ذكرياتي مع الأوفياء: د.أمير إسماعيل..
تربـَّع على عرش البساط 13عاماً!
الذكريات روافد تصب في مسار الحياة.. يسقط منها ما قد يؤثر سلباً في المسار، ويترَسّب منها في وعاء الذاكرة، ما يؤثر إيجاباً في مسارنا الطويل، فيتحقق ما يقوله الشاعر: (إن الذكريات هي معنى العُمر في هذه الحياة).. وفي سياق الذاكرة أشخاص أسهموا بهذا القدر أو ذاك في بناء رياضتنا وتحديد نهجها ومستقبلها..نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاءً لهم ولما قدّموه..هذا الوفاء هو الرابط الإنساني الذي يبقى يُذكرنا بالمقولة: (مَن علـَّمني حرفاً ملكني عبداً) إلى هؤلاء جميعاً أحني رأسي تقديراً واعتزازاً، وإلى ذكراهم أقدم كلماتي التي يُسطـِّرها الضمير، ويحكيها القلب عبر مجلة الگاردينيا.
من النادر جداً وفي ظل إمكانيات تدريبية بسيطة وبُنى تحية رياضية محدودة أن يظهر رياضي متعدد المواهب يمارس أكثر من لعبة ويجيد أغلبها ويتميز كبطل في إحداها..إنه البطل أمير إسماعيل حقي الذي يحلو للعديد من أصدقائه ومحبيه تسميته - أموري - اخترته في الحلقة (الرابعة) اليوم ضمن سلسلة ذكرياتي مع الأوفياء في الرياضة العراقية اعتزازاً بتاريخه.
نشأتـه
نشأ في بيئة شعبية في منطقة الأعظمية - السفينة - حيث مسكنه بالقرب من ضفاف نهر دجلة الخالد مصنع رواد السباحة والمصارعة والزورخانة التي مارسها على رمال شاطئها (الثـر) ومعه العديد من الشباب آنذاك الذين أصبحوا فيما بعد أبطال العراق والعرب آنذاك ومنهم :
رحومي جاسم وحسن عبد الوهاب وكمال عبدو وعبد الرزاق محمد صالح وقاسم السيد وكرمان سلمان وخلدون عبدي وجلال شاكر وخالد احمد وبهاء توفيق ومهدي وحيــد وعدنان القيسي وصالح مهدي وعبدالكريم حميد(زعيم) و غازي حميد و حمدي أحمد غيرهم.
إن اكتشاف البطل أموري كمصارع موهوب عاصر بعض مدربي المصارعة والزورخانة المعروفين من صاحبي الخبرة والدراية منهم المرحوم البطل - مجيد لولو - الذي أشرف في فترة ما على تدريب بطلنا أموري.. وبالمناسبة فالمرحوم - مجيد لولو- من الرواد الذين قدموا الكثير للرياضة العراقية لألعاب عــدة منها الزورخانة والمصارعة.
لم تتوقف موهبة رياضينا - أموري - عند لعبة المصارعة وحسب وإنما شارك في العاب أخرى وتميـَّز بها كالسباحة إضافة إلى لعبة الفن النبيل وهي الملاكمة الذي حقق فيها بطولة العراق في وزن الثقيل عام 1961 وفي العاب القوى تميَّز في لعبتي - رمي القرص والثقل - وكان احد أبطال المتوسطات ومنتخبات التربية في تلك الفعالية وكان معه من الأبطال المتميزين حاتم دواف بطل 100 و200م ومصطفى الإمام بطل 400 م وطاهر حمود بطل 800م . ومن تاريخ الذكريات لهذا البطل المتواضع المتعدد المواهب التي رواها لي المدرب الكروي المعروف والمربي المرحوم محمد حسون الذي أشرف أيضاً على تدريب - أموري إسماعيل - كحارس مرمى في متوسطة النعمان التي احتكرت لسنين طوال بطولات التربية في كرة القدم حيث كان كما أكد لي المرحوم حسون انه يجد في - أموري - إمكانيات عالية في حراسة المرمى لما يمتلكه من مواصفات بدنية وجسمانية رائعتين وكان باستطاعته ان يكون ضمن أحد المنتخبات كحارس مرمى لو استمر , ولكن عشقه للمصارعة الذي تسيّد أكثر بطولاتها لسنوات عــدة أبعدته عن ممارسة كرة القدم !
ونحن بصدد التطرق للمرحوم محمد حسون لابد ومن باب الوفاء أن نتطرق لهذا الإنسان الدؤوب الذي نفتخر ونعتز أنه أشرف على تدريبنا ومعي العديد من الإخوة الرياضيين أذكر منهم:
أنور جسام وسورين هايك ومجبل فرطوس وغانم عبد الحميد وإسماعيل عباس وعبد القادر عبد اللطيف وفيصل صالح وتركي هاني وآشود همبرسوم وسمير ناشىء والمرحومين بشار رشيد وفخري ناجي في منتخبات تربية الرصافة ومنتخب العراق المدرسي المشارك في البطولة العربية المدرسية التي جرت في دمشق منتصف الستينات وكان بحق مدرسة قائمة بحد ذاتها لنظرته الموضوعية وخبرته الطويلة وقد تعلمنا منه ليس الأمور الفنية وحسب وإنما الجوانب الإدارية والتربوية والكثير الكثير.
وكان في الوقت نفسه من (الكشافين) النادرين للبحث عن اللاعبين ذوي المواهب الكروية من دون كلل أو ملل في سيارته - الكلاسيكية الخاصة - ومن الصدف التي أعتز بها هو عملي معه في الاتحاد العراقي لكرة القدم عندما شغل منصب سكرتير الاتحاد بداية السبعينات.. تغمده الله برحمته الواسعة.
طموح مشروع
إن طموحه لنيل العُلا كان كبيراً فتواصل ببطولاته العديدة بالتزامن مع دراسته العليا في ألمانيا فكان له ما أراد وظفر بالإبداعين الأول هو الإبداع الفني كبطل متميز وكذلك طموحه في دراسته الأكاديمية .. لقد احتكر لفترة طويلة بطولات العراق بالمصارعة الحرة والرومانية بالوزن الثقيل من عام 1954 ولغاية 1967، أما على المستوى العربي فقد حقق للعراق إنجازاً كبيراً لحصوله على الميدالية الذهبية في البطولة العربية الثانية التي أُقيمت في بيروت عام 1957 وفي بطولة العالم العسكرية التي أُقيمت في القاهرة عام 1963 حصل على الميدالية الفضية.
صدمة مكسيكو
إن تربع بطلنا أموري إسماعيل على منصات التتويج في المصارعة لأكثر من 15عاماً لم تكن بالأمر السهل لاسيما أن العراق كان يزخر آنذاك بأبطال معروفين حاولوا منافسته ولم يستطيعوا بسبب إمكانياته الفنية وحرصه والتزامه العالي بالنهج التدريبي المطلوب واستمر في نهجه التدريبي حتى وهو يدرس كطالب لنيل شهادة الدكتوراه في ألمانيا عام 1967 لتحقيق هدفه وما كان يخطط له وهو محاولة حصوله على إحدى الميداليات الاولمبية في دورة مكسيكو لاسيما وانه كان في قمة مستواه وان الجانب الألماني سواء المعهد الذي يدرس فيه أو الاتحاد الألماني للمصارعة قد وفروا له الأجواء التدريبية والمشاركات الودية مع أبطالهم لتأهيله والمساهمة في إعداده للدورة المذكورة خاصة بعدما شاهدوا إمكانياته الفنية والبدنية الكبيرة مما ازداد من اهتمامهم به وكان للأمانة محط تقديرهم واعتزازهم وهذا ما لمسناه لاحقاً من تلك السمعة الطيبة التي تحلى بها بطلنا - أموري - خلال دراستنا للدكتوراه في المعهد نفسه الذي درس فيه.
إن حلم حصوله على إحدى الميداليات الاولمبية في دورة مكسيكو سيتي الاولمبية المزمع إقامتها في المكسيك الذي خطط له بكل عزيمة واندفاع ليرفع اسم العراق عالياً في ذلك المحفل العالمي الكبير لم يتحقق لاعتذار العراق عن المشاركة في تلك الدورة بسبب الاحتدام العربي - الإسرائيلي وقد سببت له صدمة كبيرة.
اعتزال اللعبة
بعد الدورة الاولمبية عام 1968 ونتيجة الصدمة التي إصابته بسبب عدم مشاركته تمثيل العراق بتلك الدورة الاولمبية قرر اعتزال اللعب واتجه للتحكيم حيث سعى للمشاركة بأول دورة تحكيمية دولية أقيمت في - برلين - وحصل فيها على شهادة حكم دولي بامتياز وقد تم اختياره بعد حصوله على تلك الشهادة لتحكيم بطولات عربية وقارية ودولية عــدة.
شهادة الدكتوراه
أما الإبداع الثاني وهو الحصول على شهادة الدكتوراه عام 1972 من المعهد العالي للتربية البدنية في المانيا - مدينة لايبزك - وهذا ما ميزه عن أقرانه من الرياضيين الذين توقف قطار طموحاتهم في محطة المنصات التتويجية الرياضية ثم تواروا عن الأنظار برغم ما حققوه من انجازات كبيرة تستحق التقدير والذكر الطيب.
أنشطة ومواقع
من الأمور التي تدعو للاعتزاز بمثل هؤلاء الأبطال هو سعيهم وحرصهم للحصول على المستجدات العلمية من خلال الدراسات العلمية أو مؤتمراتها للمساهمة في تحقيق التطور في شتى المجالات لينالوا ما يصبون إليه لينعكس إيجابياً على البلد في المحافل الرياضية العديدة وهذا ما تحقق للدكتور أموري خلال مسيرته الرياضية المشرفة عندما أسهم في العديد من الأنشطة والمواقع.. فعلى المستوى المحلي مدير عام في وزارة الشباب وعميد كلية التربية الرياضية ونائب أول لرئيس اللجنة الاولمبية ورئيس تحرير جريدة الرياضي ، وعلى المستوى العربي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العربي للألعاب الرياضية ورئيس الاتحاد العربي للمصارعة وعلى المستوى الآسيوي رئيس للبعثة الرياضية المشاركة بدورة الألعاب الآسيوية التي جرت في طهران عام 1974 ثم اُنتخب رئيسا للاتحاد الآسيوي بالمصارعة ، وعام 1978 ترأس البعثة الرياضية العراقية المشاركة في الدورة الآسيوية التي جرت في بانكوك عاصمة تايلاند وعلى المستوى الدولي أصبح نائب رئيس الاتحاد الدولي للمصارعة واختير عضواً شرفياً في الاتحاد العالمي للمصارعة مدى الحياة لتاريخه المشرّف باللعبة ولما قدمه للمصارعة كبطل واتحادي أسهم في عملية النهوض مع خبرائها، فضلاً عن السمات الإنسانية النبيلة التي تحلى بها أموري مثلما نقل لي صديقنا الوفي صلاح هاشم عن مواقفه السخية في إبداء المساعدة لعدد من الأصدقاء الذين مرّوا بظروف صعبة.
آخـر الكلام
البطل كلمة لها قيمتها وينبغي أن تُقال لمن يستحقها لأخلاقه وتواضعه واتسامه بالإيثار قبل الإنجاز!
2884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع