الشاعر الذي احتفت به الأشجار

            

          الشاعر الذي احتفت به الأشجار

    

 

        بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط*

    
الشعر مثل الحقيقة، من المعاني الأولية، التي لاتحتاج إلى تعريف لفهم المقصود منها. والإحساس هو الذي يكشف لنا عنه ويجعلنا نعيش تجربته حين يثير في نفوسنا العاطفة، التي تستولي علينا كلما عنّ لنا شيء يسلب عقولنا بروعة صوره.

فالشعر إذن يتميز بتأثيره على الأحاسيس الإنسانية ولكن من غير تحديد للشعر في ذاته، أي لما يثير فينا العاطفة الفنية، مما هو موجود في الأشخاص والأشياء التي حوالينا..أو بعبارة أخرى من تحديد لماهية الشعر، وهذا ما يجعلنا نعيش الإحساس ذاته بكامله مما منحنا إياه الشاعر المتالق د. سعد ياسين يوسف عبر تجربته المتفردة وصوره المؤثرة على الإنسان. وهل هناك ما هو أثمن من الإنسان في هذا الكون. وللشاعر تجربة إبداعية مميزة تمتد لعدةٍ عقود من الزمن، فلم يكن شاعراً فحسب، بل شاعر بمساحة الجمال والأشجار ووجع الوطن المستباح.
هذا وقد دأبت مجلة " الگاردينيا " على إجراء حوارات تتناول محاور في الأدب والفن والثقافة. وحرصت في الوقت نفسه على إجراء مثل هذه الحوارات مع شخصيات متخصصة في مثل هذه الموضوعات. وحوارنا في هذا العدد نتناول موضوع الشعر ومكانته في الثقافة العربية المعاصرة. وقد أجرينا هذا اللقاء مع الشاعر والباحث الأكاديمي في مركز دراسات وبحوث وزارة الثقافة، ورئيس المنتدى الأكاديمي في اتحاد الأدباء، والذي له إسهامات متميزة في الأدب والشعر وفي مجال اختصاصه، لذا يسر" الكاردينيا "، إن تلتقيه في حوار مع الاعتزاز والتقدير له ولكل المبدعين.
س: كثيراً ما نجد صورة الأشجار تتجلى في شعرك ؟ ما مكانة الشجرة وأهميتها  في حياة الشاعر؟
الشجرة بالنسبة لي..هي الإنسان.. وهي القيم الإنسانية لم انظر الى الشجرة نظرة رومانسية وإنما سعيت الى أنسنة الشجرة وتوحدت بها ..الشجرة هي انا وهي العائلة هي الوطن هي البيت وهي الحبيبة وهي الملاذ من حزن الفصول...أليس لكل شيء في الحياة شجرته..؟ ولذا كانت الشجرة وبدون وعي مني تتألق في قصائدي تتوهج معي لتعلن عن وجودها..وهكذا جاءت مجموعتي الثانية (شجر بعمر الأرض)عن دار الشؤون الثقافية ببغداد عام 2002 والثالثة ( شجر الأنبياء) عن دمشق 2012 و(أشجار خريف موحش) عام 2013 من بلغراد... ولدي مجموعة تحت الطبع هي الخامسة ستكون تحت عنوان ( الأشجار لا تغادر أعشاشها ) أنتظر انجاز طبعها قريبا  لتحمل هذه المعاني التي انسنت مفهوم الشجرة بانزياحات لغوية عده والتي تنبه لها الكتاب والنقاد وأطلقوا عليَّ بسبب ذلك لقب (شاعرالأشجارالمقدسة) في أكثر من مقال ودراسة نقدية ومقابلة تلفزيونية..حتى ان الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق أقام لي أصبوحة احتفائية سميت حينها ( الأشجار ثيمة في شعر الدكتور سعد ياسين يوسف ) تحدث فيها عدد من النقاد والأكاديميين الذين أكدوا فيها ان سعد ياسين يوسف قد تفرد باعتماد هذا الرمز ومنحه عمقا عبر نصوصه التي يتشظى بها معنى الأشجار ويكبر ويصبح ثيمة واسعة وعميقة في شعرة تستدعي الدراسة الأكاديمية والفكرية.
س:الموروثات الشعبية والأساطير القديمة، سمات تتألق في نسيج القصيدة، ما مدى تعلق ذلك بالشعر ؟
الموروث الشعبي والأساطير هي جزء مهم من تكوين الشخصية العراقية وثمة جذر يجمع بين الموروثات الشعبية والأساطير التي هي بمثابة القصائد والصور والرموز الأولى لشكل الحياة التي عاشها الانسان على هذه الأرض في مواجهة المخاطر والظروف الطبيعية القاهرة وانعكست لديه برؤى تشكلت أسطوريا فيما بعد.. والمدرك الجمالي للأسطورة هو أهم ما يعنى به الشاعر،إذ غالباً ما يسعى الشاعر المعاصر الى استدعاء الأسطورة عبر نسق فني؛ يعتمد  خصائص الصياغة الفنية في الأساطير ومنحاه في التشكيل موسعا بذلك من دائرة رؤيته للتراث الإنساني، جاعلا ًالتاريخ وأحداثه، والكتب المقدسة والحكايات الشعبية المتوارثة والخيال مصادر لإلهامه.
ومنذ بداياتي الأولى كنت أستمع الى الأساطير الشعبية المحكية من خلال كبار السن وكنت مولعا بدراسة التاريخ القديم والأساطير الخاصة بوادي الرافدين وقيم الشهادة الأسطورية التي جسدها الحسين( ع ) والأبطال الذين وقفوا معه،وما تضمنه القرآن الكريم من قصص ورموز مهمة تشكلت في ذاكرتي وتلألأت كلما كتبت نصا شعريا ولذا أجدني منجذبا لتلك الرموز بين آونة وأخرى في كتاباتي الشعرية، وخصوصا في مجموعتي ( شجر الأنبياء) وتحديدا في قصائدي" شجرة آدم "و" شجرة يونس" و" شجرة كربلاء " وغيرهما وكذلك في مجموعتي الرابعة أشجار خريف موحش في قصيدة " قيامة بابل " و" ترتيلة دمشق"و" شجرة النزول "
س: ما الأسباب التي تدعو الشاعر إلى كتابة قصيدته ؟
كثيرة جدا وأهمها بالنسبة لي ان نجعل الحياة ممكنه في خضم هذا الموت الذي يتربص بالحياة في كل لحظة، أنْ نخلق لنا عالما ً نعيش فيه بحرية كاملة، أنْ نفتح الأبواب المغلقة ليتدفق كل هذا الموج الكامن فينا كما تنطلق المياه المتجمعة خلف بوابات السدود لحظة رفعها.. أنْ تتحقق لحظة التطهير الروحي حينما نضع القلم جانبا بعد أخر حرف نخطه في القصيدة .. أنْ نرسم صورة الحياة التي نريد للآتين كي يعرفوا كيف تكون الحياة الحرة الكريمة.. كيف يكون الحب بعيون القصيدة،القصيدة هي كينونة الشاعر والصورة الحقيقة لروحه.. ومن قال أنَّ الروح لا يمكن تصويرها أنا أقول له:لا.. الروح تصورعبرالقصيدة.. ولك أنْ ترى بوضوح روح الشاعر عبر منجزه الشعري..
س: توزع نشاطك بين الشعر والدرس الأكاديمي، أيهما أقرب إليك ؟
أنا أمارس عملي الأكاديمي من خلال مركز دراسات وبحوث يتولى رسم السياسات الثقافية والاعلامية ووضعها تحت تصرف أصحاب القرار وتحليل الظواهرالثقافية ومتابعتها إضافة الى الإعداد للمؤتمرات والحلقات الدراسية التي تقام بين آونة وأخرى،ناهيك عن المحاضرات التي يطلب إليَّ تقديمها للمؤسسات الثقافية والإعلامية عن الصحافة وفنونها المختلفة وعن الإذاعة والتلفزيون وكتابة السيناريو والإعلام الرقمي والعلاقات العامة وغيرها ، وكذلك من خلال  المنتدى الأكاديمي الثقافي التابع للاتحاد العام للأدباء والكتاب والذي ينشط في إقامة الفعاليات الثقافية المختلفة بطابعها الأكاديمي من ندوات وجلسات تتناول الدرس الأكاديمي في مجال الشعر والنقد والقصة وأدب الأطفال والفن التشكيلي والموسيقى..غير أنَّ للشعر مكانته التي لايمكن لأي نشاط أخر أنْ ينافسه وينتزع محبته من قلبي فللشعر الأولوية في كل شيء بالنسبة لي لأنه رديف حياتي ومرآة روحي .

   

س:هل يمكننا أن نقول لدينا شعر عراقي مستوفي الشروط الفنية والجمالية ؟
بالتأكيد  ولذا فهو ينافس ويتحدى ويتألق في كل المحافل العربية والدولية .. العراقيون أول من كتبوا الشعر في الرقم الطينية وعبر الملاحم المعروفة ،فلا غرابة إن يتواصل هذا العطاء ويتألق اليوم ليكون علامة بارزة في الثقافة الإنسانية.. حركة التجديد في الشعر الحديث انطلقت من العراق ولذا فان الشعر العراقي هو وريث كل هذا النهوض والتطور الإبداعي فكيف لايستوفي شروطه الفنية والجمالية ولدينا على ذلك شواهد لاتعد ولا تحصى ممثلة  بنتاجات الشعراء العراقيين  .
س: كيف ترى مستقبل الشعر ؟
الشعر سر كينونة الحياة.. باقِ ما بقيتْ،ولأنه يأخذ شكل الحياة فأنه مستمر برفدها بقيم جمالية ورؤى فلسفية تجعلها أكثر توهجا..
منذ أن كان الانسان كان الشعر وربما الإشارات والكلمات المبعثرة الأولى التي حفرها على جدران الكهوف كانت هي القصائد الأولى للإنسان لانها عبرت عن مخاوفة ورغباته وأحاسيسه بعري مطلق.. لذا فان الشعر سيستمر عابراً حواجز الزمن مادام الانسان ..
أما بالنسبة للشعر العربي فهو في تطور مستمر تطور اللغة والعصر والحاجة الى ما يديم حرارة الروح وتوهجها..
في البدء كانت القصيدة العمودية بعروضها واشتراطاتها المعروفة وكان الجمال يتدفق عبر رؤية الشاعر ومدى قدرته على التأثير وحصلت تطورات على القصيدة العمودية نقلتها من بيئتها البدوية القاسية والوقوف على الاطلال الى جو المدينة والتحضر بعد دعوات المجددين في القصيدة العمودية وصولا الى التجديد الحقيقي على يد السياب ونازك الملائكة والذي أحدث ثورة في كتابة الشعر ومنح القصيدة أجنحة لتحلق بعيدا عن أغلالها.. وها نحن اليوم نعيش عصر قصيدة النثر التي منحت نفسها فضاءات واسعة من التحليق...غير أن  التحليق الحر عبر قصيدة النثر لايتحقق إلا عبر التكثيف في لغة القصيدة والاعتماد على الصورة  والايقاع الصوري بدل السرد المضطرد وتحقيق عنصر الدهشة لدى المتلقي وتوليد المعاني والصور المبتكرة.. وهكذا ترى إن تطور الشعر دليل على ديمومته واستمراره كفن تعبيري جمالي يوازي وجود الانسان وينافس الاجناس التعبيرية الأخرى .
س: صورة المرأة تتألق في نسيج القصيدة، ما مدى تعلق ذلك في الشعر؟
بأختصار أنَّ المرأة هي القصيدة والقصيدة أنثى.. ولأنَّ المرأة هي الدافع والمحرك الروحي لنا لكتابة القصيدة فبوعينا أو بدونه تتشكل نسيجا أساسيا لبناء القصيدة ومحركا لها ورمزا.. هي نهر القصيدة وسر خضرتها.. ونسغها الصاعد والنازل ولكي أصف لك السر الذي بينهما اسمح لي أنْ اورد لك نصا ستجد فيه الاجابة على السؤال كما أرى..  وعبرت عنه في ( شجرة القصيدة )..
" هيَ تلكَ المتواريةُ

وسطَ كثافةِ أشجاري
تلوِّحُ لي
من نافذةِ  الروحِ
وتهربُ ..
تُوقِظني ملسوعاً
خلفَ خطوطِ الزّمن ِ
بحثاً عن قدمي ّ، كفي
عن عينيَّ المأخوذة ِ
برهبتِها ،
رهبةَ أن تفلتَ من بينِ يديَّ
وهي القادمةُ من أقصى المدنِ
فأخبئُها تحتَ قميصي
جمرةَ نارٍ تتآكَلُني
تُبخرني غيمةَ عطرٍ
على ساريةٍ تبكي ألوانَ  رفيفٍ شاحبْ
تذروني رمالاً
 غادرها البحرُ
 أخوضُ ببزتِها كلَّ حروبي
واقاتلُ جنرالاتِ الموت ِ..
سُراقَ وجوهِ الاشجارِ الضاحكة ِ بالوردِ .
بعصاها ...
أشقُّ بحارَ الظلمة ِ
كي تعبرَ - نحوَ الضَّفةِ الأخرى -
أحلامٌ عافتها اشرعةُ السفنِ
حتى شاختْ وأبيضتْ عيناها
وأعرّي زيفَ " الخنزيرِ" اللاهث ِ
خلفَ بقايا حُلمٍ لوّثهُ.. يومَ اندسَّ
بغابةِ أشجاري ...
هيَ الغيثُ النازلُ فوقَ يبابِ الأرضِ
ينبتُ اكواناً من سحرٍ
ومواسمَ أعيادِ الأرضِ
هي حزني المتفجّرُ صمتاً ببريقِ عيوني
 وصهيلِ خيولي النافرةِ من برزخ ِصدري
لسماواتٍ سابعة ٍ..
خلفَ سنابِكها نُثْارُ نجومِ الدهشة ِ
تَمْوّجُ اوراقِ الآياتِ  الأولى
وهي تحلقُ عائدةً
 لتحطَّ على أشجارِ حديقتيَّ المسكونةِ
برفيفٍ لا أعرفُ سره ...
هيَ منفايَ لأصقاع ٍ باردة ٍ ..
وحدي تتركُني وطقوسي السريةَ
أستحضرُها .. فلا تأتي
أطفيءُ جمرَ الموقدِ
وألوذُ ببردةِ صمتي
أنفضُ عني
رَمادَ ترقُّبِها  
أطفيءُ جرحي
أحضنُ غصنَ الحنّاءِ
المرسومِ على ذاكرتي
يومَ أرتني سرتَها الأرضُ
أغفو ..
فتطلُّ  
تُضيء جدارَ الوحشة ِبعضُ ملامحِها ...
تُؤجنني  ثانية ً
أصرخُ فيها :
أينك .. أينكِ .. أين ؟
أيَّتُها اللاهيةُ   
أعرفُ أَنكِ حتفي
وبريقُ نجومي
بروحي الطفلة ِ
وهي تدورُ على كعبة ِ
شمسِكِ ...
هيَ حتفي...
" ألستَ القائل "
هيَ حتفي
 حينَ ابوح بأحرفِها السريةِ لليلِ ...
لكني سأبوحُ بأحرفِها كاملةً
قبلَ أن تغرسوا سكاكينَ الظنِ
بصدري
هي َ
هي القصيدة
س: ما مستقبل الشعر، وسط  طوفان الرواية وتسيدها على المشهد الثقافي ؟
لأخوف من طوفان الرواية على الإطلاق ( أذا أفترضنا وجود هذا الطوفان ) وذلك لسبب موضوعي جدا الا وهو ايقاع العصر الذي لايسمح بقراءة الرواية الا من قبل فئة محددة قياسا بجمهور الشعر ناهيك عن الوقت الذي تتطلبه قراءة الرواية هو بالتأكيد أكبر مما يتطلبه الشعر ، صحيح أنَّ للرواية غوايتها لدى الكثير من الكتاب الذين هم أصلا كانوا شعراء لأسباب عدة،منها القدرة الأوسع على التعبير السردي وتوفير فضاءات واسعة ورحبة للمؤلف  الا أنَّ رجحان الكفة في التلقي والقراءة والوصول الى المنجز في الشعر أكبر مما هو للرواية.. ولذا لاخوف على الشعر من أنْ تبتلعه الرواية  ولا حتى العكس بل ثمة نقاط يلتقيان ويشتركان فيها معا كجنسين أدبيين مهمين في ثقافتنا اليوم  .
س:كيف ترى ازدياد الشعراء في الفترة الأخيرة، بصورة لم نشهدها من قبل ؟
ظاهرة ايجابية جدا هذا يعني أن التوجه نحو الإبداع وينابيع الثقافة في تزايد..الشعر هو وعي الوعي، وبذا تكون مساحة الوعي في حياتنا الثقافية أوسع وأكبر.. ولا خوف على مستوى الشعر حينما يكثر الشعراء بل على العكس كثرة نجوم السماء تدفعنا لأنْ نحدق بالنجمة الأكثر بريقا لأنها بالتأكيد ستكون الأقرب لنا.. الشعر هو الثقافة بأوسع أشكالها وأكثرها شمولية..ففيه تمتزج ثقافة اللغة والأدب والنقد والموسيقى والفن التشكيلي والمسرحي وسيميائية المعنى ولذا فأن من يلج ميدان الشعر عليه أنْ يتسلح بكل هذه الثقافات وهذه الثقافات هي ثقافات بناء للشخصية من أجل أنْ تنتج الجمال..وإذا شاعت ثقافة الجمال في الحياة والمجتمع فمعنى ذلك اننا سنكون أقوى وأرصن في مواجهة القبح والدمار والظلام .  
ليكتب من يكتب الشعر نبارك له ونشد على يده.. لكن العِبرة بالنتائج..في قيمة ما يكتب وما يبقى في الذاكرة الجمعية مما كتب ومدى تأثيره في الوسط الإبداعي ..
س: كيف تنظر إلى" نادي الشعر" وما تقيمك للمشهد الثقافي العراقي ؟
نادي الشعر نافذة مشرعة للإبداع على مدى دوراته التي مرت فهو من خلال الاتحاد العام للأدباء والكتاب أستطاع ان يستقطب الطاقات المبدعة وتفعيلها وتنشيطها بشكل أسهم في تعزيز حركة الشعر على الساحة الثقافية العراقية... قدم لنا عبر مواسمه الثقافية شعراء عراقيين بمختلف الأجيال وعرّف بمنجزهم الشعري سواء كان ذلك شعرا عموديا او شعر تفعيلة أو قصيدة نثر..وأحيا العديد من الجلسات الشعرية النقدية وهو بذلك يسعى الى المزاوجة بين هذين الجنسين من الإبداع لعلاقتهما الجدلية نحو التطور والازدهار..ولم يكتف ِبذلك بل أمتد بنشاطه الى شعراء المحافظات وخصوصا الشباب منهم للتعريف بمنجزهم ومنحهم دفعة مضافة للتواصل مع شعراء المركز وتسليط الضوء على الحركة الشعرية فيها..كما سعى نادي الشعر الى استذكار الشعراء الراحلين وفاءا لما قدموه للحركة الشعرية العراقية والعربية،وقد حظيت أصابيح نادي الشعر التي تقام في قاعة الجواهري كل سبت بحضور لافت للشعراء والنقاد العراقيين وكذلك وسائل الإعلام والفضائيات التي تعد جلسات النادي بمثابة حدث ثقافي مهم .
إما ما يتعلق بالمشهد الثقافي ككل فانا أجده في تطور وهو يأخذ هذا الاتساع الأفقي والعمودي في فضاءات العطاء ممثلا بالأنشطة الثقافية التي تشهدها الساحة الثقافية عبر الاتحاد العام للأدباء والكتاب وأروقة وقاعات المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي وما تقدمه الجمعيات والمراكز الثقافية الأخرى والإصدارات التي تصدر كل يوم للمبدعين العراقيين،في الوقت الذي تقلصت فيه الأنشطة الثقافية الرسمية وأضمحلت بشكل ملفت للنظر حتى أنَّ موقع واحد على الفيس بووك على سبيل المثال يقدم اليوم ما يعادل الجهد الرسمي في هذا الاتجاه..ولذا لابد للمؤسسة الرسمية أن تعيد صلاتها بالمثقف وتسعى الى تأمين حاجاته لتمكينه من مواصلة انجازه الإبداعي من خلال توفير فرص الحياة الآمنه له وطبع نتاجاته والحرص على سلامته وتوفير الضمانات الاجتماعية له لكي يواصل العطاء..
لقد فقدنا الكثير بسبب إهمال المؤسسة الرسمية للمثقفين وهم يعانون الشيخوخة والمرض والتهديدات الأمنية والحياتية بمختلف أشكالها وليموتوا "على نفقتهم الخاصة " في داخل الوطن وفي المنافي دون أنْ يكلفوا الحكومة لافتة العزاء حتى.. ورغم ذلك والمثقف العراقي ينجز ويتفوق في المؤتمرات والمهرجانات والندوات المسابقات العربية والإقليمية والدولية مما يؤكد أنَّ الثقافة العراقية كعطاء إبداعي فردي مجتمعي دون دعم الدولة هي بخير وتتألق وتنافس وتسجل مثابات عالية في مختلف الاجناس الادبية والفنية .ويبدو أنَّ ابتعاد المثقف العراقي عن دعم السلطة له قد منحه تحديا حقيقيا ليكون أكثر ابداعاً وصدقاً وبياضاً واقتراباً من روح الشعب .

*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد

     

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع