محاضرة التبعية السياسية للكرد...
أقول مأثورة عن الكورد
* من أقوال الزعيم الهندي (جواهر لال نهرو) قال:
[أستغرب كيف أن الأتراك الذين ناضلوا من أجل حريتهم يقمعون بهذه الوحشية؟ الشعب الكردي الذي يناضل من أجل الهدف نفسه ـ أي الحرية ... كما هو غريب أن تتحول قومية أعلنت احترامها لحقوق الإنسان إلى قومية عدوانية بهذا الشكل ... وأن يتحول نضالها من أجل الحرية إلى محاولة لاستبعاد الآخرين .... ونسمع عن المآسي التي يتعرض لها الشعب الكردي الذي استقر في عدة دول، ولم تتيح له الظروف التاريخية أو السياسية تشكيل دولة تضم قوميته (الكردية)]
جواهر لال نهرو
* [وهكذا فالأتراك الذين لم يمض إلا وقت قصير على كفاحهم من أجل حريتهم عمدو إلى سحق الكرد الذين سعوا بدورهم إلى نيل حريتهم. ومن الغريب كيف تنقلب القومية المدافعة إلى قومية معتدية، ويتغلب الكفاح من أجل الحرية إلى كفاح من أجل التحكم بالآخرين. ففي عام 1929 نشبت ثورة أخرى عند الكرد. إلا أنها سحقت من جديد، مؤقتاً على الأقل. ولكن كيف يسمح أحداً أن يسحق شعباً يصر على نيل حريته وحقوقه القومية وهو على استعداد لدفع ثمنها ...]
جواهر لال نهرو
* وصف الكاتب التركي س. أوستونغل:
[نشاهد القرويين عائدين من مراكز الشرطة والجندرمة وهم على قيد الحياة رغم أن الكثير منهم كانوا مثخنين بالجراح، أما بالقسوة تجاه الشعب الكردي فقد فاق الكماليون السلاطين العثمانيين. المخضبة أيديهم بالدم الكردي. إنهم يثقفون بالقسوة التي ينتهجونها إزاء الأكراد والأقليات الأخرى. التي يحاولون تتريكها بالقوة. لقد أرحلوا القبائل الكردية عن أوطانهم وهم يجهزون على الكرد بالجملة، مثلما فعلوا بالأرمن تماماً..... ].
وصف الكاتب التركي س. أوستونغل
* نلسون مانديلا:
[سأل أحد الصحفيين السيد نلسون مانديلا عن سبب رفضه لجائزة أتاتورك ... قال مانديلا: (حاول أن تكون كردياً ساعة واحدة ثم أخبرني عن شعورك وستعلم لماذا رفضت جائزة أتاتورك) ]
نلسون مانديلا
* من أقوال الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق الأسبق( ):
1- (إن القضية الكردية هي مشكلة العراق الأساسية المرتبطة بوجودهُ، ولن يتأتى له الاستقرار إلا إذا حلها حلاً عادلاً ينصف الأطراف المعنية كلها، فتتحقق نتيجة ذلك وحدة الشعب الكردي).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
2- (القضية الكردية ليست وليدة فترة زمنية متأخرة أو حصيلة وضع سياسي معين، أو نتيجة تحريض شخص أو بضع أشخاص، كما يتوهم بعض العراقيين اليوم، وإن تأكيد هذا الأمر أصبح في الوقت الحاضر ضرورياً لأن بعض المسؤولين لم يدركوا بعد حقيقة هذه المشكلة الكردية في العراق، ولم يتح لهم أن يسبروا عمق أغوارها).
من كتابه (العراق من الاحتلال إلى الاستقلال)
3- (الشعب الكردي لا يريد الانفصال ولا يريد إلا الحفاظ على وجوده، ونحن مستعدون أن نعترف بالوجود الكردي وأن نعترف بالذاتية الكردية كقومية متميزة لها لغتها وتراثها وأمجادها، ومن حقهم الحفاظ عليها).
في 15/6/1966م (ندوة تلفزيونية)
* الدكتور (الطبيب) فهمي الشناوي:
في كتابه (الكرد يتامى المسلمين أم ضحاياهم)
1-إن الأكراد هم يتامى المسلمين، وأنّ ثرواتهم الطائلة قد قام عليها إخوتهم المسلمون الآخرون، ونهبوها لأنفسهم دون الوريث المستحق الأصلي (ص8).
2-الأكراد الخمسة والثلاثون مليوناً يملكون منابع أنهار الشرق الأوسط، ويملكون معظم نفط هذه البلدان، يملكونه أصلاً، ولكنهم محرومون منه فعلاً. يملكون المياه والنفط ولكن ملكياتهم منهوبة عند إخوانهم وجيرانهم (ص41).
3-وأقصى ما وصل إليه وازعٌ ضمير المغتصب، هو أن يعطي الأكراد في مناطقهم ما يشبه (الحكم الذاتي ...) ولكن لا يتمتّع صاحب هذا الحكم الذاتي برسم السياسة، أو الاشتراك في الحكم، ولا توجيه الدولة حرباً ولا سلماً ولا تفاوضاً مع الأجنبي بأي حال، لأنه غير مؤتمن على الدولة، فوضعهم مثلُ وضع عرب فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي (ص15).
4-"الحكم الذاتي ما هو إلا رقّ واسترقاق سياسي" (ص16).
5-"كل من حول الأكراد يتباهى بالوطنية صباح مساء، ويجعل منها أيديولوجيا، ويتغنى بتراب الوطن، ويتشدّق بالموت في سبيل الوطن، حتى إذا طلب الأخ الكردي أن يكون له وطن مثلهم لا أكثر ولا أقل، أنكروا عليه ذلك، واعتبروه معتدياً على ما في يدهم" (ص20).
6-فالقومية العربية لا تكفُّ عن التباهي والتفاخر، ولها مؤسساتها، سواء فاشلة أو ناجحة، ويجعل زعماؤها منها ديناً مقدساً، ... فإذا طلب الأكراد أن يكون لهم قومية استنكروا فهم هذا (ص21).
*صدام حسين:
[كردستان جنة الله على الأرض].
صدام حسين
* نزار بابان (كاتب ومناضل كردي):
[كردستان جنة الله وجحيم أمة].
نزار بابان
محاضرة التبعية السياسية للكورد
إن الوصول إلى الغاية من البحث السياسي للكرد لا يتم بسهولة، إلا باستعراض التاريخ السياسي للكرد قبل الحرب العالمية الأولى. وما تضمنه من أحداث واضطرابات إقليمية ودولية.
عاشت كردستان حياة منعزلة في تاريخها الطويل، ولم تكن تملك حرية التفاعل مع العالم الخارجي حولها، كما أنها لم تتعرف في تاريخها كله على شكل الدولة الوحدة بالرغم من وجود الدولة الإمبراطورية الميدية الكردية قبل الميلاد. كما لم تنعم بوطن موحد، علماً كانت هناك دول وإمارات كردية (راجع محاضرة الدول والإمارات الكردية)، لقد شكلت طبيعة كردستان الجغرافية المعوق الأساسي في هذا كمله، لأن جبالها العالية ووديانها السحيقة وأنهارها الكبيرة قد حالت دون اتصال المناطق الكردية ببعضها البعض. وإذا كان الوضع الجغرافي الطبيعي هذا قد نجح في عزل هذه البلاد الكردية عما حولها إلى فترة طويلة (محاضرة الدول والإمارات الكردية)، فإنه لم يستطيع أن يعزل أو يعين المطامع الخارجية ولا الغزوات الخارجية الملاحقة التي توجهت ضدها (كردستان) والدول والإمارات الكردية على مدار تاريخها الطويل، وذلك لأن الوضع الجغرافي والسياسي لكردستان كانا سببين مباشرين لما تعاقب عليها من احتلال واختراق على مدى تاريخها الطويل. حيث غزا الأرمن والرومان حدود كردستان وتوغلوا في بعض أجزائها، ثم لم تلبث أن خضعت بمجملها لحكم الآشوريين في القرن الرابع ق.م.
وعندما زالت الإمبراطورية الآشورية على يدّ الميديين الكرد (الإمبراطورية الميدية) الكردية بالاشتراك مع البابليين عام 612 ق.م فإن أملاك الإمبراطورية الآشورية توزعت بين الشركاء الثلاثة.
فقد نالت إمبراطورية بابل سوريا وفلسطين وجنوب بلاد ما بين النهرين.
بينما حصلت الإمبراطورية (الميدية) الكردية على الأجزاء المتبقية وهي القسم الأكبر من إيران وشمال بلاد ما بين النهرين وكليكيا وارمينيا.
وفي ذلك الوقت كانت كوردستان جزءاً من أرمينيا ثم قضى (كورش) الفارسي على الدولة (الميدية) الكردية وأقام الإمبراطورية الفارسية (الأخمينية) التي حكمت شعوب الشرق الأدنى والشرق الأوسط بما في ذلك الشعب الكردي.
لقد استمر ذلك حتى عام 331 ق.م حينما داهم الاسكندر الأكبر المقدوني هذه الإمبراطورية (الفارسية/الأخمينية) وقضى عليها وأصبحت ضمن إمبراطورية (الاسكندر المقدوني) ومن ضمنها أرمينيا وكردستان.
وبعد وفاة (الاسكندر المقدوني) عام 323 ق.م عمد قوادهُ إلى قتل زوجته (روكسانا) الكردية الأصل، كما قتلوا ابنها واقتسموا إمبراطورية الإسكندر المقدوني/الروماني الواسعة بينهم. فكانت كردستان من نصيب القائد الروماني (سلوقس).
ولم يلبث (أوروانت) والي ارمينيا أن استقل بهذه المقاطعة (أرمينيا) وأعلن نفسه ملكاً عليها بما فيها كوردستان وهي المملكة الكبرى التي امتدت من بلاد ما بين النهرين وشمال سوريا وفينيقيا (لبنان) إلى أن داهمها الرومان فقضوا عليها واحتلوا أرمينيا نفسها ثم رحلوا عنها فعادت إلى حدودها القديمة متخلية عن كردستان لأهلها الكرد.
استمر الكرد يحكمون أنفسهم بعد ذلك على شكل (إمارات وإقطاعيات مستقلة) طوال القرنيين التاليين وحتى عام 226 ميلادية، حينما أعلن (اردشير الساساني) استقلال بلاده (بارثيا / إيران) وقضى على إمبراطورها الأرمني (أردوان) وأعلن نفسه ملكاً عليها ومؤسساً بذلك الإمبراطورية الساسانية، ثم مدّ رقعة بلاده واستولى على ارمينيا نفسها وعلى كوردستان وبذلك عادت هذه البلاد إلى حكم الجار الفارسي من جديد واعتنقت ديانته الزرادشتية.
ولقد تميزت العلاقات الكردية الفارسية في تلك الفترة بالقوة، حيث تمتع الكرد باستقلال نسبي في إدارة شؤونهم الذاتية، ولقد بلغ التآلف بين الفرس والكرد كشعب واحد. واستمر الشعبان هكذا حتى سقوط الإمبراطورية الساسانية أمام الفتح العربي الإسلامي عام 640 ميلادية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض).
* الإمارات الكردية:
وفي الفترة ما بين القرنين السابع والرابع عشر الميلادي شهدت كوردستان عدداً من الإمارات الكردية المستقلة (راجع محاضرة الدول والإمارات الكردية) (الملحق أ) وأشهرها الأسرة السالارية في أذربيجان (300 – 420هـ) والأسرة الحسناوية في همذان (320 – 405) هجرية والدولة (الدوستكية) في كوردستان الشمالية (350 – 476 هجرية) وأسرة بني عيار أو عناز (380 – 510) هجرية.
وقامت في المنطقة الكردية الواقعة ما بين الجزيرة ودرسيم تسع إمارات كردية، واستمرت فترة طويلة من الزمن وهي (إمارة الجزيرة وخيزان وبدليس وشيروان وصاحون والسويدية والبازوكية ومردة سي ودرسيم).
كما تعرضت كردستان للغزوات الإسلامية الشرقية فاستولى عليها السلاجقة الأتراك. وجابهت بعد ذلك الغزو المغولي، وفي القرن الثالث عشر خاض الكرد معركتهم الحاسمة ضد تيمور لنك عام 1400م قرب العمادية (كردستان العراق) فأوقفوا زحفه.
ولقد عادت فارس بعد ثمانية قرون من الفتح العربي لتصبح دولة مستقلة على يدّ الصفويين على مدى مائتين وخمسين عاماً (1501 – 1723)م ولقد اتخذ الصفويين هذا الاسم نسبة إلى جدهم (صفي الدين) وهو من متصوفية الشيعة، وقد ادعى أنه ينتسب إلى الإمام علي (رض)، ولأنه كان تقياً وورعاً التفت حولة الناس.
وقد استولى الصفويين على الحكم في فترة اتسمت فيها فارس بالضعف ولقد قام المؤسس للدولة الصفوية إسماعيل الأول الصفوي (1501 – 1524) ميلادية بسلسلة الحروب المتوالية لإخضاع الدويلات العديدة التي قامت أثر غزو المغول بقيادة (تيمور لنك)، كما قضى على دويلات التركمان. وأصبح سيد فارس بلا منازع، واختار مدينة (تبريز) عاصمة لمملكة ليعلن نفسه (الشاه) وهو لقب ملوك فارس (أي ملك الملوك).
أن دين الدولة الرسمي في إيران هو الدين الإسلامي (السني) ولكن المذهب الشيعي انتشر منذ أن استلم إسماعيل الصفوي الحكم في إيران، ومنذ ذلك الوقت أصبحت فارس (إيران) شيعية. ثم أخذ إسماعيل الصفوي يوسع ملكه إلى أن بلغ (وصل) جيحون فالخليج ومن أفغانستان إلى الفرات ولم يبق أمامه منافس سوى الأتراك (العثمانيون).
لا أساس لما يتردد في كثر من المراجع الحديثة أن الشاب إسماعيل الصفوي أقام دولة قومية في إيران مدفوعاً بدافع وطني، فالحديث عن دولة قومية أمر سابق لأوانه في تلك الفترة. ويؤكد المؤرخ الإيراني (نصر الله فلسفي) أن الذي دفع الشاة إسماعيل الصفوي وأتباعه للسيطرة على إيران وإقامة الدولة الصفوية لم يكن بسبب الشعور الوطني (القومي) والرغبة وإحياء قوة إيران من والده وحفيد (حسن الطويل) آلاق قونيلو من ناحية والدته ومن ثم عد نفسه الوارث الحقيقي لتلك الأسرة التركية.
إن إسماعيل الصوفي كان بدون شك فارسياً أصولياً، غلبت عنده النزعة القومية المتطرفة (الفارسية) في تأويلها الفارسي المتعصب، فأعاد إلى بلاده هويتها التاريخية متخطياً جميع التطورات المتعاقبة بعد الإسلام، ومعيداً تاريخ الأكاسرة الأوائل، فيجعل لها هوية إسلامية متميزة (شيعية).
وفي أعقاب هذه التغيرات لم تنقطع الصراعات المذهبية، حيث قامت الدولة الصفوية بمهاجمة كردستان والعراق السنية، واستولت على بغداد والعتبات المقدسة في العراق (النجف وكربلاء)، بعد أن جعلت من الأحلام والمطامع المذهبية (الشيعية) سياسة ثابتة لها بثوراتها حكام فارس (إيران)، ويستخدمونها لغايات سياسية أبعد، حتى اندمج المذهب (الشيعي) بالقومية الفارسية في فارس (إيران) وقد لعبت هذه الخطوات بلا شك دورها في تحريك مشاعر أهل السنة على امتداد أرضهم بما فيهم العرب والكرد.
ولكن في الوقت نفسه أدى ظهور العثمانيين (السنة) الموازي لذلك على مسرح التاريخ، إلى أن يتبوأ العثمانيين دوراً حاسماً في مستقبل الإسلامي السياسي، حيث لم تكن هناك قوة فعالة يمكن لها الوقوف في وجه فارس (إيران) ومواجهة توسعها المذهبي (الشيعي) الذي بدأ يمثل بأوضاع المنطقة، لم يكن العراق في كل تاريخه أعجمياً (فارسياً) ولم يكن معظم سكانه (شيعة) بل كانوا عرباً أقصد (العراق العربي) وكان فيهم السنة والشيعة.
استولى السلطان العثماني (سليمان القانوني) على بغداد عام 1534 ميلادية بقيادة السلطان سليم الأول (ياوز سليم) الذي بدأ زحفهُ معلناً أن احتلال فارس (إيران) للعراق وكردستان وأرمينيا هو خرق لحدود الدولة العثمانية منذ عام (1508)م، أي قبل تحرك السلطان سليم الأول بحوالي ستة سنوات.
وخلال الفترة المنقظة بين سنوات (1514 – 1850) ميلادية لم يثبت الكرد على حالة واحدة في علاقتهم مع الدولتين (العثمانية والفارسية) فكان عدد من الأمراء الكرد يستعينون بالفرس إذا اصطدموا بالعثمانيين وبالعكس.
وكان الشاه الفارسي في كل الأوقات يتحين الفرصة للعودة إلى العراق وقد واتته الفرصة عام 1623 ميلادية، ونتيجة كذلك أصبح الشغل الشاغل للسلطان العثماني هو استعادة العراق إلى أن تمكن (السلطان العثماني مراد الرابع) من استعادته عام 1638م مستعيناً بالكرد المقاتلين لتحقيق غايته. وعقدت نتيجة لهذه الحروب معاهدة ثنائية (فارسية - عثمانية) عرفت باسم معاهدة زهاب) عام 1639م، حيث قسمت كردستان لأول مرة في تاريخها وحتى اليوم بموجب أحكام المعاهدة (زهاب 1639م) وقبلها في حرب جالديران 1514 وأصبح الشعب الكردي يعيش بموجبها حالتين وتحت سلطتين، حالة فارسية، وأخرى عثمانية كما يلي:
1.أصبحت أراضي (كلهر - والكلهور) وأردلان بكاملها خاضعة لفارس (إيران).
2. أراضي عشائر (المكري) على الحدود الجديدة انقسمت إلى قسمين، وبلاد شهرزور (منطقة السليمانية) بقيت تابعة للعثمانيين.
بينما تأجل البت بوضع المناطق الأخرى الواقعة إلى شرقها مثل (سقز وزهاب ودرنه وجنوب كرمنشاه) حيث اتفق على ترك أمر تسوية وضعها لاتفاقية مقبلة.
3. بقية المناطق التي تقع إلى جوار هذه الأراضي بقيت على وضعها الإداري السابق، وأصبحت مدينة (الموصل) العربية وما حولها باشوية وكذلك منطقة (شهرزور) الكردية، واستقلتا عن باشوية بغداد بينما حافظت بقية الإمارات الكردية على حالتها السابقة.
ولكن وقع حادث لم يكن بالحسبان إلا وهو (غزو الأفغان) لفارس (إيران) عام 1722 ميلادية واحتلالها وبالطبع ألغيت الاتفاقية السابقة (معاهدة زهاب 1639م) بين العثمانيين والإيرانيين (الفرس).
واستطاع العثمانيون الاستيلاء على (إمارة أردلان) الكردية التابعة للفرس (إيران). وواصل العثمانيون تدخلهم شرقاً فاحتلوا (أصفهان)، مما استوجب تسوية سريعة بين (العثمانيين والأفغان).
وعقد معاهدة للصلح عام 1728 ميلادية بين العثمانيين والأفغان، وأصبحت بموجبها الأقسام الغربية الكردية من فارس (إيران) تابعة للسلطة العثمانية.
واستمرت هذه الأوضاع حتى شغل عرش فارس (إيران) نادر شاه وهو القائد العسكري الذي استطاع طرد الأفغان، وحاول استعادة الأراضي (الفارسية - الكردية) من العثمانيين، ولكنه فشل في ذلك، إلا أن العثمانيين أعادوها عام 1731 ميلادية مفضلين إبقاء كردستان مقسمة بين دولتين، على ألا تظل موحدة في ظل أحدهما وبذلك تم أحياء معاهدة زهاب 1639 ميلادية.
عندما بسط العثمانيون نفوذهم على المناطق الكردية في العراق، عوملت العشائر الكردية معاملة حسنة خاصة تلك العشائر الموجودة على الحدود العراقية - الفارسية (إيران).
ولقد حاول ولاة العراق أن يحسنوا علاقاتهم بالاغوات والخانات الأكراد والكرد في المنطقة، ولكن النزاعات العائلية والعشائرية كثيراً ما أدت إلى انقسام أفراد العائلة الواحدة، وقام الفرس (إيران) بتسفيرهم إلى فارس (إيران) والبعض الآخر إلى استنبول، مما أدى إلى خلق الكثير من المشاكل (للولاة / الحكام)، يضاف إلى ذلك أن معاهدة زهاب 1936م تركت بعض المناطق الكردية على الحدود دون تحديد واضح، وكذلك طبيعة المنطقة الجبلية المنيعة والإطماع الفارسية (الإيرانية) في كردستان العراق.
ومن الطبيعي أن تكون مشاركة الكرد لهذا الجانب أو ذك من العوامل الداخلية الانقسامية التي أثرت على مستقبل كردستان، كما كان لها نتائج وتأثيرات سلبية على أوضاع الكرد وكيانهم من عدة نواحي أهمها ما يلي:
1.زيادة تفتيت كردستان إلى إمارات وإقطاعيات تتقاتل فيما بينها وتنمو فيها الشخصية القبلية والحسّ العشائري على حساب الشخصية القومية الكردية والمشاعر الوطنية الكردية.
2.تقوية نظام الإقطاع تبعاً لما كان مطبقاً من نظم إقطاعية أوتوقراطية في الدولتين الغاصبتين الحاكمتين (الفارسية - العثمانية)، وتكريس الواقع الاقتصادي الرعوي المتطابق مع حالة الانكماش والعزلة وأشكال التخلف القديم.
3.تَوَزُع ولاء الشعب الكردي وإضعاف وتيرة الإحساس العام لديه بضرورة تحقيق وحدته القومية ومن ثم تلقيه هذا الواقع المشوه بشكل قدري كما لو كان هو أصل الأشياء.
4.تعطيل القابلية الفكرية والعقلية وشل إمكانية خلق ثقافة وطنية قومية، تفتح أمام الكرد فرص الإطلاع على واقعهم المتخلف، واستنباط الوسائل والحلول الحاسمة للخلاص منه، وإمكان إفراز صفوة قيادية تتولى استنهاض القدرات الكامنة لهذا الشعب العريق والأصيل (الكردي) وقيادة خطاهُ إلى الأحسن والأفضل.
ويلاحظ أن السيطرة العثمانية كانت غير مستقرة على المناطق الكردية، ففي منطقة (العمادية والجزيرة) لم يتمكن العثمانيون من فرض سيطرتهم الكلية وبقيتا محافظتين على الاستقلال غير التام.
أما القرن السابع عشر فقد شهد رسوخاً للحكم العثماني في كردستان، وفي القرن الثاني عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر كانت الإمارات الكردية قد اتسعت كثيراً وشمل نفوذها مناطق شاسعة من كردستان.
وفي منتصف القرن التاسع عشر شرعت الحكومة العثمانية بإتباع سياسة جديدة لبسط نفوذها على المنطقة، فلقد وجدت أن مصادر القلق والانفصال تكمن في قوة رؤساء العشائر الذين يجمعون إلى سلطتهم الكبيرة وفرة في السلاح، ولقد كان لهؤلاء الرؤساء نفوذ كبير على قبائلهم. ومن هنا بدأ الحكام العثمانيون بإتباع سياسة جديدة مع هؤلاء الرؤساء الكرد وهي استخدام أحدهم لأضعاف الآخر ووضع الآخر في قبضة يدهم، وشراء الثالث بالمال حتى يلين.
بهذه السياسة (فرق تسد) تمكن العثمانيون من أضعاف (العصبيات/العشائر) الكردية الكبيرة مثل (آل بابان في السليمانية والبهدينانية في العمادية)، وبسطوا نفوذهم على كردستان بعد أن عجز الجيش العثماني من تحقيق ذلك، لأن انتصاره يكون مؤقتاً في المناطق الجبلية الوعرة والقاسية المناخ. وقد اتبع العثمانيون أسلوباً آخر لتوحيد حكمهم في كردستان ألا وهو تشجيع الزعامات الدينية الكردية على حساب رؤساء العشائر الكردية، حيث أمدوهم بالمال والنفوذ.
وقد بدأ (البرزنجيون) في السليمانية ينافسون (آل بابان) وتمكنوا من شراء الأراضي والقرى، ونشر نفوذهم الديني وكان أبرزهم (الشيخ سعيد البرزنجي) الذي استكثر من شراء الأراضي الواسعة حول مدينة السليمانية وكسب مودة الشعب الكردي.
ولقد جاء الولاة الذين جاؤوا بعد ذلك (1869 – 1914م) إلى أساليب جديدة لتشجيع العشائر الكردية على الاستقرار والزراعة.
فقد عرض (مدحت باشا) والي بغداد اقتراحاً بتفويض الأراضي الأميرية ووضع لكل صنف منها أثماناً مناسبة تدفع على أقساط سهلة الدفع ولمدة طويلة، حيث كان الهدف من ذلك تشجيع القبائل الكردية على الاستقرار. كما كان للإصلاحات التي أراد السلطان العثماني (محمود الثاني) إدخالها على الإدارة وفرض المركزية على كردستان أثر كبير على الأمراء والآغوات الكرد، الذين رفضوا دفع الضرائب وأرادوا حكم مناطقهم بأنفسهم. وعلى الرغم من محاولات الدولة العثمانية فرض سيطرتها على الكرد، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، مما دفعها إلى إتباع سياسة تهجير القبائل الكردية من مناطق سكناهم الأصلية.
ومن الأماكن التي وقع عليها الاختيار لتنفيذ هذه السياسة (التهجير القسري) اختيرت (ليبيا)، حيث تم نفي الزعماء الكرد وأفراد من قبيلة (الهماوند) إليها، وذلك بسبب الثورات الدائمة التي كانت تقوم بها تلك القبيلة في وجه العثمانيين إلا أن مشروع توطين الكرد في ليبيا فشل بسبب عدم اندماج عشيرة الهماوند وزعماء الهماوند (الكرد) في المجتمع الجديد (ليبيا)، والمعروف تعلق الكرد الشديد بوطنهم (أرضهم) التي ترعرعوا فيها.
* فرسان الحميدية الكوردية:
لم تنقطع انتفاضات الشعب الكردي ضد الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر. ولقد حاول السلطان (عبد الحميد الثاني) القضاء عليها، وعلى ثورات الأرمن فلجأ إلى تشكيل قوة ما يعرف (بالايالات الحميدية) أو السرايا الحميدية من الكرد.
وكانت هذه الفكرة قد طبقة بنجاح من قبل فارس (إيران) حيث تأثر الفرس بالروس في إنشاء فرق غير نظامية تسمى (فرسان القوزاق).
وفي سنة 1891م أخذ العثمانيون نفس الفكرة وأنشأوا فرقاً غير نظامية من الكرد هي الإيالات الحميدية (السرايا الحميدية)، وكان الهدف من تلك الفرق هو أحكام سيطرة العثمانيين على الكرد أولاً وكذلك ضرب التجمعات الأرمنية والآثورية إذا فكرة في العصيان. ولقد شهدت الفترة التي كان الكرد فيها عماد الفرق الحميدية، زيادة ضغط العثمانيين على الكرد أنفسهم، وكبت كل حركة كردية وطنية بينهم.
لقد صارت (أصبح) الآيالات الحميدية (السرايا الحميدية) سوط عذاب على كل خارج عن النظام وعلى حكم الدولة العثمانية.
* المشروطة:
وعندما أعلنت المشروطة (التجنيد) العثمانية عبر الكرد عن سعادتهم، معتقدين أنها تجعلهم أحراراً في دفع الضرائب وستحقق لهم المساواة مع بقية عناصر الدولة العثمانية، إلا أن الاضطرابات الكردية في كردستان العراق بدأت في الازدياد بسبب أعمال الاتحاديين الجائرة (الاتحاد والترقي)، الذين بدأوا في تطبيق المركزية في الحكم على المناطق الكردية واللجوء إلى سياسة التتريك، ودمج الكرد بالعنصر التركي.
ومما زاد من سوء الموقف ضعف القوة العسكرية التركية في بغداد ونقصها، بالإضافة إلى القلاقل على الحدود الفارسية (إيران) بسبب حركات أو انتفاضات الكردية امتدت من (1911 – 1913م) ومن أشهر هذه الثورات.
* الثورات الكردية (أشهرها):
1. ثورة (سالار الدولة) عن الأسرة الحاكمة في إيران. ولقد شاركت بعض القبائل الكردية القاطنة على جانبي الحدود العراقية - الفارسية (إيران) في هذه الثورة، ولم يكن (سالار الدولة) كردياً بل كان ابن عم شاه فارس (إيران) ولكنه قام بتحركه في كردستان وحاول كسب العشائر الكردية إلى جانبه ضد الحكومة المركزية (الفارسية)، وسانده بعض الأكراد نكاية بحكم الشاه وليس لاقتناعهم بحركة (سالار الدولة) الذي كان يهدف إلى الوصول إلى حكم البلاد (فارس/إيران)، [أنها الحرية التي تسري في عروق الشعب الكردي ودماءه وربما اعتقدوا أن دخلهم عن طريق المنتصر في الحرب، كما عبر عنها الشيخ المسن في الكوملة وأضاف في تلك الجلسة.
وهناك حادثان كان لهما تأثير كبير على الكرد في تلك الفترة وهما (مقتل الشيخ سعيد البرزنجي) والد الشيخ محمد الحفيد في الموصل والثاني إعدام (الشيخ عبد السلام البارزاني) في الموصل أيضاً. أما الأول فهو الزعيم الديني والسياسي لأكراد السليمانية، ومقتله يكتسب أهمية كبيرة بسبب خطورة وأهمية الشيخ سعيد البرزنجي، حيث انشغل الناس والحكومة بهذا الحادث لما له من ملابسات سياسية وقومية، ولا أول من تلك الأهمية من أن الناس تداولوا الأحداث والولادات التي تلته في الموصل بذلك الحدث.
ولقد قتل الشيخ سعيد البرزنجي في مدينة الموصل في 5 كانون الثاني عام 1909 مما أدى إلى انقطاع الصلات التجارية والسفر بين الموصل والسليمانية لمدة طويلة نتيجة لتولد العداوة والبغضاء بين سكان المدينتين (الموصل والسليمانية).
ويبدو أن السبب الرئيسي في مقتلة هو رغبة رجال (جمعية الاتحاد والترقي) التركية في التخلص من النفوذ الكبيرة للشيخ سعيد البرزنجي لما له من نفوذ وكذلك علاقته الوطيدة بالسلطات العثمانية عبد الحميد الثاني الذي كان الشيخ على اتصال دائم به بعد عزله.
وبعد مقتله ثارت العشائر الكردية في السليمانية وبخاصة قبائل الهاوند مما اضطر الحكومة العثمانية أن تتدخل بحزم لإيقاف الفوضى السائدة في الموصل وكذلك في السليمانية.
أما الحادث الثاني فهو إعدام (الشيخ عبد السلام البارزاني) في آب 1914م والشيخ عبد السلام البارزاني هو شيخ وزعيم عشيرة بارزان في كردستان العراق، وأن عشيرة بارزان تضم قبائل عديدة من أهمها (شيرواني، مزوري، هركي، برواري). ولقد لعب البارزانيون في هذه الفترة دوراً كبيراً في مهاجمة القوات العثمانية التي ترسل ضدهم.
ولقد بقيت الحالة على هذا الوضع حتى وصل ولاية الموصل الوالي (سليمان نظيف) عام 1912م، فكان شغله الشاغل القضاء على ثورة البارزانيين الكردية حيث استطاع الانتصار عليهم واحتل القرى البارزانية.
وعندما حدث هذا هرب (لجأ) الشيخ عبد السلام البارزاني إلى بلاد فارس ولكنه بعد ذلك وقع في الأسر وأرسل إلى الموصل حيث حوكم،وحكم عليه بالإعدام شنقاً هو وثلاثة من أعوانه. وتم التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 1914م. وهنا انبرى أحد المجتمعين بالقول، [ألم أقل لكم أن للحرية ثمن، ومضى الشيخ المسن (الملا إحسان) بالقول ....
*الحرب العالمية الأولى:
وفي عام 1914 قامت الحرب العالمية الأولى، وقد اشترك فيها الكرد ولم يكن لهم مصلحة فيها إذ لم تكن لهم دولة خاصة يدافعون عنها، ولا مصالح قومية تحتم عليهم الدخول طرفاً في النزاع.
وبالرغم من ذلك وجد الكرد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين (القوقازية والعراقية) فقد انضم الكرد إلى جانب تركيا في الحرب. حيث تمكن الأتراك من توجيههم لقتال (الآثوريين والأرمن) الذين تحالفوا مع الحلفاء. وقد أصيب الكرد بخسائر فادحة في ذلك شأن الشعوب الأخرى التي اشتركت في الحرب وتورطت بها ولكنهم اثبتوا أنهم مفيدون للأتراك في أداء المهمات التي كلفوا بها. (ولم يرّد الأتراك لهم المعروف، وعلينا أن نتسلح بالعلم والمعرفة دون أن ننسى أن للكرد تاريخ يليق أن تكون أمة بين الأمم).
* السيطرة العثمانيون على كردستان
الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان، نيسان، 2012
2142 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع