر الحروب الإقليمية الكبرى) التي قد تتوسع بالخطأ أو التصعيد. وعليه لا بد من؛ إعادة هيكلة المؤسسات الدولية لتكون أكثر تمثيلًا وتوازنًا، وتفعيل الدبلوماسية الوقائية عبر الوساطة والسياسات الحكيمة، والعمل الجماعي والتعاون الدولي في مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية، وخفض المستويات الحرارية للمناطق الساخنة حول العالم الى ادنى مرتبة ممكنة، فالعالم ينقصه الفعل المبكّر القائم على الوعي التاريخي بأن؛ "دوائر النار" التي نراها اليوم تنتشر عالميا من أوكرانيا الى تايوان ومن القرن الافريقي الى غزة والضفة الغربية ومن ايران وباكستان والهند الى منطقة بحر الصين، هي حروب قابلة للتصعيد والاتساع.

المراجع:
1. https://www.chathamhouse.org/topics/conflict

2.https://www.britannica.com/event/World-War-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مجيد ملوك السامرائي Majeed Malok Asamarrai جغرافي، كاتب، مؤلف واستاذ جامعي، ولد في مدينة سامراء – العراق. نال من جامعة بغداد شهادة الدكتوراه في الجغرافية 1996 وحصل على درجة (professor) 2004. شارك في 24 ندوة ومؤتمر، واشرف على 16 وناقش 43 من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه. ألف ونشر 56 كتابا ونشر 79 بحثا، و28 مقالة. استشاري وخبير علمي للعديد من المجلات العلمية، وعضوا في العديد من الاتحادات العلمية. نال 16 تكريما وشهادة تقديــر، ومرشحا متميزا ليوم العلم للسنوات 1997 و 2008. وفي 2024 عده الاتحاد الدولي للمبدعين في العراق من ضمن ابرز ثمانون مبدعا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

598 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع