حوار مع الناقد السوري عصام شرتح "(حلقة ثالثة) حوار القاصة و الكاتبة فداء شرتح.

   

حوار مع الناقد السوري عصام شرتح "(حلقة ثالثة) حوار القاصة و الكاتبة فداء شرتح.

 

1-ما هو معيار القيمة الجمالية في الحكم على النصوص الشعرية التي تتناولها بالدراسة ؟ هل ثمة معيار أو رائز فني تقيم فيه النص ؟ وما هي النصوص الإبداعية التي تثيرك وتحرك فيك  اللذة والقشعريرة الإبداعية في تلقيك النص الشعري بوصفك ناقداً من الطراز الرفيع في هذا المجال؟!! والدليل على ذلك احتفاء المجلة الثقافية على الشاشة الصغيرة بقراءتك النقدية على الكثير من الدواوين الشعرية من (عام 2005-2010)،كان لك زاوية خاصة بعنوان( قراءات نقدية، أو قراءات أسلوبية في الحداثة الشعرية) كنت في كل حلقة تعلق أسلوبياً على ديوان من دواوين الشعر الحديث  في تلك الفترة الناصعة في حياتك. ما هو معيارك النقدي ؟وكيف تقيم نفسك إبداعياً في هذا الخصوص؟!! ولماذا لا تنتقد أعمال الشاعر سعد الدين كليب الشعرية وهو من المساهمين في تدميرك في أهم مفصل من مفاصل حياتك النقدية لتنال منه كما نال منك باستصداره للقرار الجائر بشطب أطروحتك قبل أيام من مناقشتها؟!!.
-لا روائز محددة في الإبداع ، الإبداع الحقيقي هو- دائماً- فوق كل المعايير، والقواميس، والأطر، الإبداع حركة دائبة لا تستقر. مغامرة تبقى بحاجة إلى اكتشاف ،وبحاجة إلى امتلاء. ولهذا،  لا اعتمد مقياساً علمياً دقيقاً لقياس شعرية النص أو قيمته الإبداعية كمقياس الضغط أو مقياس الحرارة لأزن دقائق الأشياء.. هذا  - باختصار- يصلح في الأعمال العلمية أو التجارب الفيزيائية... الإبداع هو هذا الأفق الممتد المتنامي الذي ينأى عن القياس، أو التحديد، والتقييد، والتقعيد، وأنا لا اعتمد  الذائقة الأدبية فقط في تلقي النص الإبداعي ، هناك عمل مكثف أقوم فيه حتى يمكنني تلقي النص، وفك شفيراته المستعصية التي تبدأ ،وتنطلق أساساً  من حبي للنص المنقود ،من خلال استفزازه لي لإملاء النص، بالرؤى، والتقنيات، والمؤثرات الإبداعية التي تتسع، وتتسع ،لتجعلني دائماً اكتشف جديداً به ؛ولهذا أنا أعشق النصوص الإبداعية الصعبة التي تتطلب قوة في الطرح، والتفافاً في الرؤية، وكثافة في تنويع الرؤى، والدلالات، والرموز، وأرى في كل رمز اكتشفه تحدياً لمهارتي، وإبرازاً لها،ولهذا أنا أحتفي بكل ما يحرك في الحساسية الجمالية، ومهارة الاكتشاف، ولذلك ، أنا لا أنظر إلى النص المنقود على  أنه نص أحادي.. في رؤاه، ومنظوراته، ومحاوره،.. أنا أراه غابة متشعبة الرؤى، والدلالات، والاتجاهات؛ ولهذا أخوض فيه، وأنا أعلم أن اكتشافاتي على النص ينبغي أن تضيف ما هو جديد  للنص، وإلا لا قيمة لكل ما كتبت، ولا قيمة في كل ما اكتشفت. ومن هنا لا يمكن أن يحقق الناقد رؤية نقدية خلاقة إن لم تكن ثمة إضافات مهمة على النص،وما من ناقد أو قارئ مهم إلا وكانت له إضافاته المميزة في الرؤية، والاكتشاف، ودقة الحكم النقدي، ولهذا، فإن من يشتغل في حقل النقد التأسيسي المؤثر يعي أن النقد مجازفة ليست رابحة على الدوام، وليست خاسرة على الدوام كذلك، إنها دائماً صراع بين ا(لقارئ المبدع) و(النص)،ومتى وصل الناقد إلى أحكامه الدقيقة التي تكون مستخلصة من عمق النص لا مسقطة عليه من الخارج؛ فمعنى ذلك أنه حقق قيمة نقدية قرائية تضيف إلى النص، ولا تكون عائقاً أمام تلقيه،وإنما تخلق متعة التلقي، لأن القراءات التي تضيف هي التي تثري النص، وتغنيه، وتغذيه للاستمرار في  ركب الحياة المتصاعد، وتمنحه الخصوبة دوماً،ومن يبحث عن الإضافات المهمة على النصوص الإبداعية المؤثرة فلن ينسى الإضافات المبتكرة لصلاح فضل خاصة كتابه (أساليب الشعرية المعاصرة)،واللمسات النقدية الساحرة من الناقد محمد العبد في كتابه (إبداع الدلالة) وغيرهم كأمثال:  وشكري عياد، محمد لطفي اليوسفي، وحاتم الصكر، وعلي جعفر العلاق. ولا ننسى لمسات المبدع الخلوق محمد صابر عبيد، وحساسية المبدعة الناقدة الجليلة بشرى البستاني- ودرتنا الأنثوية في النقد الجمالي السوري خلود ترمانيني.
وأعتقد بأن ما قدمته من إضافات جديدة  في أعمالي النقدية المتتالية عن نصوص الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل ما شكل إضافة قد تكون مهمة على فضاء نصوصه الشعرية. وباعتقادي أن الناقد الحقيقي لا يضيف إلى النص فحسب؛ وإنما يولد فيه بذرة الشعرية الخامدة في باطنه من جديد. ولهذا، أنا أعتز وأفخر بما قدمته من إضافات ورؤى جديدة لقصائد حميد سعيد، ويحيى السماوي، وعلي جعفر العلاق،وجوزف حرب، وأعتقد أن القارئ العربي المنصف سيعي ذلك ويقدره يوماً ما؟!!
أما عن سؤالك فيما يخص النصوص الإبداعية التي تثيرني فهي- بالتأكيد- تلك النصوص التي تحفر في العمق، ولا تقف حدَّ التنميق الصوتي، و جسدها اللفظي ،فهذه النصوص ذات فقاعات سرعان ما تتلاشى، كرغوة الصابون، أو كغثاء السيل ،وأنا أعتقد أن من يشتغل على هذا الجانب اللفظي في شعريته هو شاعر الطبقة الدنيا، أو شاعر الجمهور الساذج الرائج هذه الأيام، الذين يتهافتون إلى الرقص، والغناء، والنمذجات الموسيقية التي تلبي جنون الحالة الشعورية، دون وعي إبداعي وحفر فكري في العمق، أو دون الولوج إلى عمق الإبداع ورحمه الحقيقي ،والشعر ليس متعة جمالية فحسب، وإنما ثقافة روحية ممزوجة بجمالية التخييل، والفكر الخصب في إنتاجها والمنفتح في أفقه الإبداعي، وما يهم دائما وأبدا ليس الإيقاع الصوتي المموسق أو المصطنع، وإنما روح الإبداع والموسقة الفكرية التي تُحَمِّل النص أبعاداً ،وفضاءات جديدة مبتكرة، ورؤى، ودلالات لا تنفد ،وأنا أعجب بالنصوص التي تتعدد فيها الرؤى، والمعاني، والدلالات وقد أقف مهزوزاً أمام النصوص السهلة، أو المتداولة بكثرة، وأجد نفسي عاجزاً عن إضافة كلمة واحدة إليها، لأن أدواتي -كما أدعي- تغوص في بواطن الأشياء، ولا تهتم بالمظاهر والظواهر السطحية التي يرتادها غيري بسهولة ويسر، في حين فإني أرى أن البحث عن رؤى جديدة، ومداليل عميقة تحفزني دائماً للحفر، والكشف، والارتياد الدائم لهذه النصوص المغلقة أوالنصوص التي يكتنفها الغموض لدرجة كبيرة .فمثلاً في كتابي الموسوم:: (شعرية الاغتراب في شعر حميد سعيد) هو كتاب مخطوط اكتشفت قضايا ودلالات في نصوصه مهمة تبدت لي في هذا الجانب، وما اكتشفته في هذا الخصوص قد يجعلني من أبرز من تحدث عن هذا الجانب في الإبداع ،لكن رغم ذلك فما زالت أبحث عما هو كامن في روحي تجاه النصوص الإبداعية التي أرتادها، ودائماً تغريني التجارب المتطورة، تلك التجارب التي تتطور، وتتنامى كثيراً: كتجربة الشاعر حميد سعيد،ولا أبالغ بأن نصوص هذا الشاعر العراقي الكبير تحفزني للكتابة فيها على الدوام وقد أكرمنا الله بكتاب جديد وطرح متجدد في كتابنا: (سيميولوجيا اللغة والفن في شعر حميد سعيد) وهو خلاصة ما قدمت من رؤى  جديدة حول تجربة هذا الشاعر العراقي المهم.
أما احتفاء التلفاز بما أنقد فهو حفزني إلى الاشتغال على أدواتي بعمق ودراية فيما بعد، ملَّكني الثقة بنفسي وأدواتي.. خاصة في أوج الهجمات الشرسة على كتاباتي في تلك المرحلة العصيبة.. فقد ردَّ إليَّ الروح، والثقة بالنفس، وعلى الرغم من أن النقد على الشاشة الصغيرة كان  يصب في مجرى النقد الأحادي أو النقد الانطباعي الذي تجاوزته إلى العمق فيما بعد،وأرغب دائما أن اكتشف ذاتي ومهارتي وقدراتي الإبداعية ،ولهذا تصادمت مع الكثيرين مما نقدت أعمالهم شفهياً، ولم أحاول أن اتجه إلى الغث من الشعر لئلا أجرح أحداً،وأنال بأدواتي الجارحة الصارمة بعض التجارب، فتموت وتتلاشى.  وأعتذر من أولئك، لأني لا أستطيع أن أتفاعل نقدياً مع النصوص التي لا تثيرني إبداعياً، وأنا أحب الاشتغال على أعمال شعراء أحياء لأني أحب أن أعاشرهم على الصعيد الشخصي لأكتشف  هل هم كنصوصهم الإبداعية في مستوى جمالها وتحليقها الروحي.. فإن كانوا غير ذلك  لا أستطيع أن أتفاعل مع نصوصهم الشعرية.. فأنا لا أدرس النصوص الإبداعية التي تأتي من نفس متخمة بالنرجسية المرضية في تصرفاتهم الإنسانية ، أو نوازعهم المرضية  كالحقد، والحسد، والكره، والضغينة، ولهذا، لم أستطع أن أتفاعل مع القميئين أو الدنسين في الوجود.وأكره ذكرهم فكيف معاشرتهم.. أو حتى النظر في شأن إبداعهم.  وهذا شأني في النقد وشأني في تلقي الإبداع، والحفر، والكشف فيه.
أما بشأن النقد . لنتاج الشاعر سعد الدين كليب فأقول لك: النقد أمانة، وليس سلاحاً ننال به خصومنا، نطعن في هذا ونمجد ذاك . إن ركيزة الناقد المبدع أو الناقد الحصيف المخلص لأدواته هي قيمة النتاج الأدبي الماثل بين يديه إبداعياً،ولهذا، ابتعدت عن نتاجه مسبقاً؛ لإيماني أن الجمال الداخلي أهم بكثير من النتاج الإبداعي، لأن الإنسانية قيمة وجوهر.. وجوهره يكمن في قيمه الإنسانية النبيلة، وخلقه القويم. وإخلاصه لرسالته الإبداعية ،وقد حاز عندي سعد الدين كليب درجة الصفر إنسانياً وإبداعياً ولو- على سبيل المثال- مجده شيخنا في النقد صلاح فضل،  لأنه ارتضى لنفسه أن يكون من شلة المدمرين، والقتلة، والمجرمين، وأمثال هؤلاء لا يستحقون النظر إليهم فكيف إلى نتاجهم الأدبي أو النقدي.. وإن الالتفات إليهم- و لو كلمة- فمعنى ذلك أن هذه الكلمة فقدت قيمتها وفقدت وجودها وجوهرها الإنساني. واعترف أن سعد الدين كليب كان المدية التي طعنني بها الدعي المجرم أحمد محمد ويس من الخلف،بمساعدة عميد الكلية المبجل أحمد محمد قدور- بجَّله الله بسوط من نار الجحيم. . وكنت أقول في سري: واخجلاه من بلد لا ينصف مظلوميه  من ظالميهم.
وأكرر وأقول: سواء صدق معاناتي القارئ أم لم يصدق.. لا يهمني الأمر كثيراً.. المهم أن أعلن صرختي إلى الملأ في وجه أولئك الظالمين .. وأقول لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو بصير: إن الطائر الجريح لا ينتفض إلا من شدة الألم.
2- هل ستعود إلى سوريتك إذا أنصفتك يوماً؟ ومنحتك حقك المسلوب؟!!
أنا قلت إن سورية هي بمثابة الأب الظالم أو الأم الظالمة مهما اشتد ظلم الأب على ابنه لا يستطيع هذا الابن البار إلا الانحناء لهما احتراماً... ودماء حبي لوطني وسوريتي يغلي في عروقي، لكن.. بعدما أيقنت أن أبي سيستمر بظلمه وأمي كذلك. سأحمل صرة ملابسي وأحزاني على ظهري وأبحث عن وطن وأهل وحبيبة،وأقول وداعاً يا أبي الظالم ويا أمي الظالمة،وداعاً يا سوريتي وغرفتي الوحيدة سأبحث عن بلد حنون يهبني غرفتين، وحبيبة تمنحني ودادها،  وأكتب بقطرات دمائي (سوريا).
3- ما هو موقفك من مسألة النص المفتوح والمغلق؟ وهل يمكن أن نقول إن ثمة إبداعاً منفتحاً أو مفتوحاً وإبداعاً مغلقاً أو منغلقاً على نفسه رؤيوياً أو مقفلاً فكرياً؟!! وهل تتحقق هذه المعادلة في الإبداع الحقيقي عموماً؟!!
الإبداع مفتوح كانفتاح الحياة.. والنص الإبداعي الحقيقي هو النص المفتوح، أو النص المنفتح؛ والنص المنفتح بحاجة إلى قارئ منفتح .. وهذا القارئ المنفتح هو الذي يتفاعل مع النص، ويحلل النص تبعاً لأفقه المفتوح المتنامي دوماً،والانفتاح لا يكون في الفكر والرؤية فحسب؛ وإنما بالمرجعيات الرؤيوية والثقافية التي يختزنها، والتي يفجرها،وقارئ النص الفعال هو الذي يحيي النص، ويهبه استمراريته، وتجدده- على الدوام – وباعتقادي: إن( أمبرتو إيكو) أول من طرح هذه المسألة المهمة عالمياً( النص المفتوح/ والنص المغلق) في النظرية الأدبية الحديثة.
وبتقديري: إن مواجهة النص مواجهة فعالة لا تتحقق بفاعليتها القصوى إلا عندما يستطيع المؤول أو القارئ المنفتح أن يضيف أبعاداً رؤيوية ودلالية وجمالية جديدة إلى النص؛وهذا يعني أن القارئ الناجع هو الذي يحقق للنص الأدبي الماثل بين يديه خلاصة معارفه، وخبراته المكتسبة، وتظهر هذه الخبرات مجتمعة بمقدار فاعلية الإضافة،  وأهميتها  في إثراء النص،وتناميه جمالياً، ولهذا، تبقى مسألة النص المفتوح والنص المغلق مسألة نسبية في الإبداع؛ ولا نبالغ في قولنا: تبقى في حجم الإبداع ذاته والرسالة المتعلقة به أو المخصصة له، فالقارئ الفعال هو الذي يطور رؤية النص ، بل هو الذي يغني دلالات النص، ويثريه برؤى جديدة، ومدلولات خبيئة مستكنة في أعماقه.
 وبمنظورنا: بمقدار سموق النص الإبداعي، ودرجة حساسيته الرؤيوية والإبداعية يحقق درجة عليا من الجمالية، والخلق الفني، والعمق الفكري، والرؤيوي بشكل  يؤكد قيمته الإبداعية، وانفتاحه، وحراكه الإبداعي الفني والجمالي المستمر،ولهذا؛ لا يحلق النص في إبداعه وسموقه الجمالي إلا بانفتاحه على القارئ  من خلال قوة الرؤية التي يمتلكها القارئ، أو المؤول الناجح، وكم من النصوص الشعرية الإبداعية لم يخلدها إلا انفتاحها الرؤيوي، وتقبلها لعددٍ لا  متناهٍ من القراءات، ولهذا،فالقارئ الخلاق المبدع هو الذي يغني النص بأفقه، ورؤياه، ومنظوراته الإبداعية الخلاقة، ويحقق المتعة الجمالية،ولهذا، لا يحقق النص الإبداعي سموقه واستعلاءه الجمالي  إلا بانفتاحه الرؤيوي، وحراكه الدالي والمدلولي المفتوح على  الدوام،ومن هذا المنطلق ،يخطئ من يظن أن الانفتاح النصي هبة تعطى لأي نص إبداعي ، إنها قيمة تنبع من باطن النص، من جوهره الإبداعي، وليست مسقطة عليه من الخارج، لا من قريب أو بعيد .
 وبتقديرنا، لا يمكن أن يحقق النص رؤيته الانفتاحية إلا من خلال الفكر المنفتح، والرؤية الخلاقة المتوهجة؛ وبمنظورنا: إن النصوص الإبداعية المغلقة  هي النصوص التي لا تقبل الانفتاح، ولا تنفتح برؤاها .. وتبقى في عزلتها الإبداعية؛ وهذا يفقدها الكثير من بريقها الإبداعي، إن لم يفقدها رصيدها الفني لأن ما هو فني اليوم قد يفقد هذه القيمة بمرور الزمن لتحل قيماً أخرى ورؤى مغايرة في مضمونها ومكنونها الإبداعي. وكما قلنا   لا يمكن أن تتحقق معادلة العزلة على الفن الإبداعي الحقيقي لأن الفن سيبقى منقوصا بانعزاله عن قارئه ومؤوله الفعال الناجع. وكم من النصوص الإبداعية لم ترتقي إلى درجة من الفكر والخلق الفني إلا بفضل انفتاحها وخلقها الفني الجمالي المؤثر،وبتقديرنا إن الفكر المنفتح هو الذي ينتج النص المنفتح، والفكر المنغلق هو الذي ينتج النص المقفل المنطوي على ذاته، وهذا ما يوقع القارئ في حيرة وتساؤل مفتوح كيف يكون الإبداع مفتوحاً؟!!، وكيف يكون مغلقا؟!!  لا يمكن أن يكون الإبداع مفتوحاً ومغلقا في الآن ذاته، فالإبداع هو خلق دائم وحراك إبداعي مستمر، وصيرورة دائبة من الوعي، والرقي الإبداعي،ولهذا، تبقى هذه المسألة الشائكة في تشابك وتداخل مع تطور كل تجربة إبداعية؛ وبمقدار تقبلها للقارئ بنجاعة وفعالية مؤثرة تسهم في إغناء الرؤية، وتخليقها جماليا .
4- ما هو مفهومك للحرية والالتزام في الإبداع؟!! ومتى يكون الإبداع حرا؟!! ومتى يفقد الإبداع سمة الحرية؟!.

وقد طرحت هذا الموضوع في حوارك للكثير من الشعراء في كتابك (ملفات حوارية في الحداثة الشعرية)؟!! كيف تنظر إلى الحرية في الإبداع قبل الحرية في الحياة؟ وهل عشت الحرية فعلاً وواقعاً ممارساً أم أنك مضطهد، ومستلب عشت الحرية في أحلامك ومخدة عشقك الحياة في مرحلة من المراحل ؟ هل تنفست الحرية وشممت عبقها؟!! ومن هؤلاء الذين يستحقون الحرية وهل يمكن أن يكون الإبداع حراً من منظورك؟!! ومتى يفقد الإبداع هذه الحرية؟!!
 أقول بصراحة : الحرية متنفس الوجود كله، وليس فقط متنفس الإبداع،ومن لا حرية له لا قيمة وجودية أو إنسانية له. وأرى أن الحرية ليست فقط حرية فكرية،وإنما حرية وجودية.. أن تعبر عن الحياة والوجود بعيدا عن الإيديولوجيات، والقوانين، والأعراف، والمعتقدات ، أي حرية نابعة من إنسانية الإنسان وتكريس هذه الإنسانية؛ ولاشيء سواها؛والمبدع الحر هو المبدع القادر على التعبير عن شتى المواقف،والأحداث دون حواجز أو قيود،وهنا؛ تختلف طريقة ممارسة كل مبدع لحريته، فالحرية هي التي تولد الإبداع المؤثر، أو الإبداع الخالد، أو المواقف الاستثنائية؛ ومن لا حرية له لا إبداع. وهذا يدلنا على أن الحرية في الإبداع مسألة تبقى في قيد الطرح،وتبقى في قيد التداول،وتبقى في قيد الإحساس ، وفي قيد الشعور، والمبدع الحقيقي لا يكتب إلا من فكر حر منفتح في رؤاه، وخصائصه، ومواقفه، وأحاسيسه الوجودية،والمجتمع الحر هو الذي يؤهل التربة الحقيقية للإبداع،وهذا يعني أن الإبداع حرية في الممارسة، والإحساس، والموقف الفكري، وللتحديد أكثر نضع ثلاثة ركائز للحرية في الإبداع أو للحرية في خلق الإبداع أو في خلو د الإبداع،وهي:
1- الحرية ممارسة وفعل لا رؤى خارجية ومواقف رؤيوية هشة:
-الحرية في الإبداع ممارسة إيجابية لا مواقف سطحية عائمة أو خارجية، وهذا يعني أن الفكر الإبداعي المؤثر فكر منفتح في المواقف، والرؤى، والإحساس، والشعور،ولن يرقى الإبداع إلا بالسموق الفكري، والإحساس التأملي، والموقف الوجودي، والحرية التعبيرية.. وممارسة الحرية في الإبداع تعني أن يكون الإبداع رهين فكره، وحضارته، وإحساسه وجوديا ،والحرية ليست في شكل الموضوع المطروح وإنما بالكيفية التعبيرية، والحساسية الجمالية في طرح الموضوع، والارتقاء به فنياً أو جمالياً.
2- الحرية خلق عوالم وفضاءات مبتكرة. لا فضاءات مرتادة
إن الفكر الإبداعي الحقيقي فكر حر، وطريقة التعبير عنه تكون جديدة وحرة  كذلك،وتكون متاخمة لكل ما هو مؤسس، وواع، وقادر على التغيير، والحرية في الإبداع ليست جرياناً وانفتاحاً في القول على غاربه، وإنما هي حيازة لعوالم مبتكرة؛ والشاعر الحر، ليس هو الشاعر الفوضوي العبثي في رؤاه ، وأفكاره،وعوالمه الوجودية ، إن الفكر الحر هو الفكر المتنامي في حركته، وتحليقاته الإبداعية، وهو من مثمرات الرؤية الفنية المحلقة في سماء الفن،ولولا الفكر المتقدم المنفتح لما شهدنا الحضارات المزدهرة والفنون المتطورة؛ ونكرر دائماً، الحرية في الإبداع والفكر من ضرورات الوجود،ومن ضرورات صناعة الحياة وخلق الإبداع المنفتح المتطور.
3- الحرية متنفس وجودي إبداعي حر في الابتكار والتخييل الفني الجمالي:
الفن الإبداعي الأصيل لا يأتي إلا من فكر منفتح في خياله، ووجوده، وكيانه،وجسده المبدع،وهذا يعني أن الفن في عمومه حركة كونية منفتحة في حركتها، وخيالها، وتخييلها الذي ترتقي به فوق حدود الممكن والمحتمل إلى فضاء رؤيوي مفتوح. والحرية هي مختبر الإحساس بالجمال،والوعي الجمالي، أو الفكر الجمالي،وهذا الفكر لا يأتي إلا  منتوج خيال خلاق وإحساس شعوري دافق بالحساسية، والشعور، والوعي الإبداعي الخلاق المنتج.
ووفق هذا التصور، فإن المختبر الإبداعي الخلاق أو المثمر لا يأتي إلا منتوج روح خلاقة مبدعة تسعى إلى اختراق الحدود الجزئية إلى فضاء عميق، في الحساسية، والرؤية، والخيال، وأنا من عشاق النصوص التي تجري متكاملة في فكرها وإحساسها وخيالها الجموح الذي ترتاد به الأفق بعمق ووعي ودراية،وهذا هو باختصار الفن الحر الذي لا ينتج إلا عن نفس مشبعة بالحساسية والوعي والجمال والحرية في أوج تألقها الفني الخلاق في النص.
وصفوة القول: إن الحرية هي شرط من شروط الإبداع المحلق(الخالد)؛ وهذه الحرية ليست حرية سياسية أو اجتماعية،وإنما حرية إحساس جمالي، وحرية التعبير الجمالي عنه،و الفكر الجمالي  المنفتح في رؤاه ومشاعره.. الحرية ليست ماثلة إلا في جوهر الإبداع وشكله وقيمته  ولا يمكن أن يكون الإبداع حراً مؤثراً؛إلا إذا كان فاعلاً في تحريك الفن وإثارة جماليته.   
 
5– المرأة في حياتك هل لها تأثير سلبي على إبداعك أم تأثير إيجابي؟ وهل أنت سعيد مع الأنثى أم إنك قتيلها أسى ومرارة وظلماً. وما هي الصفات المثالية في المرأة التي تأمل أن تعيش بقية فترات عمرك معها؟!!
للأسف المرأة في حياتي كانت قاتلتي في كل شيء.. فهي في وجودي كانت مع ألد أعدائي،، خاصة زوجتي التي عشت معها فترة من الزمن نلت منها شتى أنواع الضنك والظلم والقهر؛وكانت دوماً تشدني إلى الوراء فهي مجرمة. كإجرام أولئك السفلة المذكورين؛ فهي تنال مرتبة الشرف الأولى في الغباء . تكرر الخطأ(1500) مرة،وتطمح إلى المزيد. وباعتقادي أن المرأة الصالحة المحبة تزيد من درجة إبداع المبدع، ومن تحليقه الإبداعي ، ولا أبالغ في قولي : المرأة الحنونة النابضة بالأنوثة، والخصوبة، والجمال هي لوحة فنية -بحد ذاتها- ،وللأسف كانت لوحة مشوهة في حياتي. و دائماً أقول في سري :ملعونة دنيا لا تسكنها امرأة  جذابة تسكرك بحنوها، وتمتص ببريق عينيها ضنك الأيام، وعجاف السنين. وأجمل ما في المرأة خفة الروح، والذكاء، والغنج، والدلال،والرهافة، والحساسية  والخلق القويم... ولا أخفيكِ رسمت صورتها في قلبي مراراً..  لكنها للأسف لم تأتِ.. انتظرتها طويلاً حتى جف قلبي، وجفت محبرة دموعي بحثا عنها. لكنها مع الزمن تحولت إلى رماد ... وقلبي صار أسطوانة  قديمة مشروخة لا تصلح إلا للعنين، والنغم المشروخ من الأعماق.
 وباعتقادي: إن المرأة أهم مشروع في الوجود والحياة؛ لدرجة تساويها . فمن ظفر بامرأة حلمه . نال الوجود بأسره.  ويشعر من يمتلك هذه المرأة،وكأن العالم بأسره  طوع بنانه، ومن خسرها خسر الحياة، وخسر وجوده، وإحساسه الجمالي، وللأسف أنا خسرت أهم مشروعين في حياتي (الزوجة الصالحة)،ودرجة الدكتوراه. وكما قال أحد العظماء: امنحوني امرأة أمنحكم فكر العالم وحكمته. ولذلك، أعلم أن اشتغالي النقدي المبدع مازال بعيدا عني . لأني خسرت المرأة الحلم، أو المرأة الذكية المثقفة التي تشاطرني الحياة، وخصوبة الإبداع . وأنا أؤكد صحة المقولة الشائعة :(وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة وأضيف وراء كل مجتمع فاشل امرأة فاشلة,, وأكثر ما يميتني في المرأة الغباء، والكذب، والخيانة،وأكثر ما يغريني فيها الذكاء،والأناقة، والغنج، والتمنع، والدلال، والفطنة.  وفي ظني: إن المرأة التي أبحث عنها – بالتأكيد- ليست مما رأيت أو صادفت في حياتي إلى الآن .
ودائماً أكرر مقولتي الشائعة: ندخل عالم النساء لنرتوي فنخرج من هذا العالم أكثر ظمأً من الأول،والنساء بستان ورود ما إن تشم عبير امرأة حتى يغريك عبير امرأة أخرى برائحة مختلفة وعبق جذاب آسر،وهكذا، يحيا الفنان أو المبدع رحلة عذاب واغتراب دون أن يُحَصِّل من الورود إلا الأشواك، ومن النساء إلا الأطياف، والأحلام، والأخيلة.
6- هل المرأة- الآن-  مثبطة لإبداعك أم محفزة له؟
المرأة ليست مثبطة لي ،بل قاتلة لنبض الجمال في وجودي، وإحساسي،وأنا خاسر في هذا الشق المهم من الحياة... وأعترف – وأقول بصراحة - أخاف على قارئي من مصيبتين مريرتين لدرجة العلقم، هما الزوجة السيئة،  وضنك المرض، كلاهما لا يرحمان .وكلاهما مميتان( لعنت الله عليهما،وسلم قارئي منهما).

7- متى يكون الشعر فناً خلاقاً؟ ومتى يكون غير ذلك؟!! أي متى يكون الإبداع فناً جمالياً؟!! ومتى يفقد فنيته؟!!
-الإبداع لا يحقق فنيته، وخصوبته الجمالية إلا عندما يمتلك قوته الإثارية وتقنياته الفنية، المتوالدة على الدوام ،ونقول: إن الكثير من النصوص الإبداعية ساكنة في تقنياتها أو سكونية في هذه التقنيات، وهذا يعني أن الإبداع قد يكون سكونياً؛ في بعض مؤثراته؛ وقد يكون متحركاً في بعضها الفني الآخر؛ تبعاً للقيم الجمالية التي يفرزها كل نص يملك قيمه الفنية العظمى،وأقول: ليست كل النصوص الإبداعية متحركة في فنياتها ، وأكرر: إن الكثير من النصوص الإبداعية رهينة زمنها دون أن تتجاوزه إلى أزمنة أخرى ،وهذه الأعمال هي الأعمال السكونية، أو الأعمال اللا متطورة في تقنياتها؛وشتان مابين الأعمال الإبداعية المتطورة التي تتزيا بالتقنيات الفنية التوالدية على الدوام، والأعمال السكونية التي تبقى في حيز زماني  آني لا تتجاوزه بقليل؛ والنصوص الفنية الإبداعية الخالدة هي نصوص متطورة في تقنياتها، أو هي نصوص،  منتجة لهذه التقنية، ومحركة لإيقاعاتها كافة، ومن هنا؛ يمكن القول: إن الفنون  المبدعة أو الخلاقة في إبداعها، هي المتغيرة في تقنياتها الفنية، والمحركة لإيقاعاتها التشكيلية،وإن أي فن من الفنون لا يستمر ولا يخلد إن تحددت تقنياته، وظلت ثابتة راسخة،فالنصوص المبدعة التي تتجاوز نطاق أزمنتها -دوماً- هي نصوص خلاقة متغيرة؛ وهي نصوص متطورة،باختصار هي نصوص حداثوية في الجوهر، والقيمة، والرؤية، والفن المتآلق هو الفن الخالد في جميع قيمه، ومرتكزاته الرؤيوية،ولهذا؛ لا يسمو النص الشعري،ويحقق قيمه إن بقي رهين لحظته، وتقنياته المنتهية، أو تقنياته الموضوعة لزمنها، وهذا يعني أن النصوص الفنية المبدعة هي التي تسبق زمنها إلى أزمنة أخرى، وتتحرك على أكثر من محور،وتزدان بالرؤى، والقيم المتوالدة على الدوام . ولهذا، شتان ما بين النصوص الإبداعية التي تقبع في زمنها متحجرة به، والنصوص الإبداعية التي تتجاوز أزمنتها إلى أزمة أخرى بفضل توالدها التقني وحراكها الرؤيوي  والفني على الدوام ،ولذلك،  تبقى مسألة الإبداع الخالد، والإبداع المتلاشي أو المنتهي بحسب طاقة التخييل العالية، والقيم الفنية المتوالدة على الدوام ،والتي لا تنتهي أو تشيخ.
6- أنت تشتغل على نفسك كثيراً لدرجة الإرهاق ما هي خواطرك ورؤاك النقدية في ظل هذا النشاط المكثف المحموم الذي نراه على صفحات المجلات الإلكترونية؟!!أي نلحظ أنك تنفق جهدك كثيراً  فيما لا طائل منه على المستوى المادي؟!! وأنت كناقد سوري تعاني ظروفاً مريرة من الضنك والعسر خاصة بعد دمار منزلك ومكتبتك؟!!
أنا أرى النقد رسالة .. وأعيشه ممارسة.. وأضحي بالغالي والرخيص لأداء هذه الرسالة ،وأنا قلت ليس لدي أي مطمح في مكسب مادي أو معنوي  ينالني من مؤسسة ما أو دولة، أو منبر ثقافي.. أنا  أكتب للقارئ المثالي الذي وقف معي من سابق في قمة العاصفة الهوجاء التي شنت ضدي في جامعة حلب، وأعترف أن  ثمة أسماء ساندتني للتماسك والصمود،فكانوا أخوة وأصدقاء وأحبة أبرزهم الناقد العظيم العلامة خليل موسى والناقد عبد الله أبو هيف والناقد ياسين الأيوبي، والناقد محمد صابر عبيد، والناقد علي جعفر العلاق، ولا أنسى كلمات الدكتور جودت إبراهيم المشجعة وغسان غنيم، وعبد الكريم الناعم.. فهذه الأسماء أدركت قيمة ما أكتب ،وشجعوا ما كتبت عن تجاربهم، من حيث القيمة، والأهمية، ولهذا، صمدت أمام هؤلاء الظلمة،وجعلتهم ورائي ومضيت،وأعلم الآن أنهم أشد خزياً، وانهياراً، وخنقاً من ذي قبل؛ لأنهم ظنوا أنهم قضوا علي بادعاء اتهم المخزية على الشبكة الالكترونية،وأكدت صمودي سدا منيعاَ في وجه مؤامراتهم،  طيلة عشرة سنوات ماضية  أصدرت خلالها الكثير من الكتب التي نفدت طبعتها الأولى في غضون ثلاثة أشهر، نظراً لقيمتها، وأذكر من هذه الكتب: بدوي الحبل بلاغة القصيدة وتشكيلها البصري التي نفدت في غضون شهور قليلة. وكتاب القباني وثقافة الصورة.
أنا أشتغل دائما على نفسي،  لأني ما عدت أطمح  سوى أن أمضي بقية عمري مع صاحبي قلمي ودمعتي، لأكتب للقارئ كل ما حصلته من خبرة معرفية في سبر أغوار النص الشعري، وقد قلت من سابق لو تعاطف معي العالم فرداً فرداً لن يردوا لي زمني الضائع وأحلامي التي دفنت في صدري،ولو اجتمع  ضدي العالم بأكمله فرداً فرداً لن يثنوا من عزيمتي، وجسارتي، وإصراري على تقديم بصمتي للقارئ؛ بصمة الإخلاص، والود، والمحبة ،وكل ما أنشره على النت من مقالات في مجلات مختلفة: هي مجانية ولا تمنح أية مكافأة لأحد.وأذكر من هذه المنابر هي:(ديوان العرب)ومجلة( الكاردينا ) ومجلة (بصريانا)،وأفتخر بالنشر فيها، لأنها تنشر الكلمة الصادقة المبدعة دون أن تأبه إلا بالإبداع، ولا تهتم بالشائعات، والهجمات العدائية من هنا وهناك، وأتمنى من جميع المنابر الثقافية المحترمة أن تنظر إلى المواد النقدية وقيمتها، و سويتها الإبداعية؛ فهي الفصل في الحكم على جودة الناقد، وقيمته، وليست الإشاعات المغرضة من أولئك السفلة الذين يضربون في هذه الموهبة أو تلك كشلة الويسي، والقدوري والكليبي ..لا بارك الله في هذه الشلل التي لا تمت إلى الثقافة بأية صلة، ولا تمت للإبداع الحقيقي بأي رابط أو دليل..  ورحم الله من عرف إمكانياته فطورها، وفجرها في اللحظة الحاسمة،ولم يستسلم  للمثبطين الذين لا يشتغلون إلا في الظلام، ولا يعيشون إلا على ضحالة الأشياء وقمائتها كنفسهم القميئة المريضة التي  استكانت لبهرجة الأنا المفخمة،دون رادع أو وازع من ضمير.
 وأنا أقاوم شتى الظروف القاسية لإيصال كلمتي للقارئ،بصدق، وشفافية، وقوة تعبير، ومن أجل ذلك، عمدت إلى تكثيف  نشاطي في التحليل النصي،وتركيز أدواتي صوب القضايا والظواهر الأسلوبية الفاعلة في تحريك الشعرية من كل الجوانب.
8-متى يكون الناقد مبدعاً ومتى يكون مقلداً أو تقليدياً؟ وهل ثمة نقاد مبدعون كإبداعهم الشعري،ومن أهمهم؟!! وأين أنت منهم بوصفك شاعراً كثبت قصائد كثيرة لدرجة أن الإبداع الشعري لديك لا يقل أهمية عن إنتاجك النقدي.. لماذا أغفلت إبداعك الشعري الخلاق في هذا الجانب؟ واكتفيت  بالنقد؟!!بمعنى أدق : لقد ضيقت أفق إبداعك المحموم؟ ولو أردفته بنتاجك الشعري لكنت أكثر شهرة وأعمق تأثيراً في قارئك؟!.
أنا أتنفس الشعر،وأعيش معه لدرجة أن إنتاجي الشعري يفوق في سويته الإبداعية النقد الشعري الذي أمارسه؟!! ولن يظهر للقارئ في هذه الآونة لأن ثمة قضايا أدبية ونقدية تستفزني وتجرني إلى عوالمها وفضاءاتها النصية المغرية، وكل ناقد إبداعي مؤثر؟!! لابد أن يسكن في أعماقه شاعر أخرس،هذا الشاعر لابد أن ينطق في حينه،وأنا ولدت كشاعر،وعشت التجربة النقدية كشاعر، ولست كناقد فحسب، وهذا ما يدركه المبدعون الأذكياء الذين تناولت قصائدهم بمبضع شعري، وإحساس شاعري، فأنا منذ السنوات الأولى في الجامعة قدمتني الجامعة كشاعر وليس كناقد، ونظراً لمحبتي وإخلاصي للنقد، جرني إليه،وأبعدني عن عالمي الروحي، وكان عشقي للفتاة المصرية(شيرين) نقطة تحول في حياتي ،وكتبت في عينيها أجمل القصائد وأصدقها، وأهديتها كتابي النقدي عن (أدونيس)؛ وعلى الرغم من أن عشقنا لم يكن إلا بتبادل النظرات، في رحلة لم تدم أكثر من عشرة أيام ... ولهذا؛ تفجرت ينابيع الشعر لأكتب ديواناً ضخماً،وكلما أقرأ قصيدة أستعيد نظراتها، ويفيض نهر الشعر..      
باختصار، كل النقاد المؤثرين عربياً هم شعراء،مارسوا الشعر وأحسوه كما أحسوا النقد ومارسوه.. والأمثلة على ذلك كثيرة، وللتدليل على ذلك سنعدد الأسماء النقدية- الشعرية المهمة التالية:
أدونيس ناقد كبير وشاعر عظيم
علي جعفر العلاق شاعر وناقد
محمد صابر عبيد شاعر وناقد
بشرى البستاني شاعرة وناقدة
نازك الملائكة شاعرة وناقدة
خليل موسى شاعر وناقد
عز الدين المناصرة شاعر مهم وناقد أهم
نزار بريك هنيدي شاعر وناقد
غسان غنيم شاعر وناقد.
وليد مشوح شاعر وناقد
ياسين الأيوبي شاعر وناقد
إذا ، النقد والإبداع صنوان لا يفترقان، وأنا أرى أنهما متصلان لا منفصلان،فالشاعر في داخله ناقد أخرس، والناقد في داخله شاعر أخرس،ولهذا ، نجد أن الكثير من النقاد هم –بالأصل- شعراء،لأن النقد لا يأتي إلا من ناقد مبدع حساس متمرس يعي مداميك الكلم ،ومواطن استثارتها وإثارتها.. ومن فهم هذه المعادلة فهم حقيقة الإبداع، وقيمه، ومتغيراته الوجودية ؛وفهم كذلك كيف يكون النقد مبدعاً؟ وكيف يكون تقليدياً،ومن نفسه مشبعة بالحساسية الإبداعية فلابد أن يأتي نقده مبدعاً كذلك، وأنا أرى النقد الحقيقي هو النقد الذي تفرزه نفس مشبعة إبداعاً وإحساساً جمالياً، وهذا الإحساس لا يأتي إلا من ينبوع التجربة الإبداعية ورحيقها ومنهلها العذب.
9-ما هي رؤيتك للاغتراب الفني ؟ وهل الفن بمنظورك لا ينتج إلا عن قلق و اغتراب؟!! ومتى يكون الفن مغترباً؟ وأدواته مغتربة؟!!
أولاً أشكرك يا أختاه- على هذا السؤال الذكي وأشكر فهمك لهذه المسألة الحساسة في الإبداع.
لا يكون الفن فناً – بالأساس – إلا إذا كان مغترباً في رؤاه، وتقنياته الفنية، وحسه الإبداعي المميز، والفن الحقيقي هو منتوج روح حساسة مغتربة في فكرها المنفتح، وعالمها الإبداعي الخاص،وبهذا التصور، فإن النص المغترب – بالتأكيد-  أدواته ورؤاه وأحاسيسه ومنظوراته مغتربة كذلك، والفن المتألق لا يحيد عن تميزه واغترابه وحسه الجمالي،وفكره المنفتح المحلق في فضاء التخييل الإبداعي الخلاق الأصيل؛ والاغتراب ليس هو المفجر للإبداع ،وإنما هو المنتج للفكر؛ وهو الذي يولَّد النفس الوثابة القلقة المتسائلة عن وجودها، وعالمها الخلاق؛وكل فن هو حصيلة اغتراب ما نفسي، أو شعوري ، أو فكري، أو تأملي، والفن الذي لا ينتج،ولا يغيِّر، هو فن ساكن أو فن آني، حبيس لحظته الآنية، وزمنه الراهن المنقضي،والفن الخالد هو الفن المغترب – في جوهره- ونبضه الداخلي،وحساسيته الجمالية ،لهذا فإن اغتراب الفكر الجمالي عند المعري هو ما جعل مؤلفاته خالدة إلى الآن،وقصائد المتنبي مازالت تعيش في عصرنا، وتسكن في ضمائرنا، نظراً لاغترابها الفني ونبضها الوجودي وحساسيتها الجمالية.
وصفوة القول:
لا يكون الفن فناً إلا إذا كان مغترباً في جانب من جوانبه، وهذا القول ينطبق على كل الفنون الإبداعية الجميلة في هذا العالم المتغير الذي يؤذن كل يوم بجديد ما، على صعيد الإبداع،والفكر،والابتكار التقني الخلاق، وكم من النصوص المؤثرة لم تخلق إبداعها إلا من اغترابها بالتقنيات الفنية،والمؤثرات الإبداعية التي انمازت في الشكل الفني، والحساسية الجمالية.
10- هل  بمنظورك أن  عجلة النقد التأسيسي المبدع تسير إلى الأمام أم تتراجع القهقرى؟!! ومتى يرتقي الإبداع ويحقق ثمرته اليانعة؟!!.
الإبداع النقدي لا يرتقي، ويحقق ثمرته الإبداعية اليانعة إلا  بوجود الكفاءات الخلاقة التي تمتلك الخبرة، والممارسة،وزهو الإبداع، والنقد لا يتطور إلا في ظل الخبرات العظيمة الخلاقة التي ترتقي بسماء الإبداع، والفن الخلاق المثمر؛ويكفي ما قدمه النقد العراقي من طاقات فنية ومواهب خلاقة بالإضافة إلى النشاط المحموم في الفكر النقدي في مصر وتونس والمغرب والجزائر؛ والحق يقال:  إن النقد العربي يسير في منزلق خطير،وهو تراجع سوية الدراسات التطبيقية، لاسيما في نقد الشعر،وهذا التراجع نتيجة عدم استثمار ما ننظِّر له، وما يتم تطبيقه بالإضافة إلى البون الشاسع بين المستوى الخلاق في التنظير، والنشاط المحموم في هذا الجانب وعمق التطبيق الذي لا يرتقي إلى جزء يسير من هذا الجانب، ونأمل للنقد العربي مزيداً من التطور، والوعي، والنقد المثمر البناء.
 11- ما هي نصيحتك لكل قارئ،سواء أكان قارئاً لك ؟ أم لسواك؟ وما هي أمنياتك له؟!!
نصيحتي لكل قارئ أن يكون موضوعياً، وأن يكون صادقاً في  ورؤاه ،وتأملاته الوجودية؛ وألا يحترم إلا النص النقدي الخلاق الذي بين يديه،فإن تفاعل معه فهذا يدل على أنه  حرك لديه القشعريرة الجمالية في التلقي،وهذه هي الثمرة التي يجنيها الفن الممتع، وهي  المعيار الجمالي الدقيق في الحكم على جودة الناقد، وجودة أدواته النقدية،ونصه الإبداعي المنقود.
12- ما هي أمنياتك لكل إنسان على الصعيد الإنساني و الوجودي؟!!
أتمنى أن لا يعيش حياة كحياتي المعذبة، وأن تتحقق كل أمانيه، وأن لا يبتلى بالظلمة،وأن يتنفس عبق الأنثى الودودة الذكية، التي تهبه قبلات الحياة،وأرجوه ألا يَظلم.  وأن يكون إنساناً في كل المواقف، وأن يضحي بالغالي والرخيص للمحافظة على إنسانيته،فبالمحبة تشبعنا لقمة، وفي الإيثار قمة النشوة، والدفء، والسعادة، والمحبة، والسلام.      

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع