الأسواق العراقية تغرق في الكساد.. انهيار بالمبيعات وتحذيرات متصاعدة

شفق نيوز- بغداد:تشهد الأسواق العراقية حالة من الكساد غير المسبوق، إذ انخفضت التعاملات ومبيعات الشركات إلى ما دون النصف، بحسب غرفة تجارة بغداد، نتيجة عوامل اقتصادية متعددة انعكست سلباً على النشاط التجاري، وأدت إلى خسائر كبيرة لرجال الأعمال وأصحاب الشركات.

ويرى مختصون أن هذا الانكماش ناتج عن تراجع القوة الشرائية، وضعف الإنفاق العام، إلى جانب انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة في حال عدم اتخاذ إجراءات إصلاحية عاجلة خلال الفترة المقبلة.

انهيار المبيعات إلى أقل من النصف

وبهذا السياق، يوضح المتحدث باسم غرفة تجارة بغداد، رشيد السعدي، أن "معظم القطاعات الاقتصادية، لاسيما الاستثمار والعقار، تشهد شبه توقف، ما انعكس سلباً على حركة الأسواق المحلية".

ويشير السعدي في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "نشاط البناء عادة ما يحرّك الأسواق المرتبطة به، كالقطاع الإنشائي والنقل والعمالة اليومية، التي تسهم أجورها في تحريك الدورة الاقتصادية".

ونتيجة لذلك، يوثق السعدي "تراجعاً كبيراً في حركة البيع والشراء داخل الأسواق المحلية، حيث انخفضت مبيعات الشركات إلى أقل من النصف. كما امتد تأثير الركود إلى مكاتب الصيرفة، التي تواجه بدورها ركوداً في حركة التبادل النقدي نتيجة انخفاض سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي".

ويبين، أن "ارتفاع سعر صرف الدولار يؤدي إلى تنشيط حركة السفر، لأن الفارق بين السوق الموازية والسعر الرسمي كبير، لكن الآن تضاءل الفارق وما عاد يغطي مصاريف المسافر، لذلك كان لانخفاض الدولار تأثير في الكساد الاقتصادي".

ويلفت إلى أن "الخطوات العملية التي اتخذها البنك المركزي مع المنظمات المختصة من البنك الفيدرالي وبقية المؤسسات النقدية والمصارف أدت إلى انخفاض الدولار مقابل الدينار العراقي، وعندما لا يكون هناك استقرار لوضع الدولار يتعرض السوق المحلية للكساد".

وهذا يعود، بحسب السعدي، إلى أن "الاقتصاد العراقي يتأثر بجملة عوامل منها ارتفاع وانخفاض الدولار نتيجة قرارات البنك المركزي ومجلس الوزراء والعوامل الجيوسياسية غير المستقرة في المنطقة، ما عرض رجال الأعمال وأصحاب الشركات التجارية لتأثيرات سلبية وكساد تجاري كبير".

انكماش وتباطؤ حاد في الطلب

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، أن "الأسواق العراقية تمر بمرحلة انكماش واضحة، مدفوعة بتراجع القوة الشرائية، وانخفاض الإنفاق العام، وضغوط التضخم العالمي".

ورغم تسجيل معدل تضخم منخفض نسبياً بلغ 2.2% في الربع الأول من 2025، بحسب عبد ربه، إلا أن حركة السوق تعكس تباطؤاً حاداً في الطلب وركوداً في النشاط التجاري، لا سيما في القطاعات غير الأساسية.

ويحذر عبد ربه، في حديثه لوكالة شفق نيوز، من أن "عدم اتخاذ الحكومة خطوات عاجلة لتنشيط الاقتصاد وتنويع مصادر الإيرادات، قد يؤدي إلى ركود جزئي يتطوّر إلى أزمة أعمق مع نهاية العام".

وينوه إلى أن "استعادة النشاط في السوق العراقية لن تتحقق من خلال الإنفاق الحكومي وحده، بل تتطلب بناء مناخ اقتصادي محفّز، وتحريراً مدروساً لآليات السوق، مع تحقيق توازن دقيق بين السياسات النقدية والمالية".

ويؤكد عبد ربه، أن "العراق يمتلك موارد بشرية وموقعاً استراتيجياً يؤهلانه للنهوض، لكن الأمر يظل مرهوناً بإرادة إصلاحية جادة وإدارة مالية أكثر ديناميكية".

تحذيرات من تفاقم الأزمة

بدوره، يُرجع الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، "أسباب الانكماش الحالي في الأسواق العراقية إلى عوامل بنيوية متراكمة، في مقدمتها، تراجع القوة الشرائية نتيجة التضخم، بالإضافة إلى غياب سياسات فاعلة لحماية الدخل داخل البلاد".

لكن الأخطر، كما يرى عيد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، هو "استمرار هيمنة الأحزاب على القرار الاقتصادي، وغياب التخطيط القائم على مؤسسات مستقلة قادرة على التعامل مع الأزمات بفعالية".

ويشير عيد، إلى أن "تفشي الفساد داخل المؤسسات، لا سيما في القطاعات الاقتصادية والخدمية، تسبب في استنزاف المال العام وشلّ حركة الاستثمار".

هذا الواقع، كما يضيف، "دفع بالاقتصاد العراقي إلى الاعتماد المفرط على الإنفاق الاستهلاكي، دون وجود إنتاج فعلي قادر على خلق فرص العمل أو دعم الاستقرار".

ويتابع، "كما أن تأخر إقرار جداول الموازنة أسوة بالموازنات السابقة، وغياب الرؤية التنموية الواضحة، عوامل أسهمت في تفاقم حالة الركود الكامن التي نعيشها اليوم".

ويحذّر عيد، أن "استمرار هذه العوامل مجتمعة، دون إصلاح حقيقي في البنية الإدارية والاقتصادية، فإن الأشهر المقبلة قد تشهد ركوداً أشدّ يطال الأسواق والنسيج الاجتماعي برمته ويهدد الاستقرار العام".

التضخم تحت السيطرة

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، إن "السياسة النقدية للبنك المركزي تتمثل باستدامة توفير العملات الأجنبية لغرض تمويل التجارة الدولية، وما يضمن هذا الاستقرار المالي وجود احتياطيات أكثر من 97 مليار دولار".

ويضيف قصي لوكالة شفق نيوز، "أما جداول الموازنة التي من المفترض أن تعدها وزارة المالية خلال 2025، فهي يفترض أن تحافظ على مستوى الإنفاق العام لكي لا ينخفض عن 2024، في ظل وجود أكثر من 160 تريليون دينار يمكن إنفاقها خلال هذه السنة وتمويلها عن طريق الإيرادات النفطية وغير النفطية".

ويشير قصي إلى أهمية "تحويل قسم من الإنفاق النقدي إلى إنفاق عيني لكي يتقلص مستوى العجز والمحافظة على الاستدامة المالية في البيئة العراقية".

ويتابع، أن "هناك إجراءات حكومية جارية تهدف إلى تنشيط قطاع الإسكان، حيث تسهم المشاريع السكنية قيد التنفيذ في تحفيز الإنفاق على المواد الإنشائية، إلى جانب توفير فرص عمل داخل هذا القطاع الحيوي"، مؤكداً في الوقت نفسه، أن "القطاع الخاص النظامي لا يزال يعمل بشكل جيد، متجنّباً الوقوع في الانكماش".

إلى جانب ذلك، يضيف قصي، أن "البنك المركزي أطلق مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة الإنتاج المحلي ليكون بديلاً عن الاستيراد لضمان عدم الدخول في منطقة الكساد".

وعن التضخم العالمي، يوضح أن "مؤشرات التضخم ما تزال تحت السيطرة في العراق بفعل وجود سلّة غذائية ومفردات البطاقة التموينية وأيضاً ثبات قيمة الدينار العراقي، لذلك رغم مؤشرات التضخم العالمي، فإن العراق لديه مجموعة من المصدات التي يمكن أن تُبعد هذا التضخم عن البيئة العراقية".

وخلص قصي في ختام حديثه إلى التشديد على "ضرورة تعظيم الإيرادات غير النفطية والمبادرات الحكومية لإيقاف حرق الغاز والاستثمار بالطاقة الكهربائية، وتسريع الاكتفاء الذاتي وتطوير الصناعات المحلية بعيداً عن الاستيراد".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

778 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع