الكشف في منابت الألم
رواية “عجائب بغداد”، للكاتب العراقي وارد بدر السالم، نص عن الدهشة والحفر والكشف في منابت الألم، نص يتماهى فيه تأريخ وتوثيق فظائع الاحتلال الأميركي مع النبش في الذاكرة التي احتفظت لبغداد بصورة البهاء والثقافة، وقارنت بعد أن عاد صاحبها إلى بغداد كيف كانت وكيف ضيّعت بوصلتها القدرة على تحديد الجهات، وأيضا هي نص عن إدانة القتل اليومي وتطاحنات الداخل وإملاءات الخارج.
العرب سمير أحمد الشريف:في نص “عجائب بغداد” لوارد بدر السالم، يتضافر الواقع مع الخيال، والسخرية مع الدمعة والرمز والغرائبية من خلال البناء الفني على مسار داخلي للسرد، يتوازى مع مسار خارجي يمتح من أدب الرحلة، كل ذلك معجون بلفيف متقن من توظيفات تقنية حديثة كالإيميل والشات.
إنها أكثر من رواية، إنها تأريخ ومتابعة ورصد لإحداث 2006 وحرب الطوائف والعصابات وتعرية كاملة لأبعاد التآمر على العراق، رواية الوطن المسروق الذي لطخته الدماء، رواية الوطن الذي خرج من تاريخه وأدخل إلى تاريخ الفساد.
“تعال إلى وطن يأكل الدود تفاحَهُ وينخر السوس أفكاره. أحسّني أنتمي إلى هذه الفوضى كي أتصالح مع شكوكي، وأبني جسري بيني وبين نفسي لأقول لأب مهاجر تعال يا أبي وتعلم من الفوضى ما لم تتعلمه من أسفار تدرّ المال وتنفخ البطن، تعال ابحث عني في زكام بغداد وأمراضها وحروبها التي لا تنتهي”.
إنها رواية الرمز بالوقوف على رقم ستة، ورمزية جمجمة الأميركي التي أصبحت بين أقدام الطفل العراقي مجرّد كرة، والأستاذ الذي جمع حوله السكان الجدد والبيوت الجديدة، والصياد الذي يكشف عمليات القتل والتصفية الجسدية وكل ملفوظات الدهشة التي يرصدها الصحفي العائد إلى وطنه، وغرائبية الأصبع اليتيم الذي حمل في تابوت بمقاس قامة الأخ ودفن في مراسم عادية وعاد يبكي في الصباح.
كما أنها رواية غرائبية حيث كان يحمل معه أخاه الإصبعَ في راحة يده، فيتحرك قائلا إن أخاه اشتاق إلى النهر والماء والصيادين، وأيضا سخرية الألم عندما تصير الجثث في نهر دجلة مصدرا للرزق على اعتبار أن هذا باب فتحه الله على الفقراء في وقت حرج، وانتفاضة الإصبع المقطوع في وجه الأميركيّ، والجثة مقطوعة الرأس تتحرك طبيعيا.
من خلال السرد والحوار والوصف أبرزت الرواية بطولة المكان، إذ يمكن النظر إلى ذلك في الرواية رغم صفحاتها التي تجاوزت المئتين بقليل ورغم تأريخها لحالة نفسية سياسية اجتماعية مرّت بها بغداد الرشيد بكل مفاصلها وتشعباتها، إلّا أنها لم تقل كل شيء، بل إن الكثير من الآلام والجراح ظلت تدفنها السطور ويمكن اكتشافها من خلال النبش في الكثير من المحذوفات التي خلا منها النص وعكستها الحالات والحروف والمواقف.
هل نحتاج إلى أبلغ من هذا المشهد لكي نشخص الحالة أكثر؟ “هذا هو الرصافي، بشاربه الهتلري يقف على قاعدة تحيط بها أزبال الديمقراطية”.
همرات ومارينز وصحفيون ومراسلون ووجوه عراقية متلبسة بالغموض والبلادة والحزن وأطياف من الأسئلة.
هذه أول مرة أرى فيها وجوها عراقية بهذا التكرار، نساء متشحات بعباءات سود، شاردات الأنظار، محجبات، وجوها قلقة. وهناك رجال محاصرون يفترسهم الهمّ والغد المقبل بالوعود، يحملون فايلات ملونة ويلوّحون بها كأنهم سيدخلون الجنة من بوابة الشيراتون بحماية جنود المارينز!
وارد بدر السالم، سبق أن صدرت له مجموعة من الأعمال نذكر منها “ذلك البكاء الجميل” و”أصابع الصفصاف” و”جذوع في العراء” و”بيتنا” و”انفجار دمعة: يوميات حرب” و”المعدان” و”انفجار قلب: رسائل حب” و”جنة العميان” و”فصول الحصار” و”طيور الغاق” و”مولد غراب” و”شبيه الخنزير” و”البار الأميركي” و”آخر حروب الرئيس”.
534 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع