ذكرياتي مع الأوفياء:عادل بشير
الذكريات... روافد تصب في مسار الحياة...يسقط منها ما قد يؤثر سلبا في المسار ...ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر ايجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر: (ان الذكريات هي معنى العمر في هذه الحياة) ...وفي سواقي الذاكرة رجال ساهموا بهذا القدر او ذاك في بناء رياضة العراق وتحديد نهجها ومستقبلها ......نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاء لهم ولما قدموه ....هذا الوفاء هو الرابط الانساني الذي يبقى يذكرنا بالمقولة (من علمني حرفا ملكني عبدا)الى هؤلاء جميعا احني رأسي اجلالا والى ذكراهم اقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر مجلة الگاردينيا الغراء ...
المرحوم عادل بشير ... رجل المبادئ !
اذا كنت تريد ان تصف انسان بالمبدئية والحرص والاخلاص والنزاهة... فانها صفة المرحوم عادل بشير!
عام 1974-1975 اصدرت اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية قرارا بتشكيل الاتحاد العراقي لكرة القدم وكان اختيار اعضاء الاتحاد أنذاك يتم من خلال ترشيح الوزارات والمؤسسات لممثليهم من ذوي الكفاءات في تلك الاتحادات , أي عن طريق التعيين وليس الانتخاب وياليتها تعود ؟؟ لكي نبتعد عن التكتلات والطائفية المقيتة والمصالح الشخصية وشراء الذمم بابخس الاثمان !!
فقد رشحت وزارة الدفاع المرحوم عادل بشير ممثل لها في اتحاد الكرة ورشحتني وزارة الداخلية لنفس التكليف اضافة الى بقية الوزارات والمؤسسات الحقيقة التي ينبغي ان اذكرها وانا اكتب سرد عن شخصية وسمات هذا الرجل وهي امانة يجب ان ننقلها بكل مصداقية , هو اني كنت شديد الحذر وعدم الارتياح لوجوده على راس الاتحاد , وذلك لما كنت اسمعه عنه , من انه صعب المراس ويفرض رأيه والاهم انه – انفة ومتكابر - ولكن ما السبيل , وأنا لا استطيع ان افعل أي شيئ سواء بالاعتذار عن عدم الحضور للاجتماعات أو الاستقالة ,لاني ممثل عن وزارة فيها كما هو معروف ضوابط والتزامات معينة وان دورها مهم في الحركة الرياضية العراقية وترشيحي انذاك بل وتفضيلي على العديد , يجعلني ان اكون عند حسن ظن الجميع وان ابذل الجهود والالتزام العالي من جميع الجوانب ...ولكني وبعد فترة من العمل واللقاءات عن كثب مع المرحوم عادل بشير سواء من خلال الاجتماعات الرسمية او الجانبية وجدت فيه صفات الانسان الحريص الذي يمتلك الشخصية قوية والحريص والمخلص لعمله والمتفاني لخدمة بلده .... فكل ما سمعته عنه سابقا من كلام سلبي كان أفتراء وظلم بحقه وبعيد كل البعد عن الحقيقة ؟؟ وكلما تمر الايام يزداد احترامي واعتزازي به , وتوطدت العلاقة اكثر عندما تم اختياري مدربا لاول تشكيل لمنتخب الشباب العسكري وبقرار من مديرية العاب الجيش وسنتطرق اليه لاحقا ...
سفرة كوريا الشمالية المتعبة ...
ومن بعض الوقائع والحقائق عن نزاهته التي عرفتها عن كثب ...كنا نستعد للسفر الى كوريا الشمالية لخوض مباراة لمنتخبنا الوطني مع المنتخب الكوري ضمن تصفيات الدورة الأولمبية وقد استلمت مبلغا من وزارة الشباب كنثرية للوفد يتناسب والتنقل لا كثر من مطار لان سفرتنا طويلة وكانت متعبة وتمر عبر موسكو ومن هناك الى توقف اخر قبل الوصول الى بيونغ يانك عاصمة كوريا والعودة بنفس الصعوبة وكانت عبر براغ عاصمة جيكو سلوفاكيا آنذاك , ونحن في المطار اعلمت المرحوم عادل بالنثرية , لاسلمها باعتباره المسؤل المباشر على الوفد , ولكنه ابلغني بان احتفظ المبلغ , وقد ذكرته اكثر من مرة خلال السفرة بالمبلغ واذا يحتاج شيء منه وكان يجيب شكرا لانحتاج ... وعدنا الى بغداد ولم يتصرف بالمبلغ مطلقا ؟ وطلب مني ان نعيد المبلغ الى الوزارة وعندما ذهبت الى محاسب وزارة الشباب لاعيد المبلغ , فوجئت دائرة الحسابات باعادة المبلغ لانها حالة نادرة ولربما لم تحدث سابقا ,
ويتضح انهم ابلغوا السيد وزير الشباب بذلك وكان وقتها الاستاذ حامد الجبوري الذي استغرب وقد علق على تلك الحالة وانا واقف بجانبه وهو يقول حقا انها نزاهة !!
يرفض مخصصات تدريب المنتخب ؟
وفي واقعة اخرى ... كان يدرب منتخب العراق الوطني اضافة الى كونه رئيسا للاتحاد وبحكم علاقتي الطيبة معه قلت له ذات مرة , لماذا لا تستلم مخصصات تدريب المنتخب وهذا حقك الطبيعي وانت لست بالغني او المتمكن ماديا ..
فاجابني نحن هواة وينبغي ان نكون قدوة في كل شيء يا اخ عبد القادر ... وكان درسا بليغا في القيم والزهد والقناعة واستفدت منه لاحقا ومن بعد تلك الفترة عندما التجأت الى التدريب لسنوات طوال لفرق الشرطة والمنتخب العسكري والوطني لم اتقاضى اية مخصصات تدريبية وفعلا كان انموذجا يقتدى به ؟؟
اداري محنك وصاحب قرار !!
كان يعتز ويثمن الشخص الحريص والدؤوب ويطلق عليهم – الجتافة – لا يجامل احدا على حساب المصلحة العامة حتى لو كلفه ذلك الشيء الكثير ...ومن تلك المواقف المبدئية واصراره على التمسك بها والتي كلفته فعلا الشيء الكثير ...
ففي منتصف السبعينات صدر قرارا من اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية بالغاء نظام المؤسسات التي تشارك في بطولات اتحاد كرة القدم واستبدالها بنظام الاندية وقد تضرر من ذلك القرار الجيش والشرطة , فبعد ان كانت لكل مؤسسة اكثر من فريقين يشاركون في بطولة الدوري, تقلص العدد الى فريق واحد وهذا يعني ان مؤسسة الشرطة والجيش سوف تشارك بفريق واحد لكل منهما واعتبر ذلك القرار اجحافا بحقهما وقررا الاعتراض لما له من اثار سلبية إدارية وفنية وبرأي العديد من المعنيين آنذاك كان الأجدر باللجنة ان تعطي وقت كافي ومعقول لتلك المؤسستين لكي يتهيأوا لهذا القرار المفاجىء الذي ولد حالة ارباك في الهيكل التنظيمي خاصة الكم الهائل من المدربين واللاعبين والاداريين اللذين اصبحوا فائضين عن الملاك وهذه معضلة بحد ذاتها... ورغم الاعتراض لم تغير اللجنة من قرارها وبقيت متمسكة به.....
عندها اتفقت المؤسستين التي كانت وكما هو معروف تتسيد اكثر البطولات الكروية لما تضمه من افضل النجوم من اللاعبين اللذين يمثلون المنتخبين الوطني والعسكري المشاركة بفريق من الفئات السنية بدلا من الأساسيين والهدف ان تعيد اللجنة النظر بقرارها والعدول عنه او تأجيله لموسم،وبقت اللجنة مصرة على قرارها مما أدى الى رد سلبي من المؤسستين , وبالفعل جرت اول مباراة للشرطة خسرت11 صفر والجيش 6صفر !!الامر الذي دعى ان يترك الجمهور الملعب وولد عزوفا جماهيريا وازمة كروية كبيرة ,.وتدخلت عدة جهات لحل تلك الازمة الكروية التي كادت ان تعصف بكرة القدم العراقية الى الهاوية..
المرحوم/ عدنان أيوب صبري
وبعدها جرى اجتماع مباشر بين ممثلي الجيش والشرطة والمرحوم عدنان ايوب صبري وزير الشباب ورئيس اللجنة الاولمبية الذي كنت اكن له الاحترام والتقدير رحمه الله رغم كل شيء .. تم مناقشة الموضوع الا انهما لم يتوصلا الى حل وبقى المرحوم عادل بشير مصرا على رأيه كذلك رغم الضغوطات من المراجع ونتيجة هذا التمسك برأيه المبدئي دفع ثمنا باهضا حيث تم نقله من مدير التدريب والعاب الجيش الى الفرقة الثانية وحسب تنسيبها وقد استاء الوسط الرياضي لذلك لمكانة المرحوم عادل ودوره الكبير في عملية النهوض بالرياضة عامة وكرة القدم خاصة ؟
واتذكر اجابة المرحوم عادل عندما ساله السيد الوزيرعن سبب عدم التجاوب مع القرار لاسيما وانه اتخذ بالاجماع من قبل كافة اعضاء اللجنة الاولمبية. ...اجابه المرحوم عادل , لو لم يكن سيادتكم في وقت واحد وزيرا للشباب ورئيسا للجنة الاولمبية العراقية لما ايد الاعضاء هذا القرار؟ كل تاريخ هذا الرجل مبادىء واخلاص وثقة بالنفس ولتلك الصفة المبدئية التي تحلى بها كانت ولإزالة نادرة !
يكابر وهو مريض طريح الفراش !
لقد علمت وعن طريق الصدفة من احد اقاربه بانه مريض وقمت بزيارته وكانت صحته متدهورة , وكان وضعه مؤلم , مما حدى بي وبعجالة لاهمية الموضوع ان اخبر المرحوم صباح مرزا الذي تربطني به علاقة أخوية قديمة وقد كان انذاك مرافقا اقدم لرئيس الدولة بمرض المرحوم عادل وحاجته للعلاج خارج القطر بناء على توصية الاطباء والذي تربطني به علاقة اخوية قديمة ولعبنا سويا في فريق النادي الاولمبي بكرة القدم عن شدة مرض عادل بشير وحاجته للعلاج خارج القطر حسب اقتراح الاطبا ء وللامانة وبعد ايام قليلة جدا اتصل وسلمني مبلغ وقال تذهب انت وفهمي القيمقجي رحمه الله وتعطون المظروف الى عادل بشير وهي مساهمة لما قدمه للرياضة العراقية لتغطية نفقات علاجه في الخارج وتبلغوه تحياتي ....
وقد اعتذر في البداية عن أستلام المبلغ , ألا بعد بعد محاولات عديدة لانه كان هكذا أباء واعتزاز وله مفاهيمه في قيم الحياة ولابد ونحن بصدد تلك المبادرة الانسانية للمرحوم صباح مرزا ان نذكر القراء الاعزاء باننا ومن منطلق الحقيقة والوفاء لهذا الرجل فانه من ضمن القيادات الرياضية التي خدمت الرياضة العراقية بدون اي مقابل يذكر ووجاهة ومصلحة خاصة,فهو يستحق الذكر الطيب أسوة ممن سنكتب عنهم تباعا ان شاء الله .
مهما نكتب عن المرحوم عادل بشير وسماته وتاريخه الرياضي المشرف فهو قليل من كثير ....انجازاته الكروية عديدة للمنتخبين الوطني والعسكري ... عنصر فعال و متميز في أنشطة المجلس الدولي للرياضة العسكرية – السيزم – وكان من الاوائل الذي أهتم بالدورات التدريبية للمدربين داخل وخارج العراق .... من القيادين الرياضيين القلائل الذي كان يطالب بضرورة أعطاء الفرص للغير وتهيأة الكوادر في جميع المجالات الرياضية لغرض المنافسة , لان المنافسة تخلق الابداع والتطور ... أما الاحتكار الفردي فهو قتل المواهب ؟؟...تغمدك الله برحمته الواسعة ووفائنا لك هو جزء بسيط مقارنتا للشيء الكثير الذي قدمته لنا من الدرايةف والمعرفة وكنت بحق نموذجا في الحرص والاخلاص ومثالا في النزاهة ؟؟ رحم الله المرحوم عادل بشير واسكنه فسيح جناته
الدكتور –عبد القادر زينل
3002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع