بغداد ايام الزمن الجميل / ١١البطاقه التموينيه في العهد الملكي
لم يكن العراق مسرحا للعمليات العسكريه الميدانيه بين الاطراف المتحاربه خلال الحرب العالميه الثانيه بالرغم كونه مرتبط بمعاهدة 1930 مع بريطانيا التي توجب عليها الدعم ..
ولكن ذلك لم يبعد عنه الاهتمامات من طرفي النزاع المتحاربين لاسباب عديده اهمها وجود النفط والانتاج الزراعي والايادي العامله وهذه من اهم مايحتاجها الطرف المحارب ولذلك نرى سعي دول المحور (المانيا ) والحلفاء (بريطانيا) الى السيطره على العراق الامر الذي ادى الى قيام حركة المرحوم رشيد عالي الكيلاني والانحياز الى المحور وقيام الانكليز بالانزال بالفاو مره اخرى وخاضت معركه غير متكافئه مع الجيش العراقي الذي كان لايزال يستلم اسلحته وتجهيزاته وعتاده من بريطانيا وانتهت الحركه خلال مده وجيزه ومن اثارها هو النظام التمويني الذي بدأ عام 1941 وهو تقنين توزيع المواد التموينيه والتي بالكاد تسد الرمق .
بدأت هذه المقدمه لتعريف الشباب من ان البطاقه التموينيه التى تداولها اهاليهم والتي لاتزال موجوده لم تكن وليده لاول مره وان الشعب العراقي كان قد جربها قبل البطاقه الثانيه بخمسين عاما مع الفارق بين المواد والنوع بالسلب والايجاب حسب توفر المواد والحاله الاقتصاديه .
كان العراق خلال الحرب العالميه الثانيه مصدر تموين القوات البريطانيه وانكلترا بالمواد مثل الحنطه والشعير والزيوت والتمور والنفط وهذا ادى الى شحة هذه المواد بالاسواق اضافة الى تأخر وصول المواد الاخرى مثل السكر والاقمشه والادويه والشاي بسبب الحرب ومخاطر الشحن الامر الذي ادى بالحكومه الى اعتماد نظام تمويني وتوزيع كوبونات تجهيز بواسطة وكلاء واجبهم تسليم حصة كل مواطن مسجل لديهم كما هو الحال في البطاقه الثانيه ..
كانت الدوله تقوم بتوزيع المواد التموينيه على المواطنين الذين يحملون الجنسيه العراقيه الامر الذي دفع الكثير من القرويين الذين يسكنون المدن والذين لم يكن يحملون جنسيه خوفا من التجنيد الاجباري اضطروا مرغمين تحت وطأة ظروف الحرب وفقدان المواد الغذائيه الى الاسراع باستخراج جنسيات وتسجيل اسمائهم لدى الوكلاء للحصول على حصتهم من مواد التموين وكانت مواد التموين في تلك الفتره تحمل صفتين اولها انها كانت بمفرادات محدوده جدا ( حنطه ، رز ، سكر اسمر ، قماش جوبان ) والثاني هو ان المواد كانت من نوعيات رديئه حتى اطلقت صفات بعض المواد الرديئه على الحكومات كما حصل مع وزارة صالح جبر التي اقترن اسمها مع الحنطه السوداء (حكومة الحنطه السوده) اما الرز فكان من نوعيه يطلق عليه العراقيون (الدكه) اي الرز المتكسر
والسكر كان يجهز وهو بلون اسمر وعلى شكل (كلات) اي مخروط صلد يحتاج الى تكسير لغرض الاستعمال ولونه ضارب الى الحمره والاسمرار والقماش كان بلون واحد ومن منشأ واحد وهو اليابان وبلون ازرق ويسميه العراقيون (جوبان) نسبة الى اليابان
الشاي
للشاي قصه في تلك الفتره وخاصة وقد تعود اهالي بغداد على تناول الشاي في وجباتهم اليوميه وعندما ضغطت الحرب بشكل كبير وارتفعت اسعار الشاي بل وفقد من الاسواق اضطرت الحكومة الى ادخال الشاي ضمن الحصه التمونيه
وغنت له المرحومه ( زكيه جورج) الاغنيه المشهوره خدري الجاي خدري ،عيني المن اخدره وقال فيه المطرب الراحل حضيري ابو عزيز بسته لطيفه :
دمضي العريضه / وقع ..
امضي العريضه
عيني يابو التموين
امضي العريضه
الحلوه على الجاي
طاحت مريضه
اضطر البغداديون الى تقنين السكر حتى كان البعض يضع قطه صغيره من السكر تحت لسانه ويرشف الشاي المر لكي يوفر السكر وسميت هذه (الدشلمه) والبعض الاخر كان يضع بدل السكر (فردة تمر ) والكثير منهم لم يستخدموا السكر الموزع في التموين لشرب الشاي لانه يغير من لونه وطعمه .
كانت الحنطه كما هو الحال في البطاقه التوينيه الاحقه من المشاكل التي عانى منها المواطن فكانت الحكومه توزع الحنطه على شكل حبوب وقسم منها كانت الحكومه تطحن الحنطه وكان بعض اصحاب المطاحن يخلطون الحنطه بالشعير والذره وبعض الحبوب الاخرى التالفه وهؤلاء هم تجار الحرب على حساب المواطن واشتهرت انواع من الحنطه كانت النساء يرغبن بها وهي ( الحنطه الكرديه ) لانها بيضاء قليلة السمره وقابله للخبز وكثيرا ماكنت تشاهد النسوه يحملون حبوب الحنطه الى المطاحن والبقاء هناك بانتظار اكمال الطحن ومراقبة العمليه خوفا من الخلط او التلاعب او التبديل ,,كانت معظم البيوت تصنع الخبز في بيوتها وفي تنور الطين والوقود هو سعف النخيل .
اما الاقمشه فلم تكن ذات تأثير قوي لان الناس كانت تهتم بالدرجه الاساس الى الغذاء بالرغم من منظر الاولاد وبعض الرجال وجميعهم بنفس القماش ونفس اللون ..
رز بسمتي درجة أولى
اما الرز فكان كثيرا ما يكون تالف واشتهر منه نوع يدعى (شنبه) ولايكاد يصلح للطبخ وقد يكون نافعا في عمل الشوربه وفي بعض الاحيان كانت العوائل تضطر الى شراء نوعيات جيده من البقالين لتعويض ذلك وباسعار عاليه لايقدر عليها الفقراء ..
لايمكن ان تنتهي مشاكل المواطن بتوزيع جزء من حاجاته لانه سيبقى يبحث عن الاجزاء الاخرى و من هذه الاجزاء هي (السمن ) وكان السمن الحيواني هو السائد ويباع باسعار عاليه وكثيرا ما يكون قد اصابه التلف نتيجة الخزن غير الصحيح ويسمون البغداديون ذلك (مزرنخ) والقليل الذين كانوا يستخدمون السمن النباتي ويعتبرون ذلك نوع من الوضاعه ويسميه البعض (وازلين) .
استمر هذا الحال بين مد وجزر حتى رفع نظام التموين في 20 \ 5\ 1946 وعادت الحاله الى طبيعتها ولكنها خلفت تجار حرب حققوا ارباح عاليه من قوت المواطن وخلفت ذكرى مؤلمه وخاصة للفقراء اللذين كانو يقتاتون عل الخبزالاسود فقط في كثير من الاحوال ولكنها وبعد نصف قرن نجد فيها بعض الطرافه والنكات التي اعتاد عليها البغداديون في احلك الظروف ...
مع تحيات ...عبد الكريم الحسيني
3254 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع