حميد الزاملي..والعودة الى مملكة الطين
بغداد / الگاردينيا – عبدالرضا غالي الخياط *
مابين الولادة والموت هنالك حقيقة، وما تزال هذه الحقيقة ناصعة، بالرغم من عدم العثور عليها. لذلك ينبغي، أن نقرأ، ونكتب، ونحب، ومن ثم نعيش، علنّا نصل إلى الحقيقة. هذا ملخص ما جاء عن الحوار الذي جمعني بالشاعر والقاص حميد الزاملي ونحن نساءله عن تجربته الشعرية والقصصية التي تمتد إلى زمن التسعينات، والتي سرقت حيوات أحلامه الغضة.
وحميد الزاملي احد ابرز أدباء واسط، نشر العديد من النصوص الشعرية والقصصية والريبورتاجات الصحفية في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وما زال يتواصل في عطائه، وقد أصدر ديوانيّ شعر هما " مراثي درب القمر" و" نزيف الثلج "، كما صدرت له ثلاث مجاميع قصصية جاءت بالعناوين التالية: " الهجرة إلى مملكة الثلج "،و" عودة اللقلق "،و" قبوط هتلر"، وسيصدر له قريبا رواية بعنوان " العيش المر"، فضلاً عن مجموعة شعرية " ثرثرة تحت السكين"، ومجموعة قصص للأطفال "هيا بنا نلعب".
وقد بادرناه الأسئلة الآتية :
س: بصفتك شاعراً وقاصاً كيف تقرأ إجرائيا شعرية السرد في مجموعتك القصصية " الهجرة إلى مملكة الثلج " ؟
النصوص كي تؤدي الغرض وتصل الى المتلقي بصورة سلسة وجميلة لابد من استعمال تقنيات مناسبة وحسب فكرة النص طبعا. او خارطته ان صحت التسمية. انا دائما اعمد الى استعمال الأسلوب الأمثل الذي يعطي للنص قيمة أخرى تجعل المتلقي مبهورا ومستمتعا بما يقرأ، أما ان كنت تقصد وضوح لمسات شعرية من خلال جملة ما، أو حوار هنا، أوهناك في مجموعتي القصصية الأولى" الهجرة الى مملكة الثلج " ربما بسبب " ديوان العرب" واقصد الشعر، الذي فارقته مؤخرا بسبب انشغالاتي السردية، وبما إننا امة شعرية لذا نمارس الشعر أحيانا بدون ان نعي ذلك.
س: خلق الشخصية الادبية يحتاج إلى إمكانات القول والفعل خارج نطاق الخطاب الفكري الذي توجهه عبر الشخصية، وهذا بدوره يجرنا إلى سؤال آخر، كيف يتم رسم الشخصية، على أساس الوصف أم على الطريقة التحليلية ؟
كل النصوص السردية تحتاج الى خارطة ووضوح لفكرتها لدى القارئ والمهم الأول من وجهة نظري هو كيفية صناعة شخصيات النص تلك التي يجب ان تكون مستوفية للشروط الفنية؛ لذا اعمد الى تفكيك الشخصية المرسومة في خيالي، أما تحليلها مثلما ورد في السؤال تارة، وتارة أخرى أصفها بشكل تفصيلي، وما هي هواجسها وردود أفعالها كيما تكتمل لمحاتها وبروزها كوحدة مكتملة في النص.
س: في اغلب إعمالك القصصية نرى بوضوح حضور المكان، بل ان بعضها يأخذ أجواء المكان، وهذا يجرنا إلى سؤال عن كيفية التعامل مع المكان ؟
المكان يشغل حيزا كبيرا، وفي السرد خاصة، هو جزء مهم من اكتمال ونجاح أي نص، لهذا ترى اغلب كتاب القصص والروايات يهتمون بالمكان، بل أحيانا يخلقون أمكنه خاصة لنصوصهم، انا عندي للمكان أهمية مؤثرة في سياق النص، لذلك أحاول استخدامه بطريقة تعطي للنص بعدا آخر، بل اعتمد على ماوراء المكان نفسه لبعث إشارة ما، او حلم ما، او حتى طموح ما، ربما لايتحقق سوى بالقصص، ناهيك على إننا دائما لا نفارق المكان بسهولة وهذا ماورثناه من إسلافنا، ليس البدو الرحل كما يتوهم الكثير بل أصحاب الماء والزرع الذين جاوروا انهار العراق الكثيرة وعاشوا الى الآن في " ارض السواد "، وهذه التسمية قديمة بقدم العراق. من هذا، نحن في المكان الذي تغلغل في ذاكرتنا، يسير معنا، نكتبه، او نرسمه، او حتى نتخيله، فمثلما نقدس المكان في الحقيقة علينا احترامه وإعطاؤه حقه في النصوص التي نشتغل عليها، لقد عشت في العديد من المدن والأمكنة وترسخت في ذاكرتي تفاصيلها، لهذا أحيانا تراها تقفز الى نصوصي عنوة، ثم تصبح ثيمة رئيسية تجعلني أحاول خلق قصة تناسب المكان ذاته ذلك الذي تذكرته في لحظة الكتابة، أما مسالة كيفية التعامل مع المكان فهي تتعلق بماهية النص نفسه ووفق شروطه وفنيته المطلوبة.
س: ما أهم الموضوعات التي تدور عليها قصص " قبوط هتلر" ؟
تنوعت قصص مجموعتي الأخيرة " قبوط هتلر"، تجد فيها الوطن، الحياة، الصديق، الحبيب، الالم، الغربة، يعني مجموعة موضوعات مختلفة بأساليب مختلفة، حاولت أيضا عدم التقيد بعدد الأوراق لكل نص، لذلك تجد قصة بنصف ورقة تقريبا وأخرى بعدد صفحات وهكذا، مراعيا تطورات الزمن السريعة وإيصال ما أريد قوله بأقل ما يمكن من وقت او صفحات، وحسب متطلبات كل نص، ازعم أيضا ان كل قصص قبوط هتلر يجمعها رابط خفي يمكن لأي قارئ حاذق الوصول إليه ومعرفة عين الحقيقة فيه.
س: يقال أن أكثر القصص نجاحا هي الملأ بالأفكار والصور ؟
مثلما هو معروف ان نجاح القصة يعتمد على جملة معطيات فنية من ضمنها الفكرة او الصور السريعة التي يفهمها المتلقي بسهولة ويسر، طبعا هذا لا يعني إننا نهبط بالنص لأدنى ما يكون، بل بالعكس نحاول الارتقاء بالمتلقي من خلال القصة ذات المواصفات المستوفية لكل شروطها في الكتابة، منطلقا من مهمة الكاتب المقتصرة على القص أي الحكي بأسلوب مشوق وممتع بعيدا عن الدوافع مهما كانت، انا مع نص يأخذ المتلقي الى عوالم جمالية بدون خسائر نفسية او فكرية او حتى جسدية.
س: ما أهمية القصة، والقصة القصيرة، وأثرهما على المتلقي ؟
دعني أولا من تحوير السؤال قدر المستطاع، هذا السؤال بشكل وأخر يقصد الأدب بشكل عام والقصص بشكل خاص، وفي كلا الحالين الفيصل في ذلك هي الذائقة والاهتمام للشخص نفسه فمنهم من يعشق الشعر بكل أنواعه وهناك من يهتم بالرواية وهكذا بقية الأجناس الادبية، إما أهمية القصة وأثرها على المتلقي فأنت تستطيع معرفة ذلك من خلال أدماني المتواصل على كتابة القصة ومتابعتها وقراءتها حتى الآن، أليس انا متلقي أيضا ؟ من هنا يمكنني القول بان للقصة اثرا كبيرا حالها حال الأجناس الادبية الأخرى كما أسلفت.
س: نجد اليوم كم هائل من النتاج الأدبي يعرض على الساحة، هل هنالك ما يوازيه من نقد ؟
قبل هذا يمكنني القول ان النقد والإبداع يسيران معا دائما، ولكن من كان أولا ياترى؟ لاادري لماذا يلاحقني هذا السؤال الكبير، منذ الأزل مازال النقد يلاحق النصوص الابداعية بمختلف أجناسها، ولكنه قطعا لايستطيع دراستها كلها، وبحسبة بسيطة يمكننا معرفة أعداد الشعراء وكتاب الرواية والقصة القصيرة، وكم هم النقاد الذين يقابلونهم في الجهة الأخرى، هنالك فرق كبير في ذلك طبعا، من هنا لايمكن للنقد اللحاق بالنتاجات الكثيرة وبمختلف صنوف الأدب خصوصا بعد 2003، والفيصل هنا هو النص الجيد الذي يجبر الناقد على البحث عنه ومحاولة تحليله ودراسته.
س: كيف تقيم تؤيلات المدونة النقدية لتجربتك الشعرية والقصصية ؟
لايمكنني تقييم ما يكتبه النقاد الذين يشتغلون بحرفية وضوابط نقدية واضحة فلهم وحدهم الرأي والتشخيص، لقد كتب الكثير من النقاد حول تجربتي الشعرية والقصصية وهذا يسعدني طبعا، سواء ان كانوا معي او ضدي، انا اعتبر النقاد هم القيمة الفعلية لما نكتبه نحن من نصوص، احترم وجهات نظرهم مهما كانت وأراجع ما يكتبونه بدقة كي افيد من الملاحظات التي وردت في نقودهم.
س: في مجموعتك القصصية " عودة اللقلق " تعود بنا إلى تجربة المنفى الاختياري لماذا العودة للماضي ؟
سبق وان نوهت لك في السؤال الخاص بالمكان، يمكنني القول أنني عشت في عمان وليبيا وغيرها من المدن كما بقية العراقيين في التسعينات، أنها تجربة كبيرة وقاسية بمعنى الكلمة، غربة وخذلان والآم وغيرها، لهذا لابد لي من العودة إليها وتوظيفها فنياً من خلال القص.
س: هل ترى أن القراءة مازالت بخير، في ظل الوضع الراهن الذي نعيشه في دائرة الحريق العربي ؟
هذا سؤال مهم جدا، ولكن أبعدني عن الحريق العربي المستعر منذ عقود، ولا علاقة بينهما أبداً، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأمور الناتجة من هذا الحريق كما أسميته أنت، سواء كانت النفسية والفكرية والمادية وحتى الجسدية والصحية وما الى ذلك، كل شي يسير الى المجهول، بما في ذلك القراءة التي هي، بالاساس، في تردي متواصل، وإذا أردت التأكد عليك ان تحسب المنتوج الكتابي الحالي، ربما أكون قاسيا قليلا ولكنني مقتنع دائما بمسالة مهمة رافقتني طوال عمري وهي " كلما كثرت الكتابة قلت القراءة " الجميع يستسهل الكتابة ويترك القراءة، وهناك مقولة رائعة لبورخس" أنت تفخر بعدد الأوراق التي كتبتها وأنا افخر بعدد الأوراق التي قرأتها "، أليست هي حكمة أزلية تقودنا الى معرفة أنفسنا وأين أصبحنا، طبعا هنالك استثناءات ولكن الحالة العامة هي متردية.
س: من يقرأ لك يرى أهمية الكتابة في حياتك. أهي أولوية أم رغبة كانت مؤجلة ؟
للكتابة أهمية كبيرة في حياتي، فمن خلالها أتنفس احتراقاتي لوحدي، وهذه متعة لاتساويها متعة، لاتستغرب نحن نحترق بدون ان يرانا احد ورغم ذلك نمارس الكتابة، ونقدم المتعة بكل أناقة وذوق، أليست هذه أولوية مصحوبة برغبة ؟ الفرق إننا لانعتاش على كتاباتنا مثلما الكتاب في الدول الأخرى، بل نخسر الكثير من صحتنا وأموالنا وحتى علاقاتنا بسبب هذه الأولوية والرغبة كما وصفتها أنت.
* مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع